في مطلع أيلول (سبتمبر) تستضيف طهران قمة تجمع روسيا وتركيا وإيران لمناقشة الملف السوري. ويرى الخبراء أن مثل هذا الاجتماع الثلاثي هو قوة موازنة في مواجهة الولايات المتحدة في منطقة بارزة وحيوية من العالم. لكن ثمة صدوعاً في هذا المثلث، وتحديداً بين روسيا وإيران. فموسكو توازن بين طهران، التي تقدم لها دعماً [برّياً] في سورية، ويبن واشنطن، وهذه تنتهز الفرص لتشديد طوق العقوبات على الفيديرالية الروسية. ومالت موسكو إلى دونالد ترامب حين قررت مع قوة عربية وازنة رفع إنتاج النفط. واتهمتها طهران بالتواطؤ مع أبرز مصدري النفط وأميركا. ويرى ألكسندر تيموفييف، أستاذ مساعد في جامعة الشؤون الاقتصادية الروسية، أن نفوذ موسكو وطهران في سوق الطاقة عظيم، لكن الشقاق بين أقطاب المثلث، الإيراني والتركي والروسي، يتسلل إلى حلفهم، ويقوضه. فمصالح كل من هذه الدولة متباينة، على رغم أنها تتقاطع في بعض المسائل، لكن التقاطع هذا موقت وظرفي. والعلاقات بين روسيا وتركيا كانت عسيرة، وتحديداً في دائرة الطاقة، ومشروع «السيل التركي». ومثل هذه التباينات قد تبرز مع إيران. فوزير النفط الإيراني، بيجن نامدار زنغنه، أعلن أن بعض دول أوبيك تحرف قرارات الكارتيل الأخيرة عن مرماها، وتنسق مع واشنطن. ويبدو أن طهران تشير إشارة مضمرة إلى روسيا، التي سعت في إطار «أوبيك +» إلى تقليص الإنتاج النفطي في نهاية 2016، 300 ألف برميل يومياً، ثم بدأت تزيد الإنتاج 200 ألف برميل يومياً، إثر تقليص فنزويلا إنتاجها النفطي. وانتقدت إيران أكثر من مرة رفع «أوبيك» وعدد من الدول، إنتاجها النفطي مليون برميل يومياً. وليس التواطؤ العربي مع ترامب مفاجئاً، ولكن موقف روسيا هو المفاجئ. فهي، شأن تركيا اليوم، في مرمى العقوبات الأميركي. وعلى خلاف التوقعات، يبدو أن موسكو تشارك في التآمر مع واشنطن ضد طهران.
وعلى خلاف تركيا، ليس موقف روسيا من العقوبات على إيران واضحاً، بل هو مبهم وفضفاض. فأنقرة أعلنت من غير لبس معارضة العقوبات على إيران. ونقلت وكالة الأناضول عن الرئيس التركي قوله لباراك أوباما ثم لخليفته ترامب أن بلاده تشتري الغاز من إيران، وإذا كفت عن استيراده منها، فمن أين لها الحصول على موارد طاقة؟ لكن جواب سؤال أردوغان هو بداهة: تحصل على الطاقة من روسيا. وإذا كانت روسيا لا تكفي تركيا، بدا أنها تسعى إلى إحياء مشروع أنبوب الغاز العابر لقزوين [وهو يلتف على إيران وروسيا].
أما الموقف الروسي المبهم، فهو جاء على لسان وزير الطاقة الروسي حين أعلن في نيسان (أبريل) المنصرم، أي قبل انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، أن بلاده تبحث في تمديد برنامج النفط مقابل السلع خمس سنوات إضافية. ويقول الإيرانيون أن روسيا مستعدة للاستثمار في مشاريع في إيران، وهذا خلاف ما يقوله المسؤولون الروس. وأعلن علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى، إثر لقائه بالرئيس الروسي عن استعداد الأخير لتعزيز العلاقات النفطية بين البلدين وزيادة الاستثمارات الروسية في قطاعي النفط والغاز الإيرانيين إلى 50 بليون دولار. وأعلنت وسائل الإعلام الإيرانية أن الجمهورية الإسلامية استأنفت مع روسيا المفاوضات على إنشاء مفاعل نووي جديد قادر على إنتاج طاقة كهربائية قوتها 3000 ميغاواط. وينفي بعض المحللين التواطؤ أو التآمر الروسي مع أميركا، ومنهم سيرغي دروزدوف، المحلل في شركة «فينام». فهو يقول أن تقاطع مصالح أوبيك مع مصالح أميركا هو وليد مصادفة. لكن خبراء آخرين يرون أن موسكو وجدت نفسها في وضع عسير، وتسعى إلى احتساب حسنات التعاون مع كل من طهران وواشنطن وسيئاته. فإذا دعمت روسيا إيران من دون تحفظ، شددت واشنطن العقوبات عليها. ولكن إذا أهملت موسكو مصالح إيران، خسرت دعمها الحيوي في سورية، يقول نيكيتا عيساييف، مدير معهد الاقتصاد المعاصر. فالشرق الأوسط مسألة معقدة. وإذا كانت واشنطن مستعدة لبعض التنازلات هناك، ماشتها موسكو. «والصداقة الروسية مع إيران ملتبسة. فالفضل في نجاة إيران في مرحلة العقوبات السابقة يعود إلى وساطة روسيا، لكن العلاقات الروسية – الإيرانية سرعان ما خسرت حرارتها مع رفع العقوبات وبدء الشركات الأوروبية التقاطر على إيران الغنية بالطاقة»، يقول المحلل ألكسي أنتونوف. واليوم، ثمة ما يجمع إيران وروسيا في جبهة واحدة بسورية، لكن الحرب ستنتهي ذات يوم، وسيفترق البلدان، يقول أنتونوف.وإيران في أزمة عسيرة. فحتى قبل إطباق طوق العقوبات عليها، بدأ اقتصاد الجمهورية الإسلامية يتهاوى. وبدأت العملة الإيرانية تخسر قيمتها إزاء الدولار. فاندلعت تظاهرات في عدد من المدن الإيرانية احتجاجاً على ارتفاع الاسعار.
أناستازيا باشكاتوفا
الحياة