يندفع العراق إلى الاستثمار في خط إمداد نفط وغاز ينطلق من أغنى حقوله الجنوبية، حيث البصرة، وصولاً إلى ميناء العقبة الأردني المُطل على فسحة ضيقة من البحر الأحمر في، بدعوى تنويع منافذ تصدير الثروة البترولية بعيداً عن التشنجات المحتملة في مضيق هرمز. لذلك صرح مدير عام شركة المشاريع النفطية، علي وارد حمود، يوم الاحد الفائت، أن مشروع أنبوب النفط الاستراتيجي (بصرة- حديثة)، والذي يُعدّ من أبرز المشاريع الاستراتيجية لتحريك قطاع النفط في العراق، سيسهم في تعزيز الاقتصاد العراقي من خلال تمكينه من تصدير النفط عبر منافذ جديدة، موضحًا أن جميع النفط المنتج من الحقول الجنوبية يُصدر حاليًا عبر الموانئ المطلة على الخليج، وهو المنفذ التصديري الرئيسي. ومع التحديات الجيوسياسية في المنطقة، تعمل وزارة النفط على تنويع منافذ التصدير، ويأتي أنبوب بصرة- حديثة ضمن هذا التوجه.
يبلغ حجم الأنبوب 56 عقدة، وبطاقة تصديرية تصل إلى مليونين و250 ألف برميل يومياً. سيتم تصنيع الأنبوب بأيادٍ عراقية، حيث سيُصنع الجزء الأكبر منه داخل المصانع العراقية من قبل شركة الحديد والصلب التابعة لوزارة الصناعة. وأوضح حمود أن الأنبوب سيوفر منافذ تصديرية جديدة للنفط العراقي إلى دول أوروبا وأمريكا الشمالية، منسجمًا مع مشروع طريق التنمية وسعي الحكومة لجعل العراق ممراً للطاقة العالمية. كما سيساهم في زيادة الطاقة الإنتاجية للبلاد، ويوفر كميات إضافية من الوقود للمشاريع الكبيرة ويسهم في تغطية الحاجة المحلية من البنزين وزيت الغاز والكيروسين.
يرى خبراء أن العراق تأخر كثيراً في المضي نحو تنويع منافذ تصدير نفطه الخام، لما يحمله الاعتماد على مصدر وحيد من مخاطر قد تلحق أضراراً فادحة باقتصاده المعتمد على النفط. واحدة من الأفكار لتنويع منافذ تصدير النفط الخام العراقي كانت خط البصرة – العقبة، وتعود إلى بداية الثمانينات حين بدأت الأحداث الإقليمية ترخي بظلالها على الإمكانات اللوجستية لتأمين الانسياب الآمن للنفط العراقي.
وسيعود هذا المشروع بالنفع الكبير على كل من العراق والأردن، بالنسبة للعراق، يعد المشروع إحدى محاولات تنويع منافذ تصدير نفط العراق الخام، وعدم الاعتماد على منفذ وحيد عبر الخليج العربي، لما يحمله من مخاطر وخاصة بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980. سيربط خط الأنابيب اقتصاده باقتصادات الدول العربية المجاورة، فإنه سيشكل أيضًا تنويعًا في طرق التصدير، الأمر الذي سيخفف من المخاطر المرتبطة بالجغرافيا السياسية المعقدة في الخليج العربي. لذلك، يعد خط الأنابيب مشروعًا استراتيجيًا، له مزايا جيوسياسية محتملة بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية. علاوة على ذلك، يمكن لخط الأنابيب أن يلعب دورًا في تعزيز الاستقرار في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة، ومن الممكن أن يساعد في استقرار أسعار النفط العالمية في حال الصراعات الخليجية.
أما بالنسبة للأردن، فإن المشروع سيوفر له إمدادات نفطية يمكن الاعتماد عليها، ما من شأنه أن يقلل من مخاطر انقطاع الإمدادات بسبب عدم الاستقرار السياسي. بالإضافة إلى ذلك، سيقلل خط الأنابيب من التكلفة البيئية لنقل النفط العراقي، والذي يتم جلبه حاليًا إلى الأردن بواسطة الشاحنات. مع وضع هذا في الاعتبار، قرر الأردن مؤخرًا أن يوسع من طاقة التكرير في منشأة الزرقاء من 60 ألف برميل يوميًا إلى 150 ألف برميل يوميًا بحلول يونيو/حزيران 2025.
وبما أن الأردن يستورد حاليًا فقط 10 آلاف برميل يوميًا من النفط العراقي، فمن الممكن لخط الأنابيب وحده أن يزود المصفاة بكامل حاجتها لتلبية الطلب المحلي، وتمكين المملكة من إنتاج مشتقات البترول المكررة وتصديرها إلى أي مكان آخر، بما في ذلك العراق. علاوة على ذلك، ووفقًا لبعض التقديرات، يمكن لخط الأنابيب أن يجلب للأردن من 500 مليون دولار إلى 3 مليارات دولار من عائدات رسوم العبور كل عام؛ وسيشكل هذا مبلغًا ضخمًا لدولة تبلغ ميزانيتها السنوية 15 مليار دولار. ونظرًا لأن الارتفاع الصاروخي في أسعار الطاقة والغذاء أصبح المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار الاجتماعي في الأردن، فإن المملكة تنظر إلى خط الأنابيب – وما سيوفره من طاقة معقولة التكلفة – على أنه أمر أساسي للاستقرار المحلي، وحثت على “الإسراع” في إنشائه.
يأتي هذه المشروع كجزء من إعادة ضبط واسعة لاستراتيجية بغداد العربية والإقليمة، إذ يدرك محمد شياع السوداني أهمية العلاقات التجارية في تحقيق التكامل الاقتصادي مع دول الجوار العراقي، فالسوداني يؤمن بالسياسات المتوازنة القائمة على التشاركية الاقتصادية، فالسوداني من أجل تعزيز الاقتصاد العراقي سيطرق جميع الأبواب ولن يعدم وسيلة لتنويع السياسات الاقتصادية، فهو يدرك أيضًا أن ذلك لا يتحقق إلا في استقرار داخلي في العراق واستقرار سياسي على المستوى العربي والإقليمي.
يمثل مشروع أنبوب البصرة- العقبة أهمية قصوى للعراق بفعل دخول أسواق جديدة لأن الاقتصار على التصدير جنوباً عبر البحر قد يعرقل الإمدادات النفطية مستقبلاً بسبب التوترات الأمنية في مضيق هرمز خصوصاً”، أن كل الدول النفطية الكبرى في أوبك استثمرت في طرق ومنافذ جديدة لتصدير نفطها بعيداً من مضيق هرمز. إضافو إلى ذلك تطرح ضآلة المُصدَّر عبر خط جيهان التركي شمالاً الذي يتعرض إلى هجمات متكررة. لذا يرى المتابعين للشأن العراقي أن بغداد بحاجة ماسة إلى تنويع منافذها النفطية بما يخدم مصالح العراق الاقتصادية.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية