منذ خمس سنوات تخضع قرى وبلدات الغوطة الشرقية، في ضواحي العاصمة السورية دمشق، إلى حصار خانق تفرضه قوات النظام السوري والميليشيات الحليفة لها، يترافق مع قصف مدفعي وصاروخي منتظم، وغارات جوية تستخدم فيها البراميل المتفجرة وغاز الكلور. وخلال الأسابيع القليلة المنصرمة كثف النظام هجماته على دوما وعين ترما ومسرابا وعربين، واستهدف المشافي ومراكز الدفاع المدني، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى قرابة 400 ألف مدني محاصر، بينهم 127 طفلاً «يواجهون خطر الموت» حسب تصريح الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة.
كل هذا يجري تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي لا يحرك ساكناً للضغط على النظام وحلفائه أو مناصريه، وسط مفارقة فاضحة تشير إلى أن الغوطة الشرقية تقع ضمن مناطق خفض التصعيد، التي تم الاتفاق عليها في مباحثات العاصمة الكازاخية أستانة، سنة 2017، برعاية روسيا وتركيا وإيران. أكثر من هذا، يخرج وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على العالم بحلّ يضيف الإهانة على جراح أهل الغوطة المحاصرين، فيقترح إمكانية تطبيق نموذج عملية حلب في الغوطة الشرقية لإخراج مقاتلي «هيئة تحرير الشام» منها.
وإذْ يتناسى لافروف أن أعداد هؤلاء لا تتجاوز 100 مقاتل، فإنه يتغافل عامداً عن حقيقة أن فصيل المعارضة المسلح الأول في الغوطة الشرقية هو «جيش الإسلام»، الذي يُعد مقاتلوه بعشرات الآلاف، وأن موسكو والمجتمع الدولي سبق أن تعاطت مع قيادات هذا الجيش في إطار مفاوضات رسمية رعتها الأمم المتحدة، الأمر الذي عنى الاعتراف به كطرف معارض له صفة مكرسة محلياً ودولياً. وإذا صح نفي هذا الجيش دخوله في أي مفاوضات مع النظام، فإن ما يتردد عن جولات تفاوض ترعاها موسكو في هذا السياق إنما يدور بالتالي حول إجلاء العشرات من مقاتلي «تحرير الشام»، وأن القصف الوحشي الذي يستهدف مئات الآلاف من المدنيين يجري لخدمة هذا الهدف الهزيل.
من الواضح، إذن، أن النظام السوري على اتفاق تام مع موسكو وطهران حول ضرورة تحقيق حسم عسكري أياً كانت أثمانه من حياة المدنيين المحاصرين في الغوطة الشرقية، الأمر الذي لن يكون ميسوراً إذا تطورت العمليات العسكرية نحو مواجهة مفتوحة مع «جيش الإسلام» ذي العدد والعدة والتسليح الثقيل، وسيسفر عن مزيد من الضحايا الأبرياء في صفوف المدنيين.
وقبل يومين سقط 100 من أبناء الغوطة الشرقية، فبلغ العدد 700 شهيد خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط، بالإضافة إلى آلاف الجرحى المحرومين من أبسط الدواء والعلاج، خاصة بعد أن تعرضت خمسة مستشفيات للقصف والتدمير. وللتذكير هذه هي المنطقة التي تعرضت للضربة الكيميائية الأخطر منذ انطلاق الثورة السورية، حين قصفها النظام بغاز السارين في صيف 2013 وأودى بحياة أكثر من 1300 شخص، بينهم نساء وأطفال.
وتلك كانت جريمة حرب تعيد التشديد على عجز المجتمع الدولي، لأنها تذكر بالخط الأحمر الشهير الذي رسمه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بصدد استخدام الأسلحة الكيميائية، والذي داس عليه النظام السوري مراراً وتكراراً بعدئذ. تكررت الخطوط، ومعها تواصلت جرائم الحرب، وبقيت دماء الضحايا ترسم الخط الشاهد على هوية عصرنا.
القدس العربي