تنشغل الساحة السياسية في تركيا حالياً بنقاشات وتكهنات واسعة حول مصير حزب «العدالة والتنمية» الحاكم برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي يواجه انشقاقاً واسعاً محتملاً وقد يكون قريباً جداً عبر خروج حزب جديد، أو حزبين، من عباءة حزبه. تتداول الأروقة السياسية الحديث عن «تكرار التاريخ» في استعادةٍ لخروج المجموعة التي أسست حزب «العدالة والتنمية» في عام 2001 والتي تكونت من 63 قيادياً في حزب «الفضيلة» الذي كان يرأسه مؤسس تيار الإسلام السياسي في تركيا نجم الدين أربكان، أبرزهم إردوغان، والرئيس السابق عبد الله غُل، ونائب رئيس الوزراء رئيس البرلمان الأسبق بولنت أرنتش، بعد حل الحزب بقرار من المحكمة الدستورية العليا. وكانت هذه المجموعة تُعرف بالمجددين في صفوف حزب «الفضيلة» الإسلامي، ويومها غضب أربكان واعتبرهم منشقين.
كان مشهد خروج هذه المجموعة معبراً عن عدم الرضا عن أسلوب أربكان في إدارة الحزب، وهو تماماً ما يتكرر الآن مع ظهور أصوات من داخل حزب «العدالة والتنمية»، أبرزهم غُل ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، تتحدث عن خروج الحزب عن مساره ومبادئه التي قام على أساسها، فضلاً عن الانفراد بالقرار والتدخل العائلي (من جانب أسرة إردوغان) في القرار، لتعود الأوضاع في البلاد إلى النقطة التي سبقت ظهور الحزب.
على مدى عامين تقريباً، تطايرت في الأروقة السياسية شائعات أحياناً وتصريحات من أطراف أساسية ربما تكون هي قوام حزب أو أكثر بسبب حالة عدم الرضا عن ممارسات إردوغان ورفضهم النظام الرئاسي وصولاً إلى تردي الوضع الاقتصادي والسياسة الخارجية للبلاد التي قادت إلى عزلة تركيا، لكن هذه الإرهاصات تحولت إلى واقع خلال فترة الانتخابات المحلية التي أُجريت في 31 مارس (آذار) الماضي.
بات في حكم المؤكد أن رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو سيؤسس حزباً جديداً، بعد انتقاده الحاد للهزيمة القاسية التي تعرض لها خلفه السابق بن علي يلدريم في انتخابات الإعادة في إسطنبول.
على الجانب الآخر، أعلن نائب رئيس الوزراء الأسبق، الاقتصادي والسياسي اللامع علي باباجان، تأسيس حزب جديد. ويقف الرئيس التركي السابق عبد الله غُل مسانداً لباباجان، لكن لم يُعرف حتى الآن هل سيشارك بشكل واضح في الحزب أم أن دوره سيكون رسم السياسات على أن يكون باباجان، المقبول بشكل واسع من مختلف الأوساط في تركيا بما فيها المعارضة العلمانية، هو رئيس الحزب وواجهته.
كانت الخسارة الثانية في إسطنبول حاسمة فيما يتعلق بتوجه غُل وباباجان إلى إطلاق الحزب الجديد، وتم الكشف عن لقاء جمع باباجان وإردوغان أبلغه فيه أنه سيقدم استقالته من حزب «العدالة والتنمية» خلال الأيام القليلة المقبلة. وكشفت مصادر قريبة من الاجتماع أن غُل أوفد باباجان إلى إردوغان لإبلاغه بالخروج من الحزب وتأسيس حزب جديد، في إعادةٍ للمشهد الذي حدث مع أربكان، عندما أبلغه إردوغان بالخروج من حزبه وتأسيس حزب «العدالة والتنمية».
ويقدر مقربون من غُل وباباجان أن حزبهما سيضم ما يتراوح بين 40 و45 من نواب حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وهو ما سينهي الأغلبية التي يتمتع بها حالياً في البرلمان، كما يتحدثون عن مساعٍ من «العدالة والتنمية» لتغيير في لائحة تشكيل المجموعات البرلمانية للأحزاب من 20 إلى 60 نائباً، لمنع أي حزب جديد من أن تكون له مجموعة برلمانية قبل الانتخابات المقبلة التي ستجرى في 2023.
وكان إردوغان قد أعلن أنه سيؤجل تقييم نتائج الانتخابات الأخيرة في إسطنبول إلى ما بعد عودته من قمة العشرين في اليابان وزيارته الحالية للصين، حيث سيجتمع مع رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي، شريك حزب «العدالة والتنمية» في «تحالف الشعب»، لتدارس الموقف، كما سيعقد سلسلة اجتماعات تقييمية داخل الحزب الحاكم. من جانبه، انتقد بهشلي «المزاعم» بشأن تأسيس رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو، ووزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان، حزبين جديدين.
وقال بهشلي أمس، خلال مشاركته في اجتماع المجموعة البرلمانية لحزب الحركة القومية في البرلمان التركي في أنقرة أمس، إن تركيا ليست بحاجة إلى حزب جديد، بل إنها بحاجة إلى مواصلة طريقها وسياساتها الحالية بكل حزم وإصرار. ويكاد المحللون يُجمعون على الخيارات التي يواجهها الرئيس رجب طيب إردوغان للحفاظ على مكانة حزبه في الأشهر المقبلة، والتي تصب باتجاه إمكانية تقديم موعد إجراء الانتخابات البرلمانية عن موعدها المحدد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. ورأى المحللون أن حاجة إردوغان إلى دعم حليفه بهشلي دفعته إلى الخطاب المتشدد الذي خلقه بنفسه وأصبح أسيراً له. ولم يعد الناخبون خصوصاً الشباب تجذبهم خطابات الصراع، وأصبحوا يبحثون عن مستقبل أكثر إشراقاً يدعمه الأمل بدلاً عن الكراهية، وهو ما يبرر الفوز الساحق لإمام أوغلو.