أعلنت سانا، وكالة أنباء النظام السوري الرسمية، أن «قوات شعبية ستصل إلى عفرين خلال الساعات القليلة المقبلة». ومن جانبها أكدت مصادر كردية في الإدارة المشتركة لإقليم عفرين أن «قوات النظام السوري ستنتشر على طول بعض المواقع الحدودية وقد تدخل منطقة عفرين خلال اليومين المقبلين».
هذا يعني أنه تم التوصل بالفعل إلى اتفاق بين «وحدات حماية الشعب» الكردية والنظام السوري، بعد تعثر مفاوضات سابقة بسبب اشتراط النظام السوري نزع سلاح الوحدات والانسحاب من مواقع استراتيجية في الإقليم مثل تل رفعت والشيخ عيسى. وليس واضحاً بعد ما إذا كان هذا الشرط قد تمت الموافقة عليه، أو أن الاتفاق يتناول أيضاً المسائل السياسية الشائكة، خاصة وأن النظام يرفض أي مشروع لإقامة كيان كردي منفصل أو إدارة ذاتية مستقلة.
وقد يكون هذا هو العنصر الأكثر حساسية في اتفاق يبدو هشاً أصلاً، إذ من غير الواضح ما إذا كانت الوحدات ستتعايش على نحو سلمي مع قوات النظام السوري، أو أن الهدف المشترك المعلن في مواجهة العملية التركية سوف يخمد التناقضات الكثيرة التي تكتنف قراءة الأرباح والخسائر لدى حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري. وليس مفاجئاً بالتالي أن يعلن بدران جياكرد، المستشار في الإدارة الكردية لإقليم عفرين، أن «القضايا السياسية والإدارية في المنطقة سيتم الاتفاق عليها مع النظام في المراحل اللاحقة عبر مفاوضات وحوارات مباشرة».
ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تشهد تعاوناً بين النظام والفصائل الكردية، فقد جرى التنسيق بينهما في وجه تقدم القوات التركية نحو منبج والشيخ مقصود خلال عملية «درع الفرات» سنة 2016، فإن الاتفاق الراهن يعد سابقة ذات مغزى لجهة افتضاح مقدار الضعف العسكري الذي تعاني منه الفصائل الكردية في عفرين، واضطرارها إلى الاستنجاد بالنظام على ما تحمله هذه الخطوة من مخاطر. وهذه حال تعكس، أيضاً، الثغرات الكبيرة أو القاتلة التي ينطوي عليها تحالف الأكراد مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف يمكن أن يختل استراتيجياً، أو أن يتبدل بين عفرين ومنبج وشرق الفرات.
الرأي التركي المتكامل حول هذا الاتفاق لم يتضح تماماً بعد، في انتظار التطورات على الأرض، وإن كان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قد استبق الموقف وأوجز: «إذا دخل النظام لتطهير المنطقة من حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي فلا توجد مشكلة»، وأما إذا كان الهدف هو العكس «فلا شيء ولا أحد يمكنه وقفنا». وفي المنطق السياسي والعسكري البسيط، يبدو الاتفاق أقرب إلى خدمة العملية التركية وليس إفسادها، إذ من الواضح أن هدف أنقرة لم يكن اقتحام عفرين المدينة بل تطويقها من جميع الجهات ما عدا الجنوب، وقطع اتصالها الجغرافي بمناطق سيطرة الأكراد في منبج، وهذا ما تحقق أو يكاد. وليس جديداً أن تتطابق مصالح النظام السوري مع مصالح تركيا في ضبط الفصائل الكردية، وتحجيمها سياسياً وعسكرياً.
بذلك فإن وحدات الحماية الشعبية تبدو الخاسر الأكبر في لعبة إقليمية إضافية، لا تغيب عنها واشنطن وموسكو. وليس هذا جديداً على الأكراد، كما تقول تجارب الماضي.
صحيفة القدس العربي