الانتخابات الإيرانية بين الإصلاح وقبضة النظام

الانتخابات الإيرانية بين الإصلاح وقبضة النظام

جاءت اختيارات مجلس صيانة الدستور في إيران وفق التوقعات السياسية التي ذهبت إلى اختيار مرشحي التيار المحافظ القريب من المرشد الأعلى علي خامنئي، وتم ذلك بالقرار الذي أعلنه المجلس يوم التاسع من حزيران 2024 والذي تم فيه استبعاد اسماء بارزة منها ( الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجادي ورئيس مجلس الأمن القومي السابق على لاريجاني)، في حين ضمت القائمة المعتمدة لخوض الانتخابات الرئاسية في 28 حزيران 2024 (رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، ووزير الداخلية السابق مصطفى بور محمدي، ورئيس وقف الشهيد والمحاربين القدامى أمير حسين قاضي زاده هاشمي، ورئيس بلدية طهران علي رضا زاكاني، إضافة إلى المرشح الإصلاحي الوحيد وزير الصحة السابق مسعود بيزشكيان).
أعطى قرار مجلس صيانة الدستور الرؤية الحقيقة الثابتة في الحفاظ على التوجهات الرئيسية والثوابت في السياسة الداخلية والخارجية التي يحرص النظام الإيراني على التمسك بها والحفاظ عليها ضمن التوجه العام بالالتزام بسياسة ( قبضة النظام) التي تحكم قيادة الهيكلية التنظيمية في أروقة الحكم الإيراني، وهي تنجسم بل تتوافق مع جميع التوجهات والآراء التي يديمها المرشد الأعلى وتلتزم بها جميع قيادات النظام السياسية والعسكرية والأمنية وهدفها الحفاظ على مكتسبات النظام وادامة مشروعه السياسي في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وامتداداته المتعلقة باهداف وغايات النظام الإيراني.
أن الموافقة التي حرص أعضاء مجلس صيانة الدستور على منحها لمرشحي الرئاسة وفق الصلاحية التي يمتلكها في تحديد المرشحين الذين يُسمح لهم بالترشح للانتخابات البرلمانية الرئاسية وعبر اعضائه البالغ عددهم (12) عضوًا منهم ستة أعضاء من الفقهاء والخبراء يتم تعيينهم مباشرة من قبل علي خامنئي أما الأعضاء الستة الآخرين فهم من المحامين ذوي الخبرة ويتم ترشيحهم من قبل رئيس السلطة القضائية ويتم التصويت عليهم من قبل أعضاء مجلس الشورى الإسلامي، جاءت ضمن السياقات المعروفة في جميع الانتخابات الرئاسية السابقة والتي اتسمت في هذه المرحلة بعدم مطالبة
المرشح بتقديم برنامج عمل حكومي على المستويين السياسي والإقتصادي وإنما إعلان الإلتزام بالعمل في إطار توجيهات قيادة النظام والمرشد الأعلى،وهذا يعني أن لا تغيير على السلوك السياسي والمنهج الحكومي في قيادة البلاد وإنما الأمر مرهون بما يقوله ويدعو إليه المرشد الأعلى والتأكيد على أن الرئاسة لا يمكن لها أن تبدي أي أراء او تحدث سياقات جديدة في عملية الإصلاح والتنظيم في سياسة النظام الإيراني داخليًا وخارجيًا.
اعتمد الإختيار على مرشحي التيار المحافظ مع اختيار شخصية سياسية واحدة من التيار الإصلاحي الذي يمثله ( مسعود بيزشكيان) المدعوم من الرئيس السابق محمد خاتمي، وهي إجراء سياسي يرغب فيه النظام للحصول على نسبة أكبر في المشاركة بالانتخابات وتأكيد الشرعية السياسية له عبر مشاركة مؤيدي التيارين الإصلاحي والمعتدل، رغم وجوده وتأثيره على الانتخابات بدعم مرشحي التيار المحافظ ولكنه يسعى إلى تعزيز الحضور الجماهيري لصناديق الاقتراع وتوظيف حالة التعاطف الشعبي التي رافقت توديع الرئيس السابق أبراهيم رئيسي،وهذا ما يسعى اليه المرشد تحديدًا في رفع مستوى المشاركة لتصل إلى 60٪ والعمل عليها سريعًا بحسم النتيجة من الدورة الأولى، مما يحد من هاجس وقلق التمثيل الشعبي المطلوب خلال المرحلة المقبلة، خصوصًا في ظل إمكان حصول تغيير في إدارة البيت الأبيض وعودة دونالد ترمب للرئاسة الأميركية.
ستشهد الأيام القادمة صراع سياسي ونفوذ ميداني وتكتلات شخصية في التيار المحافظ بتعدد مرشحيها ويحاول الجميع الفوز بمنصب الرئاسة وهذا ما يمنح التيار الإصلاحي فرصة للعمل ضمن إطار الاختيارات الشعبية والتواجد داخل المجتمع الإيراني والتأثير عليه، وهو ما يدركه النظام الحاكم ولهذا فمن المكن ان يشير إلى عدد من المرشحين الانسحاب لصالح ( محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي) وكلاهما يتمتعان بتأثير كبير داخل أروقة الحكم ولدى الكثير من الشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية الإيرانية، ولكن يبقى التأثير الكبير والقول الفصل في الدعم الذي يبديه المرشد الأعلى لأي من المرشحين وهذا ما حصل في أي انتخابات تجرى في إيران.
وستعتمد فرصه في الفوز على عوامل مختلفة أهمها مستوى الدعم من السياسيين الأصوليين ورجال الدين المتنفذين، وستنخفض حظوظ أي مرشح في الفوز بمنصب الرئاسة إذا ما ابتعد عن تأثير هذه الشخوص والجهات الفاعلة.
ويبقى المرشح الأكثر ملاءمة لضمان الفوز وفق المعطيات التي أشرنا إليها (محمد باقر قاليباف) الذي يحظى بشهرة واسعة وتأثير كبير واحترام داخل التيار المحافظ، وأكتسب سمعة إيجابية إلى حد ما، خاصة خلال السنوات التي كان فيها رئيسا لبلدية طهران (من 2005 إلى 2017) وهو الرئيس الحالي للبرلمان وكان قائدًا للشرطة الإيرانية من عام 2000 إلى 2005، وعمل قائدًا للقوات الجوية في الحرس الثوري من عام 1997 إلى عام 2000، وشغل منصب المدير الإداري لشركة خاتم الأنبياء للإنشاءات التابعة والتي تشكل الآن الدعامة الإقتصادية لإيران، كما وانه ساهم في التصدي للتظاهرات الشعبية التي اندلعت عامي 1999و 2003 في العاصمة الإيرانية ( طهران) وبعض المدن الرئيسية ويمتلك علاقات جيدة ويحظى بتأييد من قبل القيادات الأمنية والعسكرية العاملة الفاعلة في الحرس الثوري.
أما المرشح المنافس له سعيد جليلي، فهو شخصية سياسية ودبلوماسية، شغل منصب كبير المفاوضين في الإجتماعات والحوارات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني وكان أمينًا لمجلس الأمن القومي ومعروف بمواقفه المتشددة في السياسة الخارجية ومعارضته القوية للغرب، وهو ما يلقى تأييدًا لدى القواعد الشعبية لتيار المحافظين، إلا أن خسائره الانتخابية السابقة ورؤيته للعلاقات الخارجية لإيران تجعل ترشيحه وفوزه المحتمل بالانتخابات مرهون بالدعم السياسي من قبل الشخصيات والقيادات الإيرانية.
ويبقى وجود المرشح الإصلاحي (مسعود بيزشكيان) نائب رئيس البرلمان الإيراني والذي شغل منصب وزير الصحة في حكومة محمد خاتمي من سنة 2001 – 2005 عامل مهم في تحديد نسبة المشاركة وطبيعة الأدوار السياسية ومفاجأتها كونه من الشخصيات القديرة في المجتمع ولكنها غير معروفة في المشهد السياسي وربما لا يتمتع بقدرة كبيرة على المستوى المستقل في حشد قاعدة جماهيرية لصالحه، ولكن الدعم الذي ستقدمه جماهير التيار الإصلاحي قد تسفعه في التقدم بالانتخابات، على الرغم من الدعم الكبير الذي تحظى به قوائم التيار المحافظ من قبل القيادات العليا في إيران وتوجيه من المرشد علي خامنئي،
وعلى رغم هذه الجهود التي يبذلها الإصلاحيون لإجراء انتخابات تعددية إلا أنه يبدو أن النظام لا يعير هذه الأصوات اهتمامًا بالغًا وإنما يتجه نحو اسباغ رؤيته الميدانية لقيادة البلاد لسنوات قادمة وفق التوجيهات والإرشادات الخاصة بالمرشد الأعلى والقائمة على تحصين النظام وتشديد قبصته وتسيده للحكم في إيران.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية