فورين أفيرز : الصراع السني الشيعي يهدد بإعادة تشكيل المنطقة

فورين أفيرز : الصراع السني الشيعي يهدد بإعادة تشكيل المنطقة

1892694081ukolp6x3

وأوضحت أنه على الرغم من أن الخلاف الديني لا يكفي وحده لتفسير كافة العوامل السياسية، والاقتصادية، والجيواستراتيجية، إلا أنه أصبح أحد مصادر فهم التوترات القائمة؛ فقد استغلته كلا الدولتين المتنازعتين على قيادة العالم الإسلامي، السعودية وإيران، لتعزيز طموحاتها في الهيمنة.

  وتوضح الدراسة أن حسم هذا الصراع، سيشكل التوازن السياسي بين السنة والشيعة ومستقبل المنطقة، خاصة في سوريا والعراق ولبنان والبحرين واليمن.

 وبعد استعراض لتاريخ بداية النزاع الديني على الخلافة الإسلامية، الذي أسفر عن  قيام الدولة الأموية ثم العباسية، تشير الدراسة إلى أن  قطاعا كبيرا من المسيحيين واليهود واتباع الزرادشتية الذين دخلوا الإسلام في قرونه الأولى، اختاروا المذهب الشيعي، نكاية في  العرب الفاتحين الذين تعاملوا مع غير العرب باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، وأثرت عقائدهم الدينية السابقة على صعود الإسلام الشيعي المختلف عن السني في الشعائر والمعتقدات.

 وبعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران، دعا الخوميني الى وحدة المسلمين، غير أنه قام بدعم الجماعات ذات الأجندة الشيعية في لبنان والعراق وأفغانستان والبحرين وباكستان. وعلى الرغم من إعجاب جماعات إسلامية سنية مثل الاخوان المسلمين وحماس، بنجاح الخوميني، إلا إنهم رفضوا زعامته، في تأكيد على عمق الشكوك الطائفية القائمة.

وتشير الدراسة إلى أن لدى السعودية أقلية شيعية كبيرة الحجم تمثل ١٠ % من مجمل سكان المملكة التي سارعت من خطوات نشر المذهب الوهابي بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، مما أحيا التنافس الطائفي حول التفسير الحقيقي للإسلام.

ومن ثم، تؤكد الدراسة أن العديد من الجماعات المسئولة عن أعمال العنف الطائفي التي وقعت في المنطقة ومختلف أنحاء العالم الإسلامي منذ عام 1979 يمكن أن تعزى إلى مصادر سعودية وإيرانية.

وساندت المملكة العربية السعودية العراق في حربها مع إيران 1980-1988؛ بينما دعمت المقاتلين من باكستان وأفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي، وفي نفس الوقت، تقمع الحركات الشيعية المدعومة من إيران.

تحريض إيران للحركات الشيعية في الدول الإسلامية، أكد قرونا من الشكوك السنية أن العرب الشيعة يوالون الفرس. ومع ذلك، يشير العديد من الخبراء، إلى أن الشيعة ليسوا موحدين من حيث المصالح والهويات.

فعلى سبيل المثال، شكل الشيعة العراقيون، الجزء الأكبر من الجيش العراقي الذي حارب إيران خلال الحرب بين البلدين، ووقعت اشتباكات بين الجماعتين المسلحتين الشيعيتين حزب الله وحركة أمل في بعض الأحيان أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.

كما قاتل الحوثيون، وهم مجموعة زيدية شيعية مسلحة في اليمن، حكومة علي عبد الله صالح الزيدية، عدة مرات فيما بين عامي 2004 و 2010. وفي 2014، استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء بدعم من الرئيس صالح المخلوع.

وبدورها، لا تركز تيارات السنة الرئيسية والمتشددة على قمع الشيعة؛ فعلى مر التاريخ، حارب ضد خصوم سنة أيضا؛ في معظم أعمال القمع المتعاقبة مؤخرا على الإخوان المسلمين في مصر، وفي غزو العراق للكويت عام 1990، والمعارك السعودية ضد تنظيم القاعدة والجماعات السنية المتشددة المرتبطة به. فلا يلغي الانتماء للمذهب السني الصراع على السلطة بين المسلمين السنة تحت ظل الحكومات الدينية أو المدنية.

غير أن الهوية الطائفية تعاود الظهور مع تكريس العنف الطائفي مثلما حدث في العراق، بعد الإطاحة بصدام حسين، الديكتاتور السني الذي كان يحكم بلدا ذات أغلبية شيعية.

وأثار تفجيرا مراقد الشيعة في سامراء عام ٢٠٠٦، دائرة من العنف الطائفي وحالة استقطاب بين العراقيين، مما أشعل توترات مستمرة للآن.

  وفي العالم العربي، حققت الجماعات الشيعية المدعومة من إيران انتصارات سياسية مهمة مؤخرا؛ حيث يعتمد النظام السوري الحاكم منذ ١٩٧٠ على العلويين وهم طائفة شيعية تبلغ نسبتها ١٣ % من سكان سوريا، وتمثل ركيزة سلطته.

ويسيطر العلويون على المناصب العليا من الأجهزة العسكرية والأمنية في البلاد، العمود الفقري لدعم نظام الأسد في الحرب الأهلية في سوريا.

ومنذ غزو العراق والإطاحة بصدام حسين سيطرت الأغلبية الشيعية على البرلمان ونصبت رؤساء الحكومة.  كما يمثل حزب الله، الميليشيا الشيعية اللبنانية وحركة سياسية، أقوى حزب في لبنان.

وأطاح المسلحون الحوثيون الشيعة في اليمن المرتبطين بإيران، حكومة البلاد المعترف بها دوليا. ومن ثم، تضخم النفوذ الإقليمي لإيران، البلد شيعي، مع تزايد نفوذ حلفائها في هذه البلدان.

 وتخوفت الحكومات السنية، خاصة المملكة العربية السعودية، من  تأثير الصحوة العربية التي تزايدت منذ الحركة الاحتجاجية في تونس في أواخر 2010، وامتدت الى البحرين وسوريا، اللتين تشهدان انقسامات طائفية.

كما تتحسب السعودية لتوسع سيطرة الحوثيين الذين تعتبرهم بمثابة رأس جسر محتمل لإيران في شبه الجزيرة العربية، على امتداد طرق الملاحة الحيوية في البحر الأحمر وفي الأراضي المتاخمة للأقلية الشيعية المهمشة في المملكة.

وتشير الدراسة إلى أن العنف بين الطوائف الإسلامية نادر تاريخيا، حيث لم تندلع معظم الحوادث الطائفية عفويا، وإنما بتوجيه من رجال الدين أو زعماء سياسيين. وتعتبر الجماعات المتطرفة، ومعظمها تحت رعاية دول بعينها، الفاعل الرئيس في أعمال القتل الطائفي اليوم.

ولا تعرف حركة القاعدة السنية أو حزب الله الشيعي، نفسيهما على نحو طائفي، ولكن تفضلان إدراج ما تقومان به من “جهاد” في إطار مناهضة الإمبريالية، أو معاداة الصهيونية، أو معاداة أمريكا.

ولا يكاد يكون هناك أوجه شبه بين الحركتين، بخلاف اللجوء للعنف. فقد طورت حركة حز الله جناحا سياسيا يتنافس في الانتخابات، ويمثل جزءا من الحكومة اللبنانية، وهو مسار لم تختره القاعدة، التي تدير شبكة اتصالات في الظل.

وقد  استخدمت كل من الحركتين انتحاريين، وتحولت هجماتهما من التركيز على الغرب وإسرائيل على غيرهما من المسلمين، مثل استهداف القاعدة مدنيين شيعة في العراق، ومشاركة حزب الله في الحرب الأهلية السورية.

وقد لعب الصراع والفوضى دورا في العودة إلى الهوية الطائفية الأساسية؛ ففي العراق، على سبيل المثال، وظفت بقايا نظام صدام حسين البعثي، والمقاتلون الذين يطلقون على تنظيمهم “الدولة الإسلامية” خطابا سنيا لحشد المقاومة في مواجهة صعود الشيعة للسلطة. وتدفق المتطرفون السنة، على العراق من البلدان ذات الأغلبية السنية، لمهاجمة قوات التحالف والعديد من المدنيين الشيعة.

وأطلق أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس فرع القاعدة في العراق، فتاوى ضد الشيعة لإشعال حرب أهلية بأمل استسلام الشيعة في نهاية المطاف في مواجهة عنف المتطرفين السنة.

ودعا المرجع الشيعي في العراق، آية الله العظمى علي السيستاني، لضبط النفس الطائفي في العراق، وفقدت الطائفة الشيعية في البلاد الآلاف من الضحايا قبل أن  تلجأ إلى استخدام ميليشياتها الخاصة لرد الهجمات. ولكن خلال الاحتلال الأمريكي للعراق، وفي الهجمات الأخيرة ضد الدولة الإسلامية، وجهت الاتهامات للقوات الشيعية شبه العسكرية بارتكاب جرائم حرب.

وفاقمت الحرب الأهلية في سوريا، مع مقتل نحو ربع مليون شخص، وتشريد أحد عشر مليونا ـ أكثر من نصف عدد السكان قبل الحرب ـ  من التوترات الطائفية في البلاد إلى مستويات لم يسبق لها مثيل.

ووظف عشرات الآلاف من السوريين السنة، الذين انضموا إلى جماعات متمردة مثل أحرار الشام والجبهة الإسلامية، وجبهة النصرة وتنظيم القاعدة، الخطاب المعادي للشيعة.

بينما انضمت أعداد مماثلة من الشيعة السوريين والعلويين إلى ميليشيا مدعومة من إيران عرفت باسم “قوات الدفاع الوطني” للدفاع عن نظام الأسد. وكان المقاتلون السنة من الدول العربية والغربية انضموا في البداية إلى المتمردين السوريين قبل ان ينقلبوا عليهم سعيا وراء الخلافة المنشودة.

وفي الوقت نفسه ساند حزب الله وبعض الميليشيات الشيعية من العراق، الحكومة السورية. وجذبت الحرب الأهلية في سوريا ناشطين من بلدان مختلفة أكثر ممن تورطوا في الصراعات في أفغانستان والشيشان والبوسنة مجتمعين.

  وعلى الرغم من تراجع قوة تنظيم القاعدة في العراق بسبب العراقيين السنة الذين انضموا لقتال المتطرفين، وتصاعد الحملة الأمريكية العسكرية، ومقتل الزرقاوي، في غارة جوية أمريكية 2006، إلا أنه وجد هدفا جديدا تمثل في استغلال الفراغ الذي تخلف عن انحسار الدولة السورية، فأنشأ الحركة عابرة للقوميات المعروفة باسم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. ووسعت الحركة سيطرتها في المحافظات السنية في العراق والمناطق الشرقية في سوريا، وفي يونيو ٢٠١٤ استولت على الموصل ثاني أكبر مدن العراق.

وتحدت الحركة أوامر كبار قادة تنظيم القاعدة بالحد من الطموحات العابرة للحدود والعنف الوحشي ضد المدنيين، فتم طرد الجماعة المسلحة من تنظيم القاعدة في فبراير 2014.

وفي يوليو غيرت الحركة اسمها إلى الدولة الإسلامية وأعلنت زعيمها أبو بكر البغدادي الخليفة. ثم أثارت عمليات قتل الرهائن الغربيين حملة من الغارات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة: الأردن، قطر، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.

واعتمدت الجماعات المتطرفة على القنوات الفضائية والإنترنت عالي السرعة خلال العقدين الماضيين لنشر الدعاية وجذب المجندين. وزادت حدة الخطاب الطائفي وهجوم رجال الدين من كل من الطائفتين على الأخرى والسخرية منها.

وانتشر داخل العالم الإسلامي وصف العرب الشيعة بالصفويين، اتهاما لهم بموالاة إيران، أو الرافضة أو المجوس، ومن ناحيتهم، دأب المسئولون الإيرانيون والساسة العراقيون، وحسن نصر الله زعيم حزب الله على وصف مخالفيهم السنة بالتكفيريين، أو الوهابيين.

وتوضح الدراسة أن المتطرفين السنة وجدوا في وسائط الاتصال الاجتماعي فرصا هائلة لتجنيد الاتباع، فلم يعودوا مضطرين للتسلل الى المساجد المهمة لجذب مجندين خلسة، ولكن صار بإمكانهم نشر الدعوة إلى الجهاد وانتظار اتصال المجندين المحتملين.

كما يمكن للمجموعات الشيعية الاعتماد على دعم الدولة في إيران، والعراق، وسوريا لتجنيد المقاتلين من أجل الجهاد وأيضا استخدموا التليفزيون والإنترنت عالي السرعة خلال العقدين الماضيين لنشر الدعاية وجذب المجندين.

فورين أفيرز – التقرير – 23/4/2016