تعتمد قيادات داعش الإرهابية في استراتيجيتها القتالية التعبوية على عدة مضامين تسهل لها تنفيذ مهامها القتالية باستخدام العديد من أدواتها ، والسعي لتوسيع دائرة نفوذها ، وهيمنتها ، والعمل على إظهار منظومة الردع والتخويف والتمكين في مواجهة الأعداء والخصوم ، وبالتالي تعزيز مفهوم التقدم والصدمة القتالية في التمدد والانتشار ، وتتحقق هذه الغاية عبر مؤسساتها الفكرية والعقائدية والتنظيمية ، في توطين حالة التآزر والتآلف بين عناصرها ومؤيديها ، وبإتباع العديد من الطرق والوسائل لتعزيز هذا المفهوم الحيوي وصولاً إلى ترصين التنظيم وتقويته بين شرائح المجتمع ، وفي المناطق التي يسعى للعودة إليها ، ضماناً للحفاظ على النفوذ ، وإدامة السيطرة .
ومن أهم الأساليب المتبعة من قبل هذه العناصر هي : تحقيق علاقتها بالأفراد الذين ينتمون لهذه المناطق ، وإدامة علاقتها مع الخلايا النائمة من الذين تم التأثير عليهم فكرياً ونفسياً ، وتم إعدادهم للقيام بعملياتٍ إرهابيةٍ أو مواجهاتٍ للقوات الأمنية والعسكرية أثناء سيطرتها وتحكمها بالمناطق التي سيطرت عليها قبل أربع سنوات .
ويبقى الهاجس الأمني المسيطر والمهيمن على تداعيات المواجهات العسكرية بين عناصر داعش والقوات الأمنية والعسكرية ، ويلقي بظلاله على مستقبل التنظيم وتواجده داخل المحافظات التي تمكن التنظيم من التواجد والبقاء فيها فترة زمنية طويلة ، وتبقى عملية تواجد هذه العناصر ، وإمكانية مكافحتها ، والحد من إعادة تأهيل قواعدها ، والعمل من جديد باتجاهات وأطر ومبادئ أخرى ، هاجساً أمنياً يتعلق بالجهات الأمنية والاستخبارية وعاملاً في توحيد الجهد الدولي والإقليمي تجاه الإعداد ، واختيار الخطط الميدانية الإستراتيجية الكفيلة بحماية العراق ودول الجوار من تجذر وبقاء خلايا هذا التنظيم ، لتعمل بكل فاعلية ونشاط لتفعيل الجهد الأمني الجاد في سبيل تحقيق الغاية التي يسعى لها الجميع والمتمثلة بتحقيق الأمن في عموم مناطق العراق .
إن المتتبع لتوجهات هذا التنظيم ، يعلم جيداً أن العقيدة الفكرية المتطرفة التي يؤمن بها أتباعه ومؤيديه ، لا تنتهي بعملية عسكرية كبيرة ، وإنما بسرعة ظهور عناصره وسرعة تلاشيهم وابتعادهم نحو الوديان والصحارى والبراري والبادية والجزيرة ، مستخدمين أماكن ومقرات بعيدة ومخفية عن الرصد الاستخباري والميداني ، ويعملون على إعداد وتأهيل أنفسهم من جديد ، وإعادة ترتيب أوضاعهم الداخلية بأسسٍ وأساليبٍ جديدة ، وفق خططٍ أمنيةٍ يَرسُم ملامحها بعض قياداته بالاعتماد على المعلومات التي تصلهم من خلاياهم النائمة التي تعد الإسناد الداخلي لهم .
ومرةً أخرى تعاود عناصر داعش مزاولة نشاطاتها الإرهابية ، وفعالياتها التخريبية ، وتنفيذ العديد من عمليات الخطف والإرهاب بحق المواطنين العزل ، أو بعض عناصر القوات الأمنية والعسكرية والحشد الشعبي ، وكل غاياتها من ذلك إعادة الثقة لمقاتليها ، وإثبات وجودها ، وتأكيد توجهاتها الإعلامية ، وقدرتها في العودة لمزاولة أنشطتها الإرهابية في العراق ، وقد تمكنت عناصر من تنظيم داعش الإرهابي من اتخاذ سلسلة جبل حمرين مقراً لها للتسلل إلى الطرق الرئيسية التي تربط بين محافظات كركوك – صلاح الدين – بغداد ، متنكرةً بالأزياء العسكرية ، لإيهام المواطنين بأنها جهات أمنية حكومية ينبغي التوقف في سيطراتها التي تقوم بإعدادها ، مستغلين الفراغ العسكري والفجوات الأمنية التي تحدث نتيجة انسحاب القوات العسكرية والأمنية منها ، وإقامة حواجز وسيطرات أمنية زائفة يتم خلالها اختطاف المواطنين ، ومن ثم الانتقال بهم إلى مقرات تواجد عناصر التنظيم في سلسلة جبال حمرين ، مستغلين الطبيعة الجغرافية الصعبة والمعقدة للسلسلة الجبلية المحاطة بعدد من الوديان ، وصعوبة وصول القوات العسكرية إليها وتطهيرها ، وهذا ما أشار إليه (مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية) بمقاله الموسوم “هل من عودة لداعش؟” والذي نشر بتاريخ التاسع عشر من حزيران الماضي .
إن استمرار عمليات نصب السيطرات وخطف الأشخاص ، أصبح أسلوب ومنهج تقوم به عناصر داعش ، بعد أن أصبحت الحدود الغربية لمحافظة صلاح الدين مكشوفة تماماً أمامهم ، وأصبحت مرتعاً لهم ، يصولون ويجولون فيها بسياراتهم وأسلحتهم ومعداتهم دون رقيب .
فقبل أسبوعين قام عناصر من التنظيم باختطاف عدد من رعاة الأغنام في صحراء ناحية الصينية التابعة لمحافظة صلاح الدين ، وتم تعذيبهم ومن ثم قتلهم ، والتباهي بجرائمهم من خلال بثهم لمقاطع مصورة توثق لجرائمهم البشعة ، تم تداولها في العديد من وسائل الإعلام المرئي ، والقنوات الفضائية ، ووسائل التواصل الاجتماعي ، وهو أمرٌ تكرر في الصحراء الواقعة ما بين محافظتي صلاح الدين – ديالى ومحافظتي صلاح الدين – كركوك ، كان آخرها اختطاف عدد من المواطنين من أهالي محافظتي الأنبار وكربلاء من الذين يسلكون الطريق العام بين كركوك – بغداد ، وتم استخدام أساليب التعذيب الوحشي ضدهم ومن ثم قتلهم ورميهم على الطريق العام .
إن عودة النشاط الإرهابي لعناصر داعش ، هو مؤشر خطير ينبغي التعامل معه بجدية بالغة ، وفق أولوية مطلقة ، للقضاء عليه وإفشال محاولاته للعودة .
إن الإرهاب ظاهرة تهدد أمن وسلامة وحياة الإنسان والمجتمع ، وتستهدف الاستقرار والتقدم والرقي ، وتخلق بيئة مخيفة مرعبة في نفوس المواطنين ، وهي من الظواهر التي جرمتها المواثيق الدولية ، والمبادئ والقيم الإنسانية ، وحرمتها جميع الشرائع الإلهية .
يمكن أن نواجه عودة الإرهاب ، والتمكن منه ، من خلال اتباع منظومة سياسية فكرية وأمنية واستخبارية مزدوجة ، تساعد على المضي في تحقيق الأمن المجتمعي للعراق ، وتحجيم أو تقليل ضرر الإرهاب ، والقضاء عليه ، خصوصاً بعد أن بدأت عناصر داعش الإرهابية بالتوسع والتمدد وإعادة الثقة لمؤيديها ومقاتليها ، مستغلين الصراعات والمناكفات السياسية التي يعيشها العراق ، وابتعاد الطبقة السياسية فيه عن الاهتمام بالواقع الأمني ، وتطور الأحداث الإرهابية فيه ، وتزايد نفوذ داعش في المناطق التي سبق وأن أنسحب منها ، بفعل العمليات والمواجهات العسكرية للقوات الأمنية ، وبمساندة قوات التحالف الدولي ، وابتعاد الطبقة السياسية في العراق والتي تمثلها الأحزاب والحركات والكتل السياسية ورموزها واهتمامها بمصالحها الذاتية ، وطموحاتها السياسية ، وجعل موضوعة الانتخابات غاية اهتماماتهم ، وضالتهم المنشودة ، فضلاً عن ضعف الإجراءات الأمنية ، وانعدام المعلومات الميدانية في المناطق التي تشهد عمليات الخطف والقتل على الطرق الرئيسية ، بسبب انشغال العديد من القوات الأمنية والعسكرية والحشد الشعبي وقياداتهم بمهام بعيدة عن واجباتهم القتالية ، وتوجههم لتحقيق مصالح مالية خاصة ، من خلال انشغالهم بعمليات تهريب النفط ، ونصب السيطرات لتلقي الرشاوى والإتاوات من المواطنين كما تحدث بها المسؤولين في محافظة صلاح الدين.
كل هذه العوامل أدت إلى ظهور وسيطرة عناصر داعش من جديد على أماكن تشكل حالة من الانفلات والضياع الأمني ، وضعف الإجراءات والأساليب المتبعة في حماية المواطنين والطرق الرئيسية .
بدأ داعش يعتمد أساليب التعامل النفسي والمعنوي ويوليه اهتماما خاصا في برامجه وخططه وحملاته الدعائية ، للتأثير على الآخرين ، والسيطرة على عقولهم وأفكارهم ، واستخدام الرسائل الإعلامية كمادة تشكل له ترويجاً بين أفراد المجتمع العراقي ، لتوسيع عملياته الإرهابية والإجرامية ، وأوضح رسالة قدمها للجمهور هي الرسائل الإعلامية المصورة عبر مقاطع الفيديو والصور الخاصة التي يقوم ببثها عبر وسائله الإعلامية ، ومساهمة العديد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعية الأخرى بتناقلها .
إن لهذه الأساليب تأثيرها النفسي والمعنوي على حياة الإنسان وفكرة ربط البعد بذهنية التلقي ، هي بالأساس عملية اتصالية ، الهدف منها ، إجراء متغيرات سريعة ومستمرة في تفكير وقناعات المتلقين ، فالمؤثرات تتفاعل وتحقق نتائج تحاول أن تستند للخطاب الإرهابي ، واستخدم داعش لهذا الأسلوب كثيرا في المشهد العراقي من خلال الأفلام التي روج لها وتصوير عمليات كـ(القتل-الذبح-الحرق-الجلد-الإغراق في الماء) بعد استخدامه التقنية العالية في الإخراج والإعداد للأفلام ، تمهيداً لعرضها في وسائله الإعلامية الخاصة والتي من أشهرها (وكالة أعماق – مركز الحياة للإعلام الإلكتروني – مجلة دابق الإلكترونية باللغتين العربية والإنكليزية).
إن طبيعة الأوضاع الأمنية التي أتصف بها العراق وأجهزته الاستخبارية ، وخطوط وانتشار قطعاته العسكرية على طول الحدود المشتركة بين سوريا والعراق ، وطبيعة التدخل الدولي والإقليمي في توجه الفعل الأمني والاستخباري في العراق ، وبما يحقق مصالح كل من الولايات المتحدة الأميركية والنظام الإيراني وتوجهاتهما في منطقة حيوية ومهمة هي منطقة الحدود السورية – العراقية ، وعلى طول امتدادها ، كل هذا ، فضلاً عن أن تواجد عدد من فصائل الحشد الشعبي ، يثير العديد من المشاكل مع الجانب الأميركي الذي يرى في قوات الحشد الشعبي عمقا استراتيجياً للمشروع الإيراني في العراق ، وامتداداته داخل الأراضي السورية ، كل هذه الإجراءات ساعدت وساهمت بشكلٍ أو بآخر على استخدام قيادات داعش الممرات الحدودية المشتركة بين العراق وسوريا لعبور العديد من مقاتلي التنظيم وقياداته وعدته وعتاده للقيام بعمليات إرهابية داخل العراق .
وتمكن (مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية) من الحصول على معلومات دقيقة ومن مصادر خاصة ، تؤيد ما ذهبنا إليه من خلال تحليلات واستنتاجات حول تواجد قيادات لداعش في مناطق (الدشيشة وهجين وجزيرة ألبو كمال) السورية ، فضلاً عن المناطق المقابلة لجزيرة القائم العراقية التابعة لمحافظة الأنبار وكما يلي :
• تم رصد اجتماع موسع لقيادات داعش في منطقة هجين والبادية السورية وكان من الحاضرين :
1. مروان بشير فريجة الملقب (أبو يوسف التونسي) .
2. عوض جميل العنزي (أبو صفوان) .
3. أبو علي العراقي .
4. أبو فيصل الزيدي .
5. فاضل أبو قدامة السلماني .
وكانت الغاية من الاجتماع القيام بعمليات إرهابية انتحارية ، وإطلاق العديد من الصواريخ داخل الأراضي العراقية ، ويشرف على هذه العمليات التخريبية المدعو (أياد أبو صالح) .
• تمركز الإرهابي (صايل كردوش) أحد قيادي داعش في منطقة ألبو كمال – وادي العطشان السورية ومعه أربعة عشر عنصراً من إرهابي داعش للدخول إلى العراق والقيام بعمليات تخريبية .
• تواجد سبعة عشر عنصراً من إرهابي داعش مع أحزمتهم الانتحارية الناسفة ، وعجلاتهم المفخخة في جزيرة (هجين) السورية ، ومحاولتهم العبور باتجاه الحدود المشتركة إلى جزيرة القائم العراقية للقيام بعمليات إرهابية داخل محافظة الأنبار .
إن هذه المعلومات الدقيقة تؤشر حالة أمنية عن تواجد مقاتلي وقيادات داعش بالقرب من المناطق الحدودية بين سوريا والعراق ، وتعمل باستمرار على تنفيذ مهامها الإرهابية داخل الأراضي العراقية ، وهذا يتطلب جهدا استخبارياً وأمنياً عاليين للإجهاض على محاولاتهم الدنيئة واستهداف قياداتهم ومنعهم من الوصول الى غاياتهم الإرهابية .
إن القراءة الميدانية الدقيقة لجميع توجهات وفعاليات ومحاولة داعش للعودة مرة ثانية لاستهداف الوضع الأمني في العراق ونشر الرعب والخوف والإرهاب في نفوس أبناء شعبنا المكافح تؤكد الحقائق التالية :
1. التوقيت الزماني واحد ، والاتجاهات واحدة ، والهدف المنشود الذي تريد أن تصل اليه هذه الأيادي والأدوات الخبيثة واحدة ، ونلاحظ أن الفترة الزمنية بين حادث وآخر لا يستغرق أيام ، وهذا يدل على الإعداد الميداني الدقيق لهذه العمليات والأساليب المتبعة في تنفيذها .
2. اختيار أماكن مختلفة وفي مناطق متعددة تشرف على الطرق الرئيسية لمحافظات كركوك-صلاح الدين – بغداد ، وتستهدف جميع أطياف ومكونات الشعب العراقي ومنهم القوات الأمنية ، وهذا يعني أن الإرهاب يطال جميع العراق وأبنائه من شماله حتى جنوبه .
3. الجديد في هذه الحوادث أنها تستهدف مواطنين عزل وتحاول استثمارهم لغايات محددة بقيادات ومقاتلي داعش واستخدام الطرق الرئيسية لتنفيذ عملياتهم الإرهابية ، وهذا يشكل خرقاً أمنياً واضحاً ودليل فشل لجميع الخطط الأمنية التي تدعي الأجهزة الأمنية أنها تعمل على أعدادها وتطويرها .
4. أراد الإرهابيون إيصال رسالة محدودة ولكنها بليغة المعاني أن باستطاعتهم التواجد في أي مكان ، وأن يحددوا الأهداف التي يسعون إليها ، ويحددون الزمن وأدواته في التنفيذ ، وهي رسالة اطمئنان لعناصرهم وخلاياهم النائمة .
5. ضعف واضح في الإعداد والاهتمام والمتابعة الميدانية وعدم وجود أدوات لرصد استخباري محكم ، ومتابعة حثيثة بشكل يوازي أهمية التنظيم وخططه الميدانية والابتعاد عن العشوائية والانتقاء في مكافحة هذا التنظيم الإرهابي .
6. تعمل عناصر داعش على التواجد في المناطق التي لم يتم السيطرة عليها من قبل القوات الأمنية وبشكل كامل في سلسلة جبال حمرين والقيام بعمليات تعرضية على الخط الرئيسي الرابط بين محافظتي كركوك – ديالى ، ومحافظتي كركوك – بغداد ، مستغلين الفجوات والخروقات الأمنية التي تحدث نتيجة ضعف الانتشار الأمني العسكري في هذه المناطق.
7. عدم وجود آليات استخبارية محكمة في تفكيك واحتواء وتفتيت هذا التنظيم الإرهابي ومنعه من أن يشكل خطورة كبيرة ، أو يلحق أضراراً نفسية ، أو يصيب المجتمع العراقي بالإحباط .
8. غياب الخطاب الإعلامي والبرامج التوجيهية لمواجهة الهجمات والتأثيرات الدعائية الإرهابية التي تشرف عليها قيادات التنظيم ، والعمل على إفشالها عبر قنوات وبرامج ورؤى سياسية وأمنية واستخبارية توضع من قبل غرفة العمليات المشتركة وبالتعاون مع وزارتي الداخلية والإعلام .
9. ضرورة إيجاد خطاب إعلامي فكري ذو منهج واضح وعلمي يحصن المواطن ويثقف المتلقي ويعزز ثقته بنفسه ويرفع المعنويات ويعمل على بناء الاستعدادات النفسية في مواجهة الإرهاب .
10. الابتعاد عن تضخيم قدرات داعش الإرهابي ، والتأكيد على هزائمه وأدواته التخريبية ، وأفعاله الشنيعة ضد المجتمع وحضارة وتاريخ العراق وشعبه .
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية