ويدفع المواطن الذي يتعرض للابتزاز مبالغ مالية كبيرة، وغالباً ما يكون المستهدفون من رجال الأعمال وأصحاب المحال التجارية والميسورين من سكان تلك المدن.
وقال الناشط المدني عامر الحديدي، وهو أحد أهالي الموصل: “إن عمليات الابتزاز أربكت الوضع الأمني كثيراً، ودفعت عشرات الأسر إلى المغادرة خشية على أبنائها من الوقوع ضحيتها”.
وأشار الحديدي في تصريحٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “بعض الضباط وعناصر الأمن والحشد الشعبي والعشائر، يعتقلون رجالاً وشباناً بتهم كيدية يتلقونها من مخبرين سريين، ثم يبدأون بمساومة ذوي المعتقلين على مبالغ مالية كبيرة مقابل إطلاق سراحهم، ومن يرفض الدفع يتعرض للتصفية أو التغييب في السجون”.
هذه الظاهرة شكا منها الكثير من أهالي المدن المحررة، واعتبروها مؤشراً خطيراً على توجه الأوضاع الأمنية في تلك المناطق نحو الانفلات مجدداً.
بدوره، قال ماجد الشمري (41 عاماً)، من أهالي الأنبار: “تعرضت للاعتقال على يد قوات من الشرطة المحلية دون مذكرة قبض بتهمة من مخبر سري، وبعد تعذيب شديد، طالبني أحد الضباط بدفع مبلغ مالي مقابل إطلاق سراحي، وبعد مفاوضات مع أسرتي باعت عائلتي المنزل لدفع المبلغ وإخراجي من السجن”. وتابع الشمري “بعد الذي جرى معي ومع عائلتي لم يعد لي مكان في محافظتي، ولذلك هربت إلى محافظة أخرى، وأفكر بالهجرة تماماً من العراق بعدما فقدت كل شيء بسبب وشاية كيدية من مخبر سري، وابتزاز من بعض ضباط وعناصر الأمن”.
وتراوح المبالغ المالية خلال عمليات الابتزاز لذوي المعتقلين بين 20 و30 ألف دولار أميركي بحسب الحالة المالية للمعتقل وذويه، في حين ترتفع هذه المبالغ إذا كان المعتقلون من أصحاب العقارات والأملاك، بحسب مراقبين.
وتعتبر تهمة “الدعشنة” أبرز أساليب الابتزاز في المدن المحررة والتي تبدأ بوشاية “كيدية” من مخبر سري، تكون ناجمة عن عداوات شخصية أو مجرد شكوك أو خلافات فكرية، أو بهدف الحصول على المال، وتنتهي بالاعتقال والمساومة على مبالغ كبيرة.
وفي السياق، رأى الشيخ محمد التكريتي، أحد وجهاء محافظة صلاح الدين، أن “انتهاء العمليات العسكرية بتحرير المدن من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي أعقبها انتشار ظواهر خطيرة وسلبية، منها تزايد أعداد المخبرين السريين، والوشايات الكيدية، وانتشار ظاهرة الابتزاز للمعتقلين”. وبيّن التكريتي لـ”العربي الجديد”، أن “عدداً كبيراً من الأسر العائدة من رحلة النزوح المريرة اضطرت للهجرة مجدداً من المناطق المحررة، بسبب عمليات الابتزاز التي تستهدف أبناءها، والتي تبدأ بالإخفاء القسري في السجون أو التصفية، أو دفع مبلغ مالي مقابل إطلاق سراح المعتقلين الأبرياء”.
وكشف مراقبون عن انتشار ظاهرة اختفاء الشبان في بعض نقاط التفتيش التابعة للحشد الشعبي في الأنبار وصلاح الدين والموصل وباقي المدن المحررة بين آونة وأخرى، والتي تنتهي بالاختفاء التام أو التفاوض مع ذوي المختطفين على مبالغ مالية.
كما أشار مواطنون إلى أن كثيرين اضطروا لبيع منازلهم أو سياراتهم وممتلكاتهم الخاصة لدفع المال لبعض الضباط وعناصر الشرطة والحشد، مقابل معرفة مصير أبنائهم الذين يعتقلون في نقاط التفتيش أو في ساعات متأخرة من منازلهم بتهم كيدية.
ساجد البياتي (37 عاماً)، من أهالي تكريت، قال “خرج شقيقي من المنزل إلى السوق ولم يعد إلى البيت، وبحثنا عنه واستفسرنا من مراكز الشرطة، وبعد دفع مبلغ مالي لأحد عناصر الأمن، تبين أن إحدى نقاط التفتيش التابعة للحشد الشعبي اعتقلته، وأخذته إلى جهة مجهولة”.
وتابع البياتي “بعد مرور يومين اتصل بنا شخص وقال إن ولدكم محتجز لدينا وأمامكم 48 ساعة لدفع 30 ألف دولار مقابل إطلاق سراحه أو ستتم تصفيته. لم يكن المال بحوزتنا فاضطررنا إلى الاستدانة وبيع سيارتنا الخاصة لدفع المال لإنقاذه”.
هذه العمليات دفعت عشرات الأسر إلى الهجرة العكسية من المدن المحررة بسبب تعدد الجهات الأمنية وعدم وجود جهة أمنية ذات قرار موحد لمعرفة مصير المعتقلين أو المختطفين. وتصاعدت في الآونة الأخيرة عمليات الاختطاف على الطرق الخارجية والاختفاء للعديد من الرجال والشبان في المدن المحررة، في حين تمتنع أجهزة الأمن عن الإدلاء بتصريحات حول هذا الموضوع.