ما يحدث في إيران وما تشهده العديد من المدن والنواحي من تظاهرات، بدأت مطلبية اعتراضا على قرار تصدت لإصداره الحكومة برئاسة حسن روحاني قضى برفع أسعار “البنزين”، بمثابة “لعبة” يقامر بها النظام على “شفير الهاوية”، قد يكون من الصعب على قيادته الحفاظ على توازنها ومنع السقوط إلى ناحية الهاوية في ظل إصرار بعض أقطاب النظام على استغلال الحركة الاحتجاجية وتحويلها إلى معركة تصفية حسابات سياسية ضد بعضها البعض من أجل الاستئثار بالغنيمة الأكبر من السلطة والسيطرة.
قد يكون مستهجناً الحديث عن صراع داخلي في ظل أزمة قد تكون بمثابة تهديد جديّ لوجود النظام واستمراريته، إلا أن خفايا الجدل الدائر بين مواقع القرار داخل النظام ومراكز القرار تكشف عن وجود حالة من عدم الثقة بينها، وذلك من خلال سعي بعضها لرمي مسؤولية ما حدث على عاتق البعض الآخر.
ففي الوقت الذي تشتعل فيه العديد من المدن الإيرانية بالتظاهرات، وما يرافقها من أعمال حرق للعديد من المصارف ومراكز الشرطة والتعبئة وقطع للطرقات ومواجهات دامية تسببت حتى الآن في سقوط العديد من القتلى والجرحى (حتى الآن لا يوجد إحصاء من جهة محايدة للأعداد)، خرج المرشد الأعلى للنظام، خلال الدرس الفقهي الذي يتلوه على تلاميذه، بمقدمة سياسية لا يلجأ إلى مثلها سوى في الحالات النادرة والمفصلية، ليقول إن القرار برفع الأسعار اتخذته السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وأضيف إليها الأمنية- وإنه وافق ودعّم هذا القرار طالما أن هذه السلطات قد اتفقت عليه ودرست جميع أبعاده وتداعياته.
في الشكل، وبالعودة إلى الدستور الإيراني المكتوب، والقواعد السياسية للنظام التي تفسر صلاحيات المرشد في المادة 110 منه، فإن صلاحية اتخاذ القرارات الاستراتيجية في السياسة والأمن والاقتصاد والإدارة تعود إلى المرشد حصرا، ويمكن أن يتشاور فيها مع السلطات الثلاث، ومن منطلق أن قرار رفع أسعار مادة حيوية وتداعياته الأمنية والاقتصادية والسياسية، يدخل في إطار القرارات الاستراتيجية، فإن اتخاذه يدخل في صلب صلاحيات المرشد الذي يستطيع أن يفرض على كل السلطات القرارات التي يريدها بالنظر إلى هذه الصلاحيات التي يتمتع بها.
من هنا وفي المضمون، وفي محاولة لاستباق التداعيات وبروز مواقف تلمح إلى مسؤوليته، ومن باب حسم الجدل، استبق المرشد جميع السلطات بالإعلان عن أن دوره اقتصر على دعم القرار الذي اتخذته هذه السلطات بعد توفّر القناعة بضرورته والقدرة على تنفيذه والسيطرة على تداعياته، إلا أن سياق المواقف الرسمية يكشف عن وجود آراء غير منسجمة مع ما يؤكده المرشد، ويمكن التوقف هنا عند تراجع البرلمان عن مناقشه مشروع قرار معجل مكرر تقدم به بعض النواب المحسوبين على تكتل الأمل المقرّب من رئيس الجمهورية يطلب من الحكومة التراجع عن قرار زيادة أسعار البنزين واللجوء إلى سياسة متدرجة ومدروسة لمعالجة أزمة المحروقات والكلفة التي تتكبدها الدولة في دعمها، ما يعني أن البرلمان ورئاسته (علي لاريجاني) يتعرضان لسياسة تهميش واضحة وإبعاد عن القرارات المصيرية.
هذا الاستبعاد لم يبدأ مع هذه الأزمة، بل منذ العام 2015 عندما استُبعد البرلمان عن مناقشة الاتفاق النووي، ونُقلت هذه الصلاحيات التي تعتبر من صلب وظائفه إلى المجلس الأعلى للأمن القومي. وهذا التهميش ومصادرة الدور ظهر واضحا في التغريدة التي أطلقها النائب عن مدينة طهران بروانه سلحشوري- بغض النظر عن الصمت الطويل واقتراب موعد الانتخابات البرلمانية- إلا أنه يعبّر عن الواقع الحقيقي لما يتعرض له البرلمان من حصار لدوره عندما دعت إلى إقفاله بعد أن سقط من دوره الرقابي والتشريعي، ما قد يساعد الحكومة على ترشيد الإنفاق والاقتصاد المقاوم.
كلام المرشد جاء استباقيا لأي موقف قد يصدر عن السلطة التنفيذية ورئيسها، أي قبل الاجتماع الأسبوعي للحكومة، وبالتالي فإنه يقطع الطريق على “روحاني” وفريقه أمام إمكانية التنصل من المسؤولية عن هذا القرار، ويفرض عليه وفريقه التصدي وتحمل التنفيذ ومواجهة المتظاهرين ومطالبهم المعيشية، خصوصا وأن المرشد وجه انتقادا واضحا لروحاني على خلفية امتناع الأخير عن ربط قرار رفع الأسعار بموضوع ضخّ الأموال المحصلة نتيجة هذا القرار لمساعدة الطبقات الفقيرة والمعدمة، ما رسم لروحاني حدود الحديث في مجلس الوزراء بالتأكيد على المضي بالقرار والإعلان عن الشروع بضخ عائداته المالية في حسابات هذه الشرائح الاجتماعية من دون تلكؤ.
هذا يعزز الاعتقاد بأن روحاني وحكومته تقتصر مهمتهما على تنفيذ القرارات التي تصدر عن المرشد، الذي قدّم مطالعة تؤكد عدم معرفته بالآليات التي انتهت لاتخاذ هذا القرار، وأن موقفه يرتكز على استشارات وآراء الخبراء والمسؤولين المتصدين للشأن العام، بما يتعارض مع تراكم الخبرة التي اكتسبها داخل دوائر القرار منذ بداية الثورة عندما تولى رئاسة الجمهورية لمدة ثماني سنوات وبعدها في موقع وليّ الفقيه والمرشد الأعلى والقائد على مدى ثلاثين سنة شهدت وصول أربعة أشخاص إلى رئاسة الجمهورية (رفسنجاني- خاتمي- أحمدي نجاد- روحاني).
من ناحية أخرى، لا يبدو أن النظام الإيراني في وارد التراجع عن هذا القرار، وقد برز هذا الأمر من خلال الإصرار الذي أبداه المجلس الأعلى للأمن القومي- الاقتصادي في الاجتماع الطارئ الذي عقده بعد تفجر التظاهرات والاحتجاجات على المضي في تنفيذ السياسة الاقتصادية التي أقرتها الحكومة برفع أسعار البنزين، بالتزامن مع تأكيد الدوائر الأمنية بمختلف أجهزتها ومؤسساتها على استعدادها للتصدي لهذه الاحتجاجات وإنهاء الحالات التي تشهدها بعض المدن والأحياء والشوارع، فضلا عن إعلان وزارة الأمن اعتقال نحو 1000 شخص، وصفتهم بأنهم الرؤوس المحركة للتظاهرات، في محاولة لتسويغ إمكانية رفع مستوى العنف الذي قد تمارسه الأجهزة في مواجهة التظاهرات باعتبار ارتباطها بأجندات خارجية لتنفيذ مؤامرة تستهدف إسقاط النظام.
اللافت أن جماعات مقربة من النظام في طهران بدأت تروج لفكرة “الخطوة الاستباقية”، واعتبار أن قرار رفع الأسعار خطة مدروسة هدفها استدراج الجهات التي تخطط للنيل من النظام للخروج من “أوكارها”، حسب تعبيرهم، وبالتالي التعامل معها قبل أن تستطيع استكمال مخططها الذي كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في شهر فبراير (شباط) المقبل، ولم تتردد هذه الجماعات عن وصف هذه “المؤامرة” بأنها من تخطيط أميركي- إسرائيلي في إطار المعركة المفتوحة التي تخوضها إيران مع هذين البلدين على الساحات العراقية والسورية واللبنانية.
اندبندت العربي