عاد الإهتمام والمتابعة بخصوص جدولة الإنسحاب الأمريكي من العراق بعد الأحداث التي رافقتها منطقة الشرق الأوسط والصراعات السياسية في المشهد السياسي العراقي، والتي اتخذت ابعادًا عديدة وكلها تتجه نحو القادم في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق.
بدأت أولى مراحل مناقشة انسحاب القوات الامريكية في اجتماع اللجنة العليا التنسيقية البلدين في واشنطن بتاريخ السابع والثامن من آب 2023 والذي رسم الأطر المستقبلية وحدودها الميدانية في تأطير العلاقات الأمنية والعسكرية بين واشنطن وبغداد والتي اعتبرت امتداد رئيسي لإتفاقية الإطار الإستراتيجي التي وقعت سنة 2008، وصياغة جدول زمني محدد بمدد معينة تتعلق بوجود مستشاري التحالف الدولي في العراق والتخفيض التدريجي له على الأراضي العراقية، والبدأ بدراسة معمقة حول إنهاء المهام العسكرية للتحالف والانتقال الى علاقات ثنائية شاملة لجميع النواحي الأساسية التي تحددها طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق وبعض دول التحالف الدولي.
وتابعت حكومة السيد محمد شياع السوداني نتائج هذه الحوارات التي أفضت إلى اجتماعات الجولة الأولى في 27 كانون ثاني 2024 للجنة العسكرية العليا بين واشنطن وبغداد وبحثت مهمة التحالف في التصدي لفلول وعناصر داعش داخل الأراضي العراقية وامتدادها في العمق السوري وطرق اتصالاته ومسالك حركاته ومدى تأثيرها على الأمن الوطني العراقي والتوجهات الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وتحديد جدول زمني يتم الإتفاق عليه في كيفية انتقال مهمة قوات التحالف الدولي من مواجهة العمليات الإرهابية لداعش إلى إطار جديد يؤمن شراكة أمنية مستدامة بين العراق والتحالف الدولي، على أن يراعي الطرفان مسألة خفض تدريجي مدروس للقوات القتالية الدولية، ومن ثم الإنتقال إلى أهداف مشتركة وتبادل للمعلومات الإستخبارية وتعزيز للتعاون الأمني في الميدان وتحديد الآفاق المستقبلية للتهديد الذي يشكله عناصر داعش وطبيعة المتطلبات العليا الخاصة بالظروف العملياتية والمكانية ومستويات قابلية القوات الأمنية والعسكرية العراقية وجهوزتها في المواجهة والتصدي لأي نتائج وأحداث قادمة، وهذا التطور في الحوارات كان متماشيًا مع الرؤية الميدانية التي أبداها الكونكرس الأمريكي في موافقته على برنامج الشراكة الأمريكية لمكافحة داعش في العراق وسوريا والتي أقرها في كانون الأول 2023 والى نهاية عام 2024. توقفت أعمال الجولة الأولى بسبب التصعيد الأمني الذي واجهته القوات الامريكية في الهجوم العسكري الذي طال القاعدة الأمريكية (برج 22) بالقرب من الحدود الأردنية والذي أدى إلى مقتل (3) جنود أمريكان وجرح العشرات منهم.
توالت اللقاءات والحوارات بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق وحدد يوم الحادي عشر من شباط 2024 موعدًا لجلسة أخرى لصياغة جدول حول الإنسحاب وتحديد أفق ميداني لتخفيض تدريجي لقوات التحالف الدولي، مع مراعاة استمرار المهام القتالية للقوات الأمريكية واستخدامها للمجال الجوي العراقي في متابعة حركة ونشاط عناصر داعش وتسهيل تنفيذ العمليات العسكرية في العمق السوري وفي منطقة الحدود المشتركة بين العراق وسوريا وتسهيل استخدام الحدود البرية، ومناقشة المتطلبات المستقبلية والبيئة لمكافحة نشاط عناصر داعش وتقدير القدرة القتالية للقوات العراقية.
واتصفت اجتماعات اللجان المشتركة بحرص تام من الجانب العراقي باهتمام بالغ من السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي حضر الجولات الأولى من الحوارات والتي أكد فيها على الموقف السياسي العراقي المتمثل بالمحافظة على العلاقات الوطيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف ومراعاة المصالح العليا لجميع الأطراف وإلى تعزيز التحالف المناهض لتنظيم داعش والتفاوض على إبرام صفقات ثنائية مع الدول الأعضاء فيه، وباعتباره القائد العام للقوات المسلحة في العراق فإن حضوره للاجتماعات تأكيد واضح وصريح على رغبته الجادة في تهدئة الأوضاع واتخاذ نهج جماعي إزاء صياغة المرحلة التالية من العلاقة الأمنية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية،
وهذا ما أكده السوداني في زيارته لواشنطن ولقائه بالرئيس الأمريكي جو بايدن في نيسان 2024 بقوله (نعمل على الانتقال من العلاقة العسكرية إلى الشراكة الكاملة مع واشنطن) ، في إشارة إلى ما ترغب فيه بغداد بشأن مستقبل وجود القوات الأميركية في العراق بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش.
وحصل مركز الروابط للدراسات الإستراتيجية والسياسية على معلومات خاصة حول انعقاد الجولة القادمة من المباحات بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق في الأول من شهر تموز القادم 2024، لتدارس المهام الأولويات المهمة في تحديد التوقيتات المناسبة لانسحاب القوات الأمريكية والتحالف الدولي ومسألة ابقاء عدد من المستشارين العسكريين والقوات التي تساهم في عملية الاعداد والتدريب وتقديم المشورة اللوجستية وتبادل المعلومات الأمنية الإستخبارية حول معطيات وتطور الأحداث الوقائع على الميدان العراقي وفيما يهم المستجدات في المشهد العام السوري وانعكاسه على الوضع الأمني داخل العراق وخاصة حركة ونشاط تنظيمات داعش الإرهابية وفعالية ودور قوات سوريا الديمقراطية في الحفاظ على السجون التي تحتوي على قيادات وكوادر من تنظيمات داعش وعوائلهم في معسكر الهول والحسكة والدور الذي تقوم به القوات الامريكية في تعزيز الحمايه على هذه السجون ومنع حدوث اي اضطرابات أو خروقات كما حدث في 27 آب 2023 بهروب اعداد من قيادات التنظيم الإرهابي من سجن الصناعة بمنطقة ( غويران ) بمحافظة الحسكة.
والحوار مستمر بين القيادات العسكرية الأمريكية العراقية حتى الموعد المحدد انعقاد جولة المباحثات القادمة والتي أخذت مسارًا مهمًا في كيفية اعداد البدائل للقواعد العسكرية الأمريكية في عين الأسد بمحافظة الانبار والقاعدة القريبة من مطار أربيل في اقليم كردستان العراق، والتي ستكون محور رئيسي في المناقشات التي ستجرى في تموز القادم.
وتبقى التساؤلات قائمة في كيفية معالجة الأخطار المحدقة بالعراق في ظل التسارع القائم في منطقة الشرق الأوسط وطبيعة الصراعات السياسية والمصالح الإقليمية والدولية وتطور الأحداث القائمة في الأراضي الفلسطينية المواجهات المستمرة عبر التهديد والتلويح بعودة الهجمات على القوات الامريكية وقواعدها وأماكنها في سوريا والعراق من قبل بعض الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، وماهي الآليات التي ستواجه بها في حالة وجود أي تطور او مستجدات ومتغيرات في الجانب السياسي والعسكري الذي يهم التوجهات والأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
ووفق لمعلومات دقيقة حصل عليها أيضًا مركز الروابط للدراسات الإستراتيجية والسياسية فقد طالب الجانب الأمريكي ثلاث سنوات موعدًا مناسبًا لانسحابه من الأراضي العراقية، حيث يتواجد (2500) عسكري أمريكي في العراق في إطار التحالف ضد تنظيمات داعش الإرهابية بناء على الدعوة التي وجهت إلى واشنطن من قبل العراق في حزيران 2014، في حين أن الحكومة العراقية أكدت على أن مهلة (سنة واحدة) كافية لاكمال عملية مغادرة العراق والابقاء على تعاون أمني مثمر وعلاقات سياسية وإقتصادية وطيدة تحقق الأهداف والمصالح لشعبي البلدين، وأن يكون التعاون وفق ما اُتفق عليه في الإجتماعات الثنائية التي عقدت في الزيارة التي قام بها السيد السوداني للعاصمة الأمربكية (واشنطن) في 15 نيسان 2024، والتي أولت اهتمام بارز بالجانب الإقتصادي والحماية المالية للإقتصاد العراقي من قبل الإدارة الأمريكية بالتزامها بجهود الإصلاح المالي التي يتيح للعراق مجالات واسعة للاستثمار الأجنبي ومواصلة توسيع العلاقات المصرفية الدولية ومنع الإستخدام غير المشروع للقطاع المالي العراقي وتوسيع قاعدة المراسلة مع البنوك والمصارف في أوروبا وأمريكا.
ويبقى التساؤل قائمًا في حالة الإنسحاب التام كيف ستؤول الأحداث في العراق وهل تتمكن القوات العراقية من بسط نفوذها وسيطرتها الميدانية وتأمين حدودها والحفاظ على مستلزمات الأمن الوطني والقومي للبلاد ومنع أي حالات من العبث بأمن واستقرار الجبهة الداخلية والسيطرة على السلاح ومنع الفصائل المسلحة من القيام بعمليات تعرضية تستهدف الأماكن الاقتصادية والمؤسسات المالية وشركات الطاقة في إقليم كردستان وتأمين الحالة الأمنية ومنع حدوث أي ظهور جديد لتنظيمات داعش وتعزيز حالة الاستقرار القائمة في العراق واقليم كردستان؟
ان الرؤية الصادقة التي انتهجها السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بدعوته لأنسحاب قوات التحالف الدولي وتحديد الأطر المناسبة في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وفق أصول وقواعد العلاقات السياسية بين بلدان العام ووفق مقتضيات المصالح والأهداف المشتركة وما تمليه قواعد العلاقات بين الدول وفق منظور القانون الدولي وهيئة الأمم المتحدة بتعزيز الجانب الاستقلالي والموقف الوطني للبلاد، وأنه يعتبر أول رئيس للوراء بعد الاحتلال الأمريكي للعراق يطالب بصورة واضحة بتحديد جدول زمني لإنسحاب قوات التحالف والعمل على تعزيز العلاقات الأمنية والسياسية وثباتها بين واشنطن وعواصم قوات التحالف، وهو ما استمعت إليه الإدارة الأمريكية وأكدت عليه بالقول أن مسار عمل اللجان المشتركة تعكس تطور العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق بموجب اتفاقية الإطار الإستراتيجي مؤكدة التزامها تعميق تعاونها الأمني وتعزيز الاستقرار في العراق والمنطقة.
ويبقى الأمر مرهون بحاجة واشنطن وبغداد إلى قرار مدروس بالانسحاب وليس مقرونًا بأي ضغوط سياسية وداخلية وإقليمية وبشكل لا يؤثر على طبيعة البيئة الأمنية في العراق أو لا يتخطى الأهداف الإستراتيجية الأمربكية والتمسك بالحفاظ على العلاقات الثنائية المشتركة بين العراق.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية