لا تستطيع الدول الغربية، التي رفضت التدخل في المراحل الأولى من الحرب السورية عندما أتيحت لها فرصة لوقف المذبحة، سوى أن تأمل في تخفيف
حدة الهول الذي سينجم عن الهجوم على إدلب فحسب. ولا شك في أن أميركا محقة في تحذير الأسد من أنه سيواجه العقاب إذا ما استخدم الأسلحة الكيميائية. لكن على الغرب أن يقوم بالإضافة إلى ذلك بممارسة الضغط على روسيا وسورية لفتح ممرات إنسانية تتيح للمدنيين الفرار إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، أو إلى المنطقة العازلة التي تسيطر عليها تركيا.
* * *
عندما قام الجيش السوري بسحق جيب المتمردين في حلب الشرقية في العام 2016، تم إجلاء آلاف المدنيين والمقاتلين من هناك إلى محافظة إدلب. وعندما قصف السوريون الغوطة الشرقية في ضواحي دمشق، تم نقل آلاف آخرين إلى هناك أيضاً. والآن، يحشد جيش النظام للاستيلاء على إدلب نفسها. لكن المدنيين قد لا يجدون أي مكان آخر في سورية يمكن أن يفروا إليه هذه المرة.
في بلد عانى الكثير من الأهوال التي لم أقلها استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية، تحذر الأمم المتحدة من “المعركة الأكثر ترويعاً ورعباً في كل الحرب السورية المستمرة منذ سبع سنوات”. ويعيش حوالي ثلاثة ملايين شخص في إدلب، التي تشكل آخر جيب كبير للمتمردين الذين جُلِب أكثر من نصفهم تقريباً من مناطق أخرى من سورية. وبذلك استوعبت إدلب المتمردين المناهضين للنظام من النوع الذي لا يقبل المساومة ولا يمكن التصالح معه، ومن بينهم الجهاديون المرتبطون بتنظيم القاعدة، الذين يعرفون أنهم يواجهون هذه المرة قتالاً حتى الموت. ولذلك، هناك كل سبب للخوف من أن الجيش السوري سيتصرف في إدلب بطريقة أكثر وحشية مما فعل في أي مكان آخر.
كان من المقرر أن يعقد قادة روسيا وإيران وتركيا محادثات في طهران حول مصير إدلب في 7 أيلول (سبتمبر)، بعد ذهاب هذا العدد من “الإيكونوميست” إلى المطبعة. لكن المؤشرات على ليست جيدة على أي حال. وتقول سورية إن العمل العسكري أكثر احتمالاً من الحل الدبلوماسي. كما قامت روسيا بقصف مواقع للمتمردين في إدلب الأسبوع الماضي.
يجيء الهجوم الذي يلوح في الأفق على إدلب ليكون بمثابة إدانة لإخفاقات العالم التي لا حصر لها في التعامل مع الأزمة في سورية. ولعل أسوأ العواقب هو أنها لا توجد الآن أي قوة خارجية مستعدة -أو قادرة على وقف المذبحة المقبلة.
=صنع مأساة
لقي حوالي نصف مليون شخص حتفهم في الحرب السورية منذ العام 2011؛ وفر ما يقرب من 12 مليوناً من منازلهم. ولهذه المأساة العديد من الأسباب: وحشية بشار الأسد، الذي أدى سحقه للاحتجاجات السلمية إلى اندلاع الحرب الأهلية؛ ودور روسيا وإيران في تقديم الدعم العسكري له؛ وتردد الغرب الذي طالب بالإطاحة به، لكنه لم يكن راغباً في جعل ذلك يحدث. وعلى العكس من باراك أوباما، اتخذ الرئيس دونالد ترامب، على الأقل، إجراءات عسكرية محدودة رداً على استخدام الأسد للغاز السام. ويروي كتاب جديد عن السيد ترامب أنه دعا في العام الماضي ودافع عن فكرة اغتيال الأسد -وهو ادعاء ينفيه- لكن وزير دفاعه، جيم ماتيس، وضع هذه الفكرة جانباً. وبحلول ذلك الوقت، كان التدخل الغربي الكبير سيكون متأخراً للغاية ومحفوفاً بالمخاطر. وإلى جانب ذلك، يرى ترامب أن هناك سبباً أقل للتورط في سورية مما رآه سلفه أوباما، باستثناء قتال تنظيم “الدولة الإسلامية” في شرق البلاد.
بعيداً عن مسألة الالتزام الأخلاقي بإنهاء معاناة السوريين وتخفيف أزمة أسوأ أزمة في العالم، تبقى للغرب مصالح أمنية كبيرة في سورية. فقد يزعزع اللاجئون الفارون من إدلب استقرار الدول المجاورة؛ وإذا انتقلوا إلى أوروبا، كما فعلوا في العام 2015، فإن ذلك سيؤدي إلى المزيد من تعزيز الشعبويين المناهضين للمهاجرين، من السويد إلى إيطاليا. ومن المرجح أن ينضم الجهاديون المتشددون إلى سيل المدنيين الهاربين، مما يخلق تهديداً أمنياً مباشراً على تلك الدول. وهناك خطر من أن يتم جرّ تركيا إلى القتال. وقد أقامت تركيا عشرات المواقع العسكرية بين خطوط النظام وخطوط المتمردين من أجل دعم “منطقة خفض التصعيد” في إدلب -وهي الأخيرة التي صمدت من أصل أربع ملاذات من هذا النوع. لكن روسيا وسورية تقولان إن تركيا فشلت في وقف هجمات المتطرفين على قواتهما.
الآن، لا تستطيع الدول الغربية، التي رفضت التدخل في المراحل الأولى من الحرب عندما أتيحت لها فرصة لوقف المذبحة، سوى أن تأمل في تخفيف حدة الهول فحسب. ولا شك في أن أميركا محقة في تحذير الأسد من أنه سيواجه العقاب إذا ما استخدم الأسلحة الكيميائية. لكن على الغرب أن يقوم بالإضافة إلى ذلك بممارسة الضغط على روسيا وسورية لفتح ممرات إنسانية تتيح للمدنيين الفرار إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، أو إلى المنطقة العازلة التي تسيطر عليها تركيا. كما يمكنه مراقبة سلوك النظام وحلفائه لجمع الأدلة على ارتكاب جرائم حرب؛ ويمكن بعد ذلك أن يخضع القادة العسكريون المذنبون، بما في ذلك القادة الروس، إلى عقوبات.
كما يجب على الغرب أيضاً أن يحذر الرئيس فلاديمير بوتين والأسد من أنه في حال تم تأمين الانتصار العسكري في إدلب بوسائل وحشية، فسوف تترتب على ذلك تكلفة سياسية؛ حيث سيتم حرمان روسيا من الشرعية التي تريدها للاتفاق السياسي الذي تسعى إلى تحقيقه لإنهاء الحرب بشروطها؛ ولن يحصل الأسد على أموال إعادة الإعمار التي يحتاجها لإعادة بناء المدن التي تحولت إلى أنقاض. ويجب تذكير كليهما بأنه من دون اتفاق يمنح المزيد من الكرامة وحصة من السلطة للعرب السنة المحرومين من الحقوق، والذين يشكلون أغلبية سكان سورية، فإن التطرف العنيف سوف يتفاقم فحسب.
سوف يكون مثل هذا العمل الدبلوماسي الغربي مجرد مسكّن في أحسن الأحوال. وقد يدفع الجهات الفاعلة للسعي إلى عقد صفقات جزئية. لكن أحداً لا ينبغي أن يشك في حقيقة أساسية في عذابات سورية: لقد فاز الرئيس الأسد. وهو مصمم على استعادة أكبر قدر يستطيعه من البلد الذي كان على وشك أن يخسره. وربما يكون السيد بوتين محقاً في تقدير أن العالم سوف يتصالح مع سقوط إدلب، تماماً كما أذعن لسقوط حلب. لكن الأسئلة الحقيقية هي كم من الوقت سيستغرق ذلك، وكم من الأرواح سوف يُزهِق، وكم من الكراهية سيزرع.