مذكرة رسمية وجهتها السلطات الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لمطالبتها بفتح تحقيق بشأن الاستيطان وجرائم الحرب الإسرائيلية، في خطوة قانونية يسعى الفلسطينيون من خلالها إلى توفير الحماية للشعب الفلسطيني ومحاكمة المسؤولين الإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم بحق هذا الشعب.
وانضمت فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية في أبريل/نيسان 2015 بعدما وقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على ميثاق روما في نهاية عام 2014. في حين أن إسرائيل ليست عضوا فيها.
ما هي “الإحالة” الفلسطينية؟
في 22 مايو/أيار 2018 قدم وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي ما يطلق عليه طلب “إحالة” يعطي المدعية العامة بالمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا سندا قانونيا لتجاوز حدود التحقيق الأولي الذي بدأه مكتبها في يناير/كانون الثاني 2015.
وتطالب الإحالة -التي سلمها الوزير الفلسطيني للمدعية العامة عملا بالمادة 45 من نظام المحكمة- بفتح تحقيق فوري بشأن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تمارسها إسرائيل في الأراضي المحتلة، وذلك اعتبارا من 13 يونيو/حزيران 2014.
ويمكن للمحكمة الجنائية أن تمارس اختصاصها من خلال ثلاث طرق؛ هي: أن تتم الإحالة من دولة طرف، أو أن يقوم المدعي العام للمحكمة بالتحقيقات بنفسه بعد الحصول على إذن الدولة التي وقعت الجريمة على أراضيها، كما يمكن للمحكمة العمل بعد الإحالة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
المسؤولون الفلسطينيون وصفوا الخطوة بالمهمة والتاريخية، وقالوا إن الهدف منها هو توظيف أدوات الشرعية الدولية لحماية الشعب الفلسطيني، وتحقيق المساءلة والمحاسبة ضد المسؤولين الإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم بحق الشعب الفلسطيني.
من شملتهم الإحالة؟
شمل ملف الإحالة الفلسطيني قائمة بقيادات إسرائيلية يتعين على المحكمة الجنائية ملاحقتهم بسبب الجرائم التي اقترفوها بحق الشعب الفلسطيني، أبرزهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وبحسب ما أكد ماجد بامية، الدبلوماسي في بعثة دولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، فإن القائمة تشمل أعلى الشخصيات الإسرائيلية على المستويين السياسي والعسكري.
ما الجرائم المشمولة بالإحالة؟
جاء في بيان للمدعية العامة أن دولة فلسطين “تطلب من المدعية العامة إجراء تحقيق، وفقا للاختصاص الزمني للمحكمة، في الجرائم المرتكبة في الماضي والحاضر والتي ستُرتكب في المستقبل، في جميع أنحاء إقليم دولة فلسطين”.
وشملت الإحالة -حسب وزارة الخارجية الفلسطينية- جرائم الحرب السابقة والحالية والمستقبلية والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وأرضه، بما فيها الأنشطة الاستيطانية غير الشرعية، والتهجير القسري، ومواصلة هدم المنازل والبنى التحتية للدولة الفلسطينية، والقتل المتعمد للمتظاهرين الفلسطينيين العزّل، والاعتقال التعسفي وممارسة أبشع أساليب التعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين.
وقال وزير الخارجية الفلسطيني إن الإحالة ستعطي الادعاء سلطة التحقيق في اتهامات بارتكاب جرائم بدأت في عام 2014 وما بعده، منها مقتل عشرات في احتجاجات في غزة في مايو/أيار 2018.
كيف ردت إسرائيل؟
رغم أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية، فإن الخطوة الفلسطينية القانونية أثارت غضبها وخوفها في الوقت نفسه، فقد وصفتها وزارة الخارجية الإسرائيلية بـ “التصرف الخطير”، واعتبرت أن الأمر ليس من اختصاص المحكمة، كما أن السلطة الفلسطينية ليست دولة، حسب تعبيرها.
وبموجب االقانون الدولي، فإن عدم عضوية إسرائيل في المحكمة الجنائية لا يعفيها من الملاحقة الدولية، حيث إنه إذا ارتكب مواطنون إسرائيليون جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية في أراضي دولة عضو في المحكمة، يمكن أن يقعوا تحت طائلة السلطة القضائية للمحكمة.
ما الخطوة التالية؟
تتجه الأنظار بعد الإحالة الفلسطينية إلى المدعية العامة للمحكمة الجنائية باعتبارها المكلفة باتخاذ القرار الأخير في القضية.
ويطالب الفلسطينيون المدعية العامة بفتح تحقيق بشأن الاستيطان الإسرائيلي وجرائم الحرب الإسرائيلية، وقال وزير الخارجية الفلسطيني للصحفيين بعد اجتماعه مع بنسودا “نريد بهذه الإحالة القضائية أن يفتح مكتب المدعية العامة دون تأخير تحقيقا في جميع الجرائم”. وأضاف “العدالة المؤجلة هي عدالة مسلوبة، لقد تأخرت العدالة بما يكفي في فلسطين، آن الأوان لتحقيقها”.
أما المدعية العامة فردت في بيان بعد الخطوة الفلسطينية بأن “الإحالة لا تؤدي تلقائيا إلى فتح تحقيق”، لكنها استدركت قائلة “ينبغي ألا يكون هناك شك في أنني في القضية الحالية وفي أي قضية معروضة أمام مكتبي، سأتخذ دوما القرار الذي يكفله التفويض الممنوح لي”.
ورغم أن الإحالة لا تؤدي تلقائيا إلى فتح تحقيق بموجب المادة 12 من قانون المحكمة، فإنه إذا قررت المدعية أن الحالة المحالة إليها تُبرر إجراء تحقيق وفقا للمعايير الواردة في النظام الأساسي، فإنه في هذه الحالة لا يتطلب النظام الأساسي أن تطلب الإذن من الدائرة التمهيدية للمحكمة من أجل الشروع في التحقيق.
وكانت المدعية العامة للمحكمة الجنائية قد توعدت في أبريل/نيسان 2018 بمحاكمة مرتكبي الفظائع ضد السكان في قطاع غزة، وحذرت من أن العنف ضد المدنيين يمكن أن يشكل جرائم بموجب اتفاقية روما.
أستاذ القانون الدولي في جامعة ميديل سيكس، وليام شاباس قال لقناة الجزيرة في 22 مايو/أيار 2018 إن الإحالة الفلسطينية تؤدي إلى إلزام المدعية العامة باتخاذ القرار، ويمكنها أن ترفع التهم بشأن الجرائم التي ارتكبت فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأشار المتحدث إلى أن المسألة تتركز على المدعية العامة، وبعد الإحالة يمكن للمدعية أن تحصل على مذكرة توقيف بلا أي متطلبات قانونية، ويكون ذلك بمذكرة توقيف سرية.
وقال إن المسؤولين الإسرائيليين يمكن أن تتهمهم المحكمة الجنائية بشكل سري، فمثلا إذا سافروا إلى أي بلد عضو في المحكمة الجنائية يمكن توقيفهم ومحاكمتهم، ووصف الخطوة الفلسطينية بالتطور المهم، لكنه أشار إلى أن المحكمة الجنائية تاريخيا لم تنجح في كل القضايا التي طرحت عليها.
في حين يقول الدبلوماسي في بعثة دولة فلسطين لدى الأمم المتحدة إن فتح التحقيق سيكون له الأثر على المتهمين منها مذكرات التوقيف، وأثر على سمعة ومكانة وعلاقات إسرائيل بمختلف الدول خاصة الدول الأوروبية التي تعتبر أن الانضمام لميثاق روما إجباري للالتحاق بـالاتحاد الأوروبي.
وتساءل الدبلوماسي الفلسطيني في تصريح لقناة الجزيرة عما إذا كانت هذه الدول ستستمر في علاقاتها العسكرية والسياسية مع دولة أكبرُ مسؤوليها يواجهون تحقيقا أمام المحكمة الجنائية الدولية.
يذكر أن المحكمة الجنائية الدولية تجري منذ عام 2015 دراسة أولية بشأن الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك منظومة الاستيطان الإسرائيلية.
الجزيرة