العراق ولبنان.. لم يبق الشعور المذهبي فاصلا

العراق ولبنان.. لم يبق الشعور المذهبي فاصلا

لم تمض أيام على المظاهرات العراقية العارمة، والتي غيرت المعادلات السياسية ووضحت الانتماء للوطن قبل كل شيء، حتى انفجرت المظاهرات اللبنانية. والموقف من المحاصصة المذهبية والحزبية يكاد يكون واحدا، فقد طغت المظاهرات على بغداد وبقية مدن العراق الجنوبية والوسطى في الأول من أكتوبر الجاري، وستعود، حسب الأنباء المتداولة من لجان تنسيق المظاهرات، في 25 من الشهر.

ما بين لبنان والعراق تشابه في الأحوال، فالمحاصصة الطائفية والحزبية تكاد تكون واحدة، والمعاناة من الهيمنة الإيرانية واحدة أيضا، وإذا كان لبنان مأسورا بميليشيا “حزب الله”، وتظلّه عمامة واحدة هي عمامة حسن نصرالله، فإن العراق يرزح تحت وطأة عشرات الميليشيات التي تُشكل ما عُرف بالحشد الشعبي، والغالب منها تابع لولاية الفقيه الإيرانية، وأن قسما منه صار يسمّى المقاومة الإسلامية، لشرعنة التبعية المباشرة لفيلق القدس وقائده قاسم سليماني.

غير أن أهم ما يختلف به الحراك اللبناني عن الحراك العراقي، هو وجود المرجعية الدينية، التي مازالت مسموعة في تأييد أو رفض أداء الحكومات، منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، بينما يخلو لبنان من مرجعية مؤثرة، على شيعته، تحدد مسارها السياسي، ووجود التدخل الإيراني، عن طريق حزب الله، الذي تأسس بفتوى أو أمر من الخميني نفسه (في بدايات الثمانينات من القرن الماضي)، لم يترك شخصية فقهية مؤثرة في الوسط الشيعي اللبناني، مثلما هو الحال مع شيعة العراق. كان محمد حسين فضل الله، المتوفى السنة 2010، مثلا، بدأ سياسيا مع حزب الدعوة الإسلامية، العابر للحدود الجغرافية ثم صار فقيها لحزب الله، ثم استقل عنه بعد وفاة الخميني، والسبب على ما يبدو ليس تقاطعا مع حزب الله والسياسة الإيرانية، وإنما لأمر ذاتي، وهو الطموح إلى المرجعية، خاصة وأنه يعتبر نفسه إذا لم يكن أعلم من خليفة الخميني علي خامنئي فهو قطعا موازي له، ولهذا استقل عن المسار الإيراني واتجه إلى المرجعية بلبنان، مع وجود فقهاء آخرين، لم يتورطوا مع حزب الله لا في التأسيس ولا في التأييد، مثل آل الأمين مثلا.

أما المجلس الإسلامي الشيعي، فبعد أن كان مؤسسه ورئيسه موسى الصدر (انتهى بليبيا 1978)، ثم نائب رئيسه محمد مهدي شمس الدين، المتوفى سنة 2001، لا يجمعهما جامع مع ولاية الفقيه ولا مع السياسة الإيرانية، صار هذا المجلس بعد أن تولى النيابة فيه عبدالأمير قبلان مؤيدا لحزب الله، بل منفذا لما تفرضه السياسة الإيرانية، وقد حصل أن أعفى السيد علي الأمين من منصبه كقاض شرعي لأنه اعتبر حزب الله لا يمثل شيعة لبنان، إنما يمثل سياسة إيران.

لم يظهر بلبنان مرجع مؤثر بين الشيعة بعد السيد محسن الأمين، المتوفى سنة 1953، الذي كان مرجعا للشام بالكامل، وله موقف مشهود من الممارسات في يوم عاشوراء، وقبله أو زامنه المرجع عبدالحسين شرف الدين المتوفى عام 1957، ومن بعدهما ظهر موسى الصدر، الذي قَدم من إيران لغرض سياسي، وبدأ بتأسيس ما عُرف بحركة المحرومين، ومنها نشأت ميليشيا أمل، التي يترأسها الآن نبيه بري، وشاركت بشكل سيء ضد التظاهرات اللبنانية لإحباط مشاركة الشيعة فيها.

لم يستطع حسن نصرالله، وهو التابع لولاية الفقيه بطهران، وحزبه كجزء من الحرس الثوري الإيراني، أن يحظى بتأييد واحترام شيعة لبنان ككل، بل كانت جماهيريته، بين الشيعة، ناتجة عن دوافع مادية محضة، من الرواتب والعناية الطبية والتعليم إلى غير ذلك، التي يستفيد منها سكان الضاحية الجنوبية الشيعية ومناطق الشيعة الأخرى، وهذا يعد سببا لطاعة الأتباع في ظروف لبنان الحرجة، والتي ثار عليها اللبنانيون في التظاهرات خلال هذه الأيام. مع ذلك تظاهر الشيعة مع بقية اللبنانيين، وكُسر حاجز قدسية حزب الله، على أنه الحزب المقاوم لإسرائيل، وظهرت شعارات تشير إلى حسن نصرالله بالاسم، وإلى فساد كتلته النيابية، بينما الأبواق الإيرانية، كفضائية “العالم” و”الميادين”، تعتبر التظاهرات مؤامرة مدعومة من السفارات، وهذه التهمة نفسها وُجّهت للمتظاهرين الشباب في العراق.

يختلف الوضع في العراق، من ناحية تأثير رجال الدين الشيعة، ومن ناحية وجود المناسبات الدينية، التي استطاعت الأحزاب الإسلامية الشيعية عبرها الهيمنة على المزاج العراقي، وتحويله إلى طقوس دينية، فالعديد من خطباء المنابر الحسينية يوصون بالصبر على الفساد وسوء الخدمات وتردي أحوال البلاد، وذلك من أجل المشي إلى كربلاء وإظهار الحزن المتواصل على الحسين.

غير أن هذا الأمر لا يستمر طويلا، فللناس حاجاتهم ومتطلباتهم، ما لا يمكن أن يكتفوا بحرية تأدية الطقوس الدينية، أو بالشعور الطائفي يمكن السكوت عن الاحتلال الإيراني، والقبول بكلمات أمين عام حزب الله حسن نصرالله “إن قائدنا وحبيبنا وحسيننا في هذا الزمان هو السيد علي خامنئي”، وأن يغض العراقيون الطرف عن عبث الميليشيات الإيرانية، والسكوت عن تصريحات السفير الإيراني عن العراق وكأنه محمية له، والسكوت عن رفع صور الخميني وخامنئي، كلّ هذا، أما حقوق الوطن والمواطن لا تعني شيئا.

لقد كسرت مظاهرات العراقيين هيبة المرجعية الدينية، على الرغم من سطوتها لستة عشر عاما، والمرجعيات وأهل العمائم يبيعون ويشترون بالعراق، كذلك كسرت مظاهرات لبنان سطوة حزب الله، ولم يعد عذر المقاومة والقوة المسلحة يشكل شيئا في نفوس اللبنانيين.

العرب