التسرع.. عدو أمريكا الأول في العراق

التسرع.. عدو أمريكا الأول في العراق

xncs_modified20160910150636maxw640imageversiondefaultar-160919969-jpg-pagespeed-ic-llun9kpcpn

وقف جورج بوش في الأول من شهر مايو عام 2003، شاعرًا بفرحة الانتصار على مدرج حاملة الطائرات للبحرية الأمريكية العظيمة الملقبة بإبراهيم لينكولن؛ حيث أعلن الرئيس الأمريكي – آنذاك – في خطاب نقل تليفزيونيًا للولايات المتحدة والعالم أجمع، ومن خلفه ظهرت جملة “تمت المهمة بنجاح” بوضوحٍ للعالم، متممًا بذلك نهاية العمليات القتالية في العراق.

هذا وقد انهارت العراق أمام الحملة العسكرية الأمريكية الملقبة بـ”الصدمة والترويع”، وهي عبارة عن إثبات لقوة الجيش الأمريكي الساحق، وكان الجزء الخاص بالحملة هو أسهل جزئية في العملية كلها، وما تبقى بعد ذلك هو وضع العراق على الطريق السليم وتأمين موقف واشنطن هناك، ثم الخروج من البلد.

في مثل هذا اليوم ومع استمتاع بوش بنصرٍ يحتوي في طياته على نظائر الخسارة، هل يوجد أي شكوك تثيرها كلماته في الأهداف العسكرية الأمريكية؟ فهل كان من الممكن أن يتخيل أحد أنه بعد مرور عقد مليء بالدماء المسالة وبعد إنفاق الملايين من الدولارات ستظل لأمريكا ذيولاً في أرض العراق، وأن هذا النصر العظيم لم يكتمل تمامًا مثلما يبدو اليوم؟

وها قد شارف الشعور بقرب الانتصار ونهاية الترحيب ببقاء أمريكا في الأرض ما بين النهريين، على الانتهاء، ويحلم الأمريكيون بالانتصار القادم في حرب الموصل؛ تمامًا مثلما حدث في “طريق الموت” عام 1990 وفي طريقها إلى بغداد في 2003، فدائمًا ما يقال لنا إن رحيل القوات الأمريكية من العراق آتٍ عما قريب والطريق للنصر هو أيضًا على وشك الانفراج.

لن يكتفي آش كارتر، وزير الدفاع الأمريكي، بهزيمة داعش في أرض المعركة فقط؛ فهو يصر على إتمامه لانتصار أيدولوجي، حيث صرح في وقت لاحق: “من المهم أن نقضي على فكرة الدولة الإسلامية كلها”.

فالانتصار السريع المطلق على وجود العدو دون وقوع خسائر من الجيش الأمريكي وعدم السماح للعدو بفرض شروط معينة مقابل استسلامه، هو بالتحديد ما تسعى إليه إدارة أوباما، فيما وضح الجنرال ماكفارلاند، قائد المهام المشتركة في شهر أغسطس: “بدأت مقاومة العدو في التفتت، ولم نعد نسمع كلمة مأزق تكَرر مرة أخرى”.

إذا وجدت العديد من المشاكل؛ فنحن متيقنين أنها بسبب تقدم الحملة السريع جدًا والملحوظ لصالح واشنطن، فلا نأخذ هزيمة داعش ويكأنها أمرًا مفروغ منه.

فيما أوضح الجنيرال جوسيف فوتيل، القائد المسئول عن الجنرال ماكفالاند، رأيه معارضًا لعاصفة التصفيق الحالية في تعليقات له معترفًا: “أعلم جيدًا أنني أعطي انطباعًا للشعب الأمريكي أن حربنا مع داعش ستنتهي بسيطرتنا على مدينتي الموصل والرقة، فلقد استطعنا أن نصل إلى نقطة مهمة من التوغل في وسط مقر الخلافة الإسلامية هنا، فلقد قاربنا على دخول الموصل، وسنتقدم لنصل إلى الرقة قريبًا”.

وبعد الحديث التحفيذي العظيم، ستغفر للسلطة الأمريكية سيرها وراء الضوء المغري في نهاية النفق أو الضوء القوي المؤذي للعين الناتج عن عربة القطار، أو لمن كان له أي صلة بالعراق في أي شكل كان في العقود الماضية.

وقد صرح الجينرال ماكفارلاند، بنبرة يطغو عليها الجد: “نقطة التحول في عملية اللزام والحل، كانت بتحرير بلدة الرمادي في وقت سابق من هذا العام، مثلما كانت نقطة تحول في عام 2006 لعملية تحرير العراق”.

لحظة! هل أشار الجنرال ماكفارلاند بأن واشنطن عادت بعد مضي أعوام طويلة من الدماء لنفس نقطة البداية في حربها القديمة مع العراق لتسير في نفس الطريق المضي في نفس الدوائر اللا متناهية يُعرّف هذه الأيام بالإنجاز من أجل إنهاء حرب لا تنتهي أبدًا.

وتجهيزًا للنصر القادم، يستحضر ماكفارلاند الأب الأعظم لأكبر انتصار عسكري في التاريخ، وينستن تشيرشل البريطاني، حيث أضاف ماكفارلاند: “هدفنا هو إعادة تنفيذ خطة ونستن تشيرشل؛ فتحرير الرمادي كان نهايةً لصراع أدى إلى ظهور حملة عسكرية جديدة عازمة على القضاء على داعش، وبداية النهاية لداعش ستكون بتحرير الموصل ثاني أكبر مدينة في العراق، وباستعادتها سيتحول العدو إلى شظايا متفرقة من جماعات المقاومة وهو هدفنا الذي نسعى إليه”.

مع الأسف، استحضار لغة تشيرشل في القتال لن تجبر أعداء أمريكا على الاستسلام غير المشروط، وسيشعر بخيبة الأمل، وكل من يستجمع خياله لرؤية العراق من منظور هذه الشروط غير القابلة للتنفيذ.

أما في عام 1914، بادر تشيرشل بشراء الحصة المسيطرة في شركة أنجلو-بيرسان؛ فكانت بمثابة خطوة ساهمت في تأسيس استراتيجية منطقية تعطي الحق للاستعمار البريطاني لدخول العراق أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم السيطرة على حكمها كقوة مفوضة من المجتمع الدولي لعقود عديدة بعد ذلك.

فالأمريكيون دائمًا متسرعون في أي شيء يخص العراق – على عكس أسلوب البريطانيين – حيث أعطى التفويض صبغةً من الشرعية للاحتلال الأجنبي لفترة ما، وأسس إطار محدد لعملية بناء الأمة التي تبنتها بريطانيا بحماس شديد والتزام متناهي امتد للعديد من الأجيال اللاحقة، أما بالنسبة لأمريكا؛ فقد قامت بما هو عكس ذلك، فواشنطن دائمًا ما تكون في عجلة من أمرها لتنفيذ خططها.

وعلى الرغم من ذلك التسرع في التنفيذ، إلا أن القضية العراقية منذ عام 1980 كانت من أولويات أجندة أعمال واشنطن فيما يخص سياستها الخارجية، مع العلم أن واشنطن ومؤسساتها ورأي شعبها العام مجهزة للمكاسب السريعة الخالية من الغموض المستقبلية، وتكمن المشكلة هنا على أن المكاسب الواضحة والمحددة لا تحدث في أرض الواقع أبدًا ولكنها تتلاشى في ضباب الحروب المستمرة.

ذا ناشيونال – التقرير