وافق محامي ترامب منذ فترة طويلة، مايكل كوهين، على التعاون مع المدعي العام. ويعرف كوهين الكثير عن ممارسات ترامب التجارية السابقة، كما كشف عن أنه رتب دفع المال للنساء اللواتي مارس ترامب معهن الجنس (ولو أنه لم يعترف بذلك) في مقابل صمتهن قبل الحملة الانتخابية الرئاسية. وهذا أيضا وضع ترامب في مواجهة خطر قانوني.
* * *
واشنطن، العاصمة – ليس هذا هو التوقيت المناسب ليكون المرء دونالد جيه. ترامب. ومن المؤكد أن وقتاً طويلاً قد مَرّ منذ كان ذلك مناسباً، لكن هذه الفترة هي الأشد وطأة في كل رئاسته حتى الآن.
ويُظهِر ترامب ذلك من دون مداراة. إذ كان مساعدوه يكافحون لإسكاته -ليس بدنيا، ولكن في كل ما هو دون ذلك. وكما هو متوقع، لم تكلل جهودهم بالنجاح تماما. وتفيد تقارير لصحفيين مسؤولين أن مساعدي ترامب في البيت الأبيض (الأشبه بالغربال) يقولون إن الرئيس الأميركي يشعر بالوحدة والضيق.
لا ينبغي أن يكون الشعور بالوحدة مفاجئا، لأن ترامب ليس شخصا يقيم صداقات وثيقة. وقد أثبت مرارا وتكرارا أن الولاء في نظره هو شارع ذو اتجاه واحد. وعمليا، لا أحد يعمل لصالحه قد يشعر بالأمان. بل وربما لا أحد غير ابنته إيفانكا قد يكون في مأمن من غضبه الشديد الذي يدفع في النهاية العديد من الشركاء إلى الخروج من دائرته.
في الفترة الأخيرة، ازدادت حدة شعور ترامب الطبيعي بالرثاء للذات. فهو يشكو وينوح لأن المدعي العام، جيف سيشنز، أنقذ نفسه من التحقيق في تدخل روسيا في انتخابات العام 2016. لكن ترامب يواجه مشاكل أشد سوءاً. ولم يقتصر الأم على أن رئيس حملته السابق، بول مانافورت، أدين بثماني تهم بالاحتيال والتهرب الضريبي فحسب، بل وربما بما يحقق أعظم مخاوف ترامب، قرر أيضاً التعاون مع روبرت ميولر، المستشار الخاص الذي يقود التحقيق في الشأن الروسي والجهود التي بذلها ترامب لعرقلة التحقيق في ما إذا كانت حملته (بل وحتى إدارته) قد تآمرت مع الكرملين. ومن الواضح أن ميولر العنيد ضغط على مانافورت لحمله على التعاون لتجنب مواجهة محاكمة أخرى مكلفة.
ألقى ترامب بعض تلميحات إلى أنه قد يعفو عن مانافورت، لكنه تلقى النصح -واستمع إلى النصيحة هذه المرة- بأن القيام بذلك قبل انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) سيكون كارثيا على الجمهوريين، وبالتالي عليه شخصيا. ومن الواضح أن مانافورت حسب أنه لا يستطيع أن يراهن على العفو في وقت لاحق -ماذا لو أصبح ترامب نفسه عُرضة لخطر قانوني شديد في ذلك الوقت؟- زنولا يستطيع أن يتحمل محاكمة أخرى. كما أن صفقته مع ميولر تجرده من أغلب ممتلكاته وعشرات الملايين من الدولارات، لكنه كان على استعداد لقبول خسائر مالية ضخمة لتجنب احتمال قضاء بقية حياته في السجن.
إلى جانب خفض عقوبة السجن المحتملة (بمقدار غير معلوم)، كان مانافورت يريد أيضا ترتيبا يضمن بقاء عائلته في مأمن. فهو في نهاية المطاف يعتزم إعطاء المدعين تحت رئاسة ميولر كل ما يرغبون في معرفته عن بعض أنصار القِلة الروسية المقربين من الرئيس فلاديمير بوتن -وهم أشخاص ليسوا لطيفين بشكل خاص في التعامل مع من يخونهم.
ما يزيد الطين بلة هو أن محامي ترامب منذ فترة طويلة، مايكل كوهين، وافق أيضاً على التعاون مع المدعي العام. ويعرف كوهين الكثير عن ممارسات ترامب التجارية السابقة، كما كشف عن أنه رتب لدفع المال للنساء اللواتي مارس ترامب معهن الجنس (وإن كان لم يعترف بذلك) في مقابل صمتهن قبل الحملة الانتخابية الرئاسية. وهذا أيضاً وضع ترامب في مواجهة خطر قانوني.
والآن، يتعلق ترشيح بيرت كافانوه، اختيار ترامب لكي يحل محل قاضي المحكمة العليا المتقاعد أنتوني كينيدي، بأوهى الخيوط، ويمكن سحبه في أي لحظة. وكان كافانوه اختياراً لا يخلو من خطورة منذ البداية. وباختياره من قائمة ضمت مرشحين محتملين آخرين محافظين بشدة، والتي قدمتها إلى الرئيس الجمعية الفيدرالية اليمينية، كان كافانوه متميزاً بوجهات نظره غير العادية بشأن السلطة الرئاسية. وقد كتب كافانوه أنه يعتقد أن الرئيس لا يجوز التحقيق معه أو مقاضاته أثناء توليه منصبه.
هذا الرأي القائل بأن الرئيس فوق القانون فريد (بقدر ما هو معروف) بين الباحثين القانونيين الجادين. وجاذبية هذه الرأي في نظر ترامب واضحة. وفضلاً عن ذلك، تميل آراء كافانوه إلى أقصى اليمين بشأن قضايا أخرى أيضاً، وفي جلسات تأكيد ترشيحه أعرب عن هذه الآراء بلا مواربة. وفي ما يتصل بأمور أخرى، بما في ذلك حقوق الإجهاض، كان متملصاً في ردوده، وهناك أدلة جديرة بالتصديق تشير إلى أنه كذب على اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ بشأن مسائل أخرى.
لكن أغلب الجمهوريين في اللجنة كانوا مستعدين لدفع ترشحه إلى المصادقة بسرعة: فعلى الرغم من أنه لم يكن اختيارا شعبيا، حصل على دعم القاعدة الجمهورية، بما في ذلك الكثير من اليمين المسيحي. وقد ظل هذا الدعم الأساسي ثابتا حتى بعد أن تقدمت كريستين بلاسي فورد، وهي أستاذة في جامعة كاليفورنيا، بزعم أن كافانوه اعتدى عليها جنسياً وهو مخمور عندما كانا في المدرسة الثانوية. وكان القادة الجمهوريون حريصين كل الحرص على تأكيد كافانوه قبل انتخابات التجديد النصفي، خشية أن يبقى ناخبوهم في بيوتهم بسبب إحباطهم، بل وربما حتى غضبهم لو لم يتم تأكيد تعيينه. وفي هذه الحالة قد يتحول أسوأ كوابيسهم، استيلاء الديمقراطيين على مجلس الشيوخ ومجلس النواب، إلى حقيقة. وكان هذا هو الموقف عندما ظهرت تقارير حول امرأة أخرى تدّعي تعرضها لسوء سلوك جنسي من جانب كافانوه، وإن كانت قصتها أقل قوة، على الأقل في البداية.
أضاف إلى كل هذا الارتباك نشر أحد كتب بوب وودووارد بعنوان “الخوف”، والذي يعرض (مثله في ذلك كمثل كتب سابقة عن ترامب، وإنما بدرجة أعظم وبقدر أكبر من العمق) صورة مدمرة للبيت الأبيض المختل. وبشكل خاص، أظهر الكتاب -إلى جانب مقال افتتاحي في صحيفة نيويورك تايمز كتبه مسؤول كبير في الإدارة لم يذكر اسمه- إلى أي مدى قد يذهب المساعدون لمنع رئيس غافل، وجاهل، ومصاب بجنون الاضطهاد والعظمة، من ارتكاب فِعلة كارثية باندفاع وتهور.
كما أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة “وول ستريت جورنال” ومحطة “إن بي سي”، والذي صَدَرت نتائجه يوم الأحد، الثالث والعشرين من أيلول (سبتمبر)، تقدم الديمقراطيين على الجمهوريين لانتخابات مجلس النواب بنحو 12 نقطة مئوية، وهو فارق غير عادي. وكان من الممكن على نحو متزايد أن يستعيد الديمقراطيون السيطرة أيضا على مجلس الشيوخ. وكان ترامب يأمل أن لا يمثل مشكلة في هذه السباقات، لكن هذه النتيجة كانت محتمة. فلم يكن لدى الجمهوريين سوى القليل الذي يمكنهم اللجوء إليه.
وحتى لو استولى الديمقراطيون على مجلس النواب فقط، فسوف تصبح حياة ترامب أشد تعقيدا، نظرا لمجموعة من التحقيقات التي سوف تطلقها الأغلبية الجديدة بكل تأكيد، وإجراءات الاتهام والعزل المحتملة. وإذا استولى الديمقراطيون على مجلس الشيوخ أيضاً، فقد يجد ترامب نفسه في مأزق بالغ القسوة. لكن هذا الاحتمال يبقى وارداً على أي حال.
الغد