عند الساعة الحادية عشرة من اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر من عام 1918، انتهت الحرب العالمية الأولى رسمياً. شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 يعلّم لمرور مائة عام، أو عشرة عقود زمنية، أو قرن من الزمن، على نهاية حرب أودت بحياة 37 مليون شخص.
من ضمن نتائجها الأخرى أنها أدت إلى اختفاء إمبراطوريتين عتيقتين؛ هما: الإمبراطورية العثمانية، وإمبراطورية النمسا والمجر، من الخريطة السياسية للعالم، وأودت بحكم القياصرة في روسيا وأدت إلى بزوغ نجم الاتحاد السوفياتي، ومشاركة الولايات المتحدة الأميركية في الحرب بجيشها للمرة الأولى على أرض أوروبية، أضف إلى ذلك أنها مهدت الأرض لظهور الفاشية في إيطاليا وإسبانيا، والنازية في ألمانيا، وهما الحركتان اللتان قادتا أوروبا والعالم مرة أخرى لتجرع مرارات حرب عالمية ثانية أكثر فظاعة من سابقتها.
يحدد المؤرخون أربعة عوامل وراء اشتعال هذه الحرب:
1- التنافس العسكري في مجال التسليح بين الأمم الأوروبية.
2- التحالفات السياسية بقيادة بريطانيا من جهة؛ وألمانيا من جهة أخرى.
3- الإمبريالية.
4- القومية.
أربعة عوامل لا علاقة لها بالدين إطلاقاً، لكن الزائر مقابر ضحايا هذه الحرب في بقاع مختلفة من مدن أوروبا، خصوصاً المقابر الكبرى منها، سيلاحظ حضوراً بارزاً فيها للنصب والرموز الدينية، وكأن إسباغ الصبغة الدينية على تلك الحرب يضفي على القتل شرعية مفقودة ويبرر الموت.
«صليب التضحية»؛ نصب حجري لصليب كبير الحجم يكاد يكون رمزاً مشتركاً يثير انتباه الزائر في كل تلك المقابر… يراه منصوباً على قاعدة حجرية نحتت عليها مقاطع دينية اقتطفت من الإنجيل، تمجد الموتى الذين ألقي بهم في أتون تلك الحرب الدامية، وتعدهم بالخلود وتسبغ عليهم صفة شهداء.
هذا التمجيد الديني، استناداً إلى الكاتب الصحافي البريطاني مالكوم جاسكل في مقالة له نشرت أخيراً بمجلة «London Review of Books»… «أحال عملية التجنيد لتلك الحرب إلى حملات صليبية، والقتل إلى تضحية».
من الظواهر الأخرى اللافتة للاهتمام أيضاً والتي ازدهرت في بريطانيا كمثال في فترة الحرب، وكان يعتقد خطأ أن العهد الفيكتوري كان يمثل ذروة ازدهارها، ظاهرة الالتجاء إلى السحر عبر انتشار ما عُرفت باسم «الروحانيات»؛ أي إن أهالي الضحايا في سعيهم لتخفيف معاناتهم الشخصية والعائلية جراء فقدانهم ذويهم، التجأوا إلى البحث عن وسائط بشرية، وهم أشخاص معروفون يمتهنون التكسب من مصائب غيرهم من البشر، وتخصصوا في التواصل مع الموتى عبر طقوس أقرب ما تكون للسحر والشعوذة. ويقال إن الشاعر البريطاني روديارد كبلنج الذي فقد ابنه جون البالغ من العمر 18 عاماً في معركة «لووس Loos» كان متشككاً فيها وكتب قصيدة يدعو فيها الحزانى من أهالي الضحايا إلى الابتعاد عن الوسطاء، إلا إن نصيحته لم تجد صدى في القلوب أو استجابة من العقول.
الاحتفال بنهاية الحرب الأولى في نوفمبر عام 1918 كان في الجبهة الغربية الأوروبية فقط، وحكراً على المنتصرين، في حين أن الجزء الشرقي منها لم يحتفل بإعلان نهاية الحرب نظراً لانشغاله بالاقتتال… ذلك أن سقوط الإمبراطوريتين العثمانية والنمساوية – المجرية تسبب في استقلال وظهور أمم أخرى عدة على الخريطة السياسية للعالم، مثل بولندا التي وجدت نفسها منخرطة في حروب مع جيرانها لترسيم حدودها. وعلى سبيل التذكير؛ استمرت الحرب بين بولندا والاتحاد السوفياتي حتى عام 1921، وبسبب انهيار حكم القياصرة الروس اشتعلت الحرب في روسيا بين المناشفة البيض والبلاشفة الحمر، واستمرت حتى عام 1923. كما نشبت حرب بين بولندا وليتوانيا وأيضاً بين بولندا وأوكرانيا، بالإضافة إلى الحرب التركية – اليونانية حتى في الفترة ما بين 1919 و1922 وكانت شديدة الضراوة، وشهدت كثيراً من المذابح ارتكبها الطرفان، كما شهدت تبادلاً قسرياً للسكان تسبب في نزوح أكثر من مليون ونصف المليون شخص.
حروب دمرت بلداناً وأفنت سكاناً بأسلحة تقليدية، وآلة غير الآلة التي لدى هذا العالم الآن. ماذا لو نشبت حرب ثالثة؟ ماذا سيكون مصير البشرية؟ على العالم أن يعي ويستفيد من دروس الماضي حتى لا يحوّل هذه الأرض بحضارتها المتراكمة إلى فلاة جرداء.
من ضمن نتائجها الأخرى أنها أدت إلى اختفاء إمبراطوريتين عتيقتين؛ هما: الإمبراطورية العثمانية، وإمبراطورية النمسا والمجر، من الخريطة السياسية للعالم، وأودت بحكم القياصرة في روسيا وأدت إلى بزوغ نجم الاتحاد السوفياتي، ومشاركة الولايات المتحدة الأميركية في الحرب بجيشها للمرة الأولى على أرض أوروبية، أضف إلى ذلك أنها مهدت الأرض لظهور الفاشية في إيطاليا وإسبانيا، والنازية في ألمانيا، وهما الحركتان اللتان قادتا أوروبا والعالم مرة أخرى لتجرع مرارات حرب عالمية ثانية أكثر فظاعة من سابقتها.
يحدد المؤرخون أربعة عوامل وراء اشتعال هذه الحرب:
1- التنافس العسكري في مجال التسليح بين الأمم الأوروبية.
2- التحالفات السياسية بقيادة بريطانيا من جهة؛ وألمانيا من جهة أخرى.
3- الإمبريالية.
4- القومية.
أربعة عوامل لا علاقة لها بالدين إطلاقاً، لكن الزائر مقابر ضحايا هذه الحرب في بقاع مختلفة من مدن أوروبا، خصوصاً المقابر الكبرى منها، سيلاحظ حضوراً بارزاً فيها للنصب والرموز الدينية، وكأن إسباغ الصبغة الدينية على تلك الحرب يضفي على القتل شرعية مفقودة ويبرر الموت.
«صليب التضحية»؛ نصب حجري لصليب كبير الحجم يكاد يكون رمزاً مشتركاً يثير انتباه الزائر في كل تلك المقابر… يراه منصوباً على قاعدة حجرية نحتت عليها مقاطع دينية اقتطفت من الإنجيل، تمجد الموتى الذين ألقي بهم في أتون تلك الحرب الدامية، وتعدهم بالخلود وتسبغ عليهم صفة شهداء.
هذا التمجيد الديني، استناداً إلى الكاتب الصحافي البريطاني مالكوم جاسكل في مقالة له نشرت أخيراً بمجلة «London Review of Books»… «أحال عملية التجنيد لتلك الحرب إلى حملات صليبية، والقتل إلى تضحية».
من الظواهر الأخرى اللافتة للاهتمام أيضاً والتي ازدهرت في بريطانيا كمثال في فترة الحرب، وكان يعتقد خطأ أن العهد الفيكتوري كان يمثل ذروة ازدهارها، ظاهرة الالتجاء إلى السحر عبر انتشار ما عُرفت باسم «الروحانيات»؛ أي إن أهالي الضحايا في سعيهم لتخفيف معاناتهم الشخصية والعائلية جراء فقدانهم ذويهم، التجأوا إلى البحث عن وسائط بشرية، وهم أشخاص معروفون يمتهنون التكسب من مصائب غيرهم من البشر، وتخصصوا في التواصل مع الموتى عبر طقوس أقرب ما تكون للسحر والشعوذة. ويقال إن الشاعر البريطاني روديارد كبلنج الذي فقد ابنه جون البالغ من العمر 18 عاماً في معركة «لووس Loos» كان متشككاً فيها وكتب قصيدة يدعو فيها الحزانى من أهالي الضحايا إلى الابتعاد عن الوسطاء، إلا إن نصيحته لم تجد صدى في القلوب أو استجابة من العقول.
الاحتفال بنهاية الحرب الأولى في نوفمبر عام 1918 كان في الجبهة الغربية الأوروبية فقط، وحكراً على المنتصرين، في حين أن الجزء الشرقي منها لم يحتفل بإعلان نهاية الحرب نظراً لانشغاله بالاقتتال… ذلك أن سقوط الإمبراطوريتين العثمانية والنمساوية – المجرية تسبب في استقلال وظهور أمم أخرى عدة على الخريطة السياسية للعالم، مثل بولندا التي وجدت نفسها منخرطة في حروب مع جيرانها لترسيم حدودها. وعلى سبيل التذكير؛ استمرت الحرب بين بولندا والاتحاد السوفياتي حتى عام 1921، وبسبب انهيار حكم القياصرة الروس اشتعلت الحرب في روسيا بين المناشفة البيض والبلاشفة الحمر، واستمرت حتى عام 1923. كما نشبت حرب بين بولندا وليتوانيا وأيضاً بين بولندا وأوكرانيا، بالإضافة إلى الحرب التركية – اليونانية حتى في الفترة ما بين 1919 و1922 وكانت شديدة الضراوة، وشهدت كثيراً من المذابح ارتكبها الطرفان، كما شهدت تبادلاً قسرياً للسكان تسبب في نزوح أكثر من مليون ونصف المليون شخص.
حروب دمرت بلداناً وأفنت سكاناً بأسلحة تقليدية، وآلة غير الآلة التي لدى هذا العالم الآن. ماذا لو نشبت حرب ثالثة؟ ماذا سيكون مصير البشرية؟ على العالم أن يعي ويستفيد من دروس الماضي حتى لا يحوّل هذه الأرض بحضارتها المتراكمة إلى فلاة جرداء.