سعت الدوائر السياسية والأمنية الإيرانية على إعلان ثوابتها في التمسك بسلوكها في التعامل مع كافة القضايا الإقليمية والدولية التي تهم المصالح والأهداف الإيرانية وتحديدًا في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وسارعت وبعد الإنتهاء من مراسيم دفن الرئيس السابق أبراهيم رئيسي وجميع المسؤولين المرافقين له والذين قتلوا في حادث تحطم المروحية التي اقلتهم بعد عودتهم من آذربيحان في التاسع عشر من آيار 2024، من عقد الاجتماعات المتوالية مع عدد من الفصائل المسلحة ضمن المحور الذي أطلقت عليه تسمية ( وحدة المساحات)، فكان اللقاء الموسع الذي عقد في 23 آيار 2024 ورأسه قائد فيلق القدس أسماعيل قاأني وقائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي وحضره ( إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ونعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني ومحمد الهندي عن حركة الجهاد الإسلامي وممثلين عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقيادات من الحوثيين والفصائل المسلحة العراقية) والذي ناقش أهم التطورات في الميدان الفلسطيني وجنوب لبنان وأخر المستجدات في الساحه العراقية وما آلت اليه الأحداث في البحر الأحمر وخليج عدن وتأكيد الدعم والاسناد الإيراني الثابت والمستمر لهذه الفصائل في عملها وحركتها وإعطاء رسالة واضحة عن الموقف الإيراني الثابت وفق المعطيات التي تحافظ على مرتكزات وأهداف المشروع الإيراني السياسي وامتداداته في المنطقة.
جاء الإجتماع ضمن الرؤية السياسية والأمنية للعقيدة الإيرانية في الإمساك بما تحقق للنظام من مرتكزات وأسس في عواصم الأقطار العربية ( بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء) وليمنح الآفاق المستقبلية لعمل جميع الفصائل التي ترتبط بقيادات الحرس الثوري ضمن مجموعة التعاون الأمني الإستخباري التي تحرص إيران على وجودها واستمرار عملها وفق التوجهات الميدانية التي تهم مستقبل وبقاء النظام ودوره في التأثير على ما يحيط المنطقة من أزمات ومتغيرات قادمة.
ودائما ما تتبع إيران سياسة الاستفادة من الفرص السياسية وتوظيفها لأهدافها وطموحاتها، ومن هنا جاء هذا الإجتماع الموسع بعد مناسبة تشييع الرئيس أبراهيم رئيسي، إذ أصرت على وضع لمساتها وجمع محورها في صورة للتأكيد على استمرار نفوذها وتذكير الجميع بقدرتها وتمسكها بشعار (وحدة الساحات).
ورغم انشغال إيران بتبعيات وآثار سقوط المروحية ومراسم التشييع إلا أن هذا لم يمنع القادة الإيرانيين من عقد لقاءات خاصة مع عدد من القادة في المنطقة، والبحث في تطورات الأوضاع في غزة وخطة العمل لمواكبة هذه التطورات ووضع بعض الأفكار والخطط لليوم التالي الذي سيلي وقف إطلاق النار ولابقاء الدور الإيراني قائمًا ومؤثرًا في جميع القضايا التي تتعلق بالمنطقة العربية واعطاء مكانة له في أي متغيرات قادمة وسعيه لإثبات وجوده في أي مرحلة من مراحل الصراع العربي الإسرائيلي.
وأعطى خطاب المرشد الأعلى علي خامنئي في الثالث من حزيران 2024 في الذكرى السنوية لوفاة الخميني تأكيد واضح على جميع المواقف الإيرانية وتمسك كامل بما طُرح في الإجتماع الموسع الذي عقد مع قيادات الفصائل المسلحة والعمل ضمن السياقات والتوجيهات التي تساهم في ديمومة النظام وثبات مشروعه السياسي وأهدافه في تعزيز تواجده في منطقة الشرق الأوسط عبرالتمسك بسياسته في التشدد وإظهار القوة في معالجته للأزمات والملفات السياسية التي تحيط بالمنطقة واستمرار توجهاته للفصائل المسلحة المرتبطة به في تصعيد عملياتها العسكرية وفق منظوره القائم على توظيف أي حالات ميدانية تحيط بالمنطقة لأنجاح حواراته في الإجتماعات والمفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني وإطلاق الأموال المجمدة ورفع العقوبات الإقتصادية والتاثير على نتائجها بما يخدم أهدافه وتطلعاته كقوة إقليمية في المنطقة وتحقيق الحد الأقصى من أي مكتسبات تحققها نتائج المفاوضات.
وهذا ما تم تفعيله على الجبهة الشمالية في جنوب لبنان فتشديد عناصر حزب الله اللبناني من عملياتهم وتطويرها وفق المعطيات الميدانية على رغم الاستهداف المستمر من قبل القوات الإسرائيلية لكوادر الحزب القتالية المسؤولة عن عمليات إطلاق الطائرات المسيرةو المهمات القتالية داخل العمق الإسرائيلي، مع تصريحات قيادات الحزب بجهوزيتهم لأي تصعيد ميداني في المرحلة المقبلة ووفق التطور الحاصل بالتصعيد في رفح وقطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية رغم حرص جميع الأطراف على عدم الذهاب إلى الحرب الواسعة الشاملة.
وهو ما أشار إليه خامنئي في خطابه بحديثه عن تطور الأحداث والمواجهات في الأراضي الفلسطينية، طالبًا من أبناء الشعب الفلسطيني مواصلة القتال ومواجهة الاحتلال واجباره على التراجع في التفاتة سياسية رافقت تأكيده على أن ( طوفان الأقصى) قد حقق اهدافًا كانت تعتبرها إيران تهديدًا لها بإيقاف الولايات المتحدة الأمريكية عن بناء تحالفات سياسية في المنطقة العربية تستهدف المشروع الإقليمي الإيراني في المنطقة وأحدثت منعطفات مهمة لتلبية حاجات المنطقة، وانه ليس مع إيقاف القتال واعلان الهدنة وضد أي مشروع تتقدم به الإدارة الأمريكية في إشارة إلى مبادرة الرئيس جو بايدن بإيقاف القتال وتبادل الأسرى والإنسحاب من قطاع غزة وعودة الأهالي الي مناطقهم، ورغم أن هذه المبادرة التي وافق عليها مجلس الأمن الدولي في العاشر من حزيران 2024 إلا أن من أحد جوانبها الأساسية هي السعي لاخماد التظاهرات الطلابية في الجامعات الأمريكية والاتجاه نحو الانتخابات الرئاسية القادمة، وفي الجانب الإيراني فإن المرشد الأعلى يسعى إلى أن يكون لإيران حضورًا سياسياً في أي متغيرات قادمة في الأراضي الفلسطينية وهو ما أصطلح عليه باليوم التالي وان يكون لديها مقعد في أي مفاوضات تتعلق بإنهاء القتال واقرار الهدنة التي ترفضها رغم التضحيات الكبيرة والدماء الزكية التي أريقت على الأرض الفلسطينية.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية