بعد صمت.. عودة الذباب الإلكتروني السعودي لمهاجمة تركيا

بعد صمت.. عودة الذباب الإلكتروني السعودي لمهاجمة تركيا

قبيل أزمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي كانت العلاقات السعودية التركية تمر بمرحلة من التوتر الصامت، مع افتراق الخيارات وتباين السياسات بين البلدين في مرحلة ما بعد صعود ولي العهد محمد بن سلمان، وبعد اندلاع أزمة خاشقجي بدت علاقات الطرفين كأنها دخلت مرحلة أشد حسما وقطعا؛ إما عودة للتفاهم والوئام، أو ذهابا نحو القطيعة والخصام.

اتجه الموقف الرسمي التركي نحو تصعيد متدرج، حاول المزاوجة بين التصويب المباشر نحو ولي العهد محمد بن سلمان، مع تبرئة ساحة الملك سلمان بن عبد العزيز، وسعي للمحافظة على العلاقة مع السعودية، في حين بقي الموقفان الرسمي وشبه الرسمي السعوديان يتأرجحان بين الصمت أحيانا والثناء في أحيان أخرى على تركياورئيسها؛ علنا، ثم مهاجمته سرا، مع تجنب أي تصعيد إعلامي قد يستفز الأتراك ويُخرج الأمور عن دائرة السيطرة.
بيد أن تطورا جديدا بدا لافتا على الأقل في توقيته وسياقه؛ فقد استيقظ رواد موقع تويتر للتواصل الاجتماعي اليوم على وسم أطلقه مغردون سعوديون: #نطالب_تركيا_بوقف_حرب_الاكراد، حيث يتهجم على تركيا ويطالبها بوقف الحرب على الأكراد. فهل يمثل الأمر مقدمة لرد فعل سعودي أقوى على التصعيد التركي؟ وهل يعني ذلك مبارحة لحالة الصمت والكمون التي انتهجها الإعلام السعودي في الآونة الأخيرة تجاه تركيا بعد ثناء ولي العهد محمد بن سلمان على رئيسها؟

سياقات
يتضح من خلال تعاطي صناع القرار السعودي مع أزمة خاشقجي عدم امتلاكهم جوابا واضحا على سؤال الخطوة التالية بعد مقتل خاشقجي، ولم تكن لديهم إستراتيجية واضحة للتعاطي مع تداعياته الثقيلة؛ ولذلك تراوح تعاطيهم مع الأزمة بين خيارات عديدة، أبانت -حسب ما يقوله عديدون- عن تخبط في المعالجة، وسوء في التقدير لطبيعة الحدث وتداعياته، ومن بين تلك الخيارات:

– الصمت: في الأيام التالية لاغتيال خاشقجي سيطر صمت مطبق على وسائل الإعلام السعوديةـ وعلى المسؤولين الرسميين، وبدا أن ما يوصف بالذباب الإلكتروني السعودي -الذي تعود على افتعال الأزمات والشراسة في الخصومات- أُخذ على حين غرة، وفقد البوصلة الهادية في هذه القضية.

– الهجوم على خديجة جنكيز خطيبة القتيل، واتهامها باختلاق القصص وفبركتها، وانتحال صفة لا وجود لها، والإساءة للمملكة وقائدها.

– التعريض بجمال نفسه، واتهامه بخيانة الوطن، وهي نبرة حضرت -وإن على استحياء وفي نطاق محدود- في بدايات الأزمة قبل اعتراف القيادة السعودية بمقتل الراحل وتعزيتها في رحيله، وتعهدها بمحاسبة الضالعين في جريمة اغتياله.

– الهجوم على تركيا وقطر، وهو الهجوم الذي تحول لاحقا إلى محاولة استرضاء ومغازلة، بعد ثناء محمد بن سلمان على الرئيس أردوغان، وتأكيده أنه لن يستطيع أي كان دق أسفين الخلاف بينهما طالما أنه والملك سلمان على عرش المملكة وأردوغان في رئاسة تركيا.

– الآن وبعد فشل كل السيناريوهات السابقة في إيقاف الزخم المتزايد لقضية خاشقجي، وفي الحد من الاندفاع التركي في كشف تفاصيلها، ومطالبة السعودية برفع الغطاء عن الفاعلين الحقيقيين؛ يبدو أن ماكينة التصعيد الإعلامية السعودية بدأت تتجه نحو مسار آخر: إعلان دعم الأكراد.

فرضيات
احتوى الوسم الذي أطلقه مغردون سعوديون تحت عنوان: #نطالب_تركيا_وقف_حرب_الاكراد على الكثير من التدوينات التي تهاجم تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، وتتهمهما بارتكاب مجازر جماعية ضد الشعب الكردي.

وافتتح حساب باسم المستشار أبو الفوارس‏ التغريد على هذا الوسم، متمنيا على الجميع المشاركة فيه بكل قوة لمطالبة “تركيا بوقف الحرب على الاكراد، أريده ترند يا ابطال”. ومن الواضح أن هذا الوسم جاء على خلفية تطورات قضية خاشقجي وذهاب تركيا فيها إلى أسقف أعلى مما كان متوقعا على مستوى صناع القرار السعودي؛ فقد كتب المغرد نفسه بعد ذلك “همتكم يا ابطال شاركوا بقوة الان ترند الثالث… هل تستطيع جعله الأول… تركيا الان أعطت الضوء الأخضر للمليشيات كي يشاركون بمظاهرات أمام القنصلية السعودية بتركيا يطالبون بوقف الحرب باليمن”.

ولم يتوقف مغردو هذا الوسم عند الهجوم على تركيا ورئيسها ومطالبتها بوقف الحرب على الأكراد، بل ذهب أبعد من ذلك في اتجاه تحريض المجتمع الدولي على التدخل ضد تركيا، والدعوة إلى حسم موضوع الدولة الكردية ومنحها الاستقلال الكامل.

وبغض النظر عما ورد في الوسم المذكور من مضامين؛ فإن طرحه بدا غريبا في السياق الحالي الذي تتصاعد فيه الضغوط على السعودية، وتزداد فيه محاولاتها للتقرب من تركيا ومغازلتها، ربما خشية مما بيدها من معلومات وأدلة ووثائق بشأن قضية خاشقجي، قد تكون مدينة لمن يُراد لهم سعوديا أن يبقوا بعيدين عن شررها وضررها.

المعلومات والخصوصية لإعلانات تويتر
ويمكن قراءة وتفسير تلك المفارقة وفق معطيات الحاضر وسوابق العلاقة بين الطرفين، وفق الاحتمالات التالية:

– أن تكون مجرد حملة معزولة يقودها بعض عناصر الذباب الإلكتروني انتصارا لولي العهد السعودي ودفاعا عنه في وجه حملة الانتقادات الواسعة التي يواجهها من الرأي العام العالمي بعد مقتل خاشقجي.

ورغم وجاهة احتمال من هذا القبيل، فإن العارفين بطبيعة الأشياء في السعودية يؤكدون أن الحملات ذات الطبيعة السياسية الموجهة من الصعب -وربما المستحيل- أن تكون بمعزل عن إرادة ولي الأمر الذي يتحكم في نبض التغريد في الفضاء الافتراضي بالمملكة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق أيضا بمهاجمة دولة خارجية تمر العلاقة بها بمرحلة غاية في الحساسية والصعوبة.

– أن تكون تسخينا محدودا ومتحكما فيه، لتوجيه رسالة خاصة إلى تركيا مفادها أن عليها تجنب مزيد من التصعيد في ملف خاشقجي، وإلا فإن لدى المملكة أيضا ملفاتها وأوراقها التي تستطيع تحريكها في أي وقت، خاصة في الموضوع الكردي ذي الحساسية البالغة لدى الأتراك.

وينتظر –إن كان الأمر كذلك فعلا- أن يتوقف التصعيد عند هذا الحد، ويعود الذباب الإلكتروني سريعا إلى غمده ويتوارى خلف صمته الطويل.

– أن تكون بداية لمرحلة جديدة من التصعيد الإعلامي والسياسي ضد تركيا، ومما يعزز ذلك الاحتمال أن خطوات التهدئة وسياسات الإغراء التي انتهجتها السعودية طيلة الأسابيع الماضية لم تُجد نفعا ولم تقنع المسؤولين الأتراك في التراجع عن تصعيد قضية خاشقجي إلى سلم الاهتمام الدولي، وهو ما يحتم –بالنسبة للمسؤولين السعوديين- البحث عن خيارات أخرى ربما أكثر خشونة وأقل وداعة.

كما أنه من الواضح أن قضية خاشقجي دخلت مع الأسبوع الجاري مرحلة جديدة من التصعيد الدولي، بعد حديث الأتراك عن توصل المحققين لقناعات نهائية بتذويب الجثة والتخلص منها واستحالة الوصول إليها؛ ولذلك ليس من المستغرب أن يتغير النهج السعودي في التعاطي مع المرحلة الجديدة عنه في المرحلة الأولى.

وبالإضافة إلى ذلك، قد تجد في وسائل الإعلام السعودية ما يشير إلى شيء من هذا القبيل، كالخبر الذي أوردته اليوم صحيفة سبق المقربة من ولي العهد السعودي، تحت عنوان “صور التقطت لأردوغان خلال احتفالية الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى، تثير تساؤلات جديدة عن صحة الزعيم التركي”.

بيد أن الراجح هو أن الديوان الملكي السعودي ليس في وارد فتح جبهة إعلامية الآن ضد تركيا، على الأقل حتى تتضح مآلات قضية خاشقجي ومسارات التصعيد الدولي بشأنها.

عود على بدء
إذا كانت اليد السعودية الآن “مغلولة” وغير قادرة –وفقا للاعتبارات السابقة- على المغامرة في الانخراط في حملة إعلامية وأمنية ضد تركيا بفعل تداعيات قضية خاشقجي؛ فهي لم تكن كذلك قبل عدة شهور وخلال نهاية العام الماضي وبداية العام الجاري، حين تكشفت معلومات عن مخطط سعودي يهدف إلى طعن تركيا في حديقتها الخلفية بالشمال السوري.

واستند “المخطط” السعودي الإماراتي وقتها بشكل رئيسي إلى قوات كردية تبسط سيطرتها في الوقت الحالي على منطقة واسعة بالشمال السوري، ومليشيات عربية تحظى بتزكية ورضا الولايات المتحدة، وتمويل سعودي إماراتي سخي، ومباركة من واشنطن.

وذكر حينها موقع “سوبر خبر” إلى أن حزب العمال الكردستاني تلقى دعما ماليا سعوديا يقدر بنحو مليون دولار، وأن كلا من السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة رصدت مجتمعة موازنة قدرها مليار دولار للإنفاق على مشروعها السياسي في حلب ودير الزور والرقة، وفق تقدير الموقع.

ووصل المشروع السعودي ذروته مع زيارات قام بها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان لمدينة الرقة في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2017 بصحبة المبعوث الأميركي الخاص في التحالف الدولي بريت ماكفورت، واجتمعا مع قادة عسكريين في قوات سوريا الديمقراطية وفي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي تعتبره تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستاني المصنف تنظيميا إرهابيا.

وجاءت تلك التحركات السعودية الداعمة للأكراد -حسب مراقبين- ردا على تركيا نتيجة موقفها في الأزمة الخليجية، وقبل ذلك من انقلاب مصر، قبل أن يتراجع لاحقا مع التفاهمات التركية الأميركية في منبج وما حولها.

المصدر : الجزيرة + وكالات,مواقع التواصل الاجتماعي