مخططات أميركية لبقاء عسكري دائم في العراق

مخططات أميركية لبقاء عسكري دائم في العراق

تعمل القوات الأميركية على تعزيز وجودها الطويل الأمد في العراق، من خلال إنشاء قواعد عسكرية كبيرة في ثلاثة مواقع.

ووفقا لمعلومات أدلى بها ضباط ومسؤولون عراقيون لصحيفة “العرب”، فإن القوات الأميركية بدأت فعليا في تحويل موقعي عين الأسد غرب الأنبار، والقيارة جنوب نينوى، إلى قاعدتين عسكريتين كبيرتين، فيما تبحث مع مسؤولي إقليم كردستان فكرة تحويل مطار أربيل إلى قاعدة عسكرية، أو إنشاء قاعدة بديلة في منطقة ربيعة الحدودية مع سوريا.

ويقول مسؤول عراقي لـ”العرب”، إن الولايات المتحدة تبحث عن قاعدة جوية كبيرة في المنطقة لتكون بديلة عن قاعدة إنجرليك في تركيا، مضيفا أن إغلاق القاعدة التركية خلال المحاولة الانقلابية في تركيا في 15 يوليو 2016، دفع الأميركيين إلى البحث عن بديل لها.

ومنذ بدء عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، صيف 2014، يتدفق المئات من العسكريين الأميركيين إلى العراق، للعمل بصفة مستشارين مع القوات العراقية.

وبلغ الوجود العسكري الأميركي في العراق ذروته قبيل انطلاق عمليات استعادة مدينة الموصل، فيما قالت مصادر إن عدد العسكريين الأميركيين في العراق يصل إلى 10 آلاف شخص، حاليا.

ويعتقد مراقبون أن الولايات المتحدة تحاول الآن تحقيق “عودة عسكرية هادئة” إلى العراق، بعد سحب جل قواتها منه في 2011، لموازنة الوجود العسكري الروسي الذي يتنامى في سوريا المجاورة، بهدف تحقيق تأثير أكثر فاعلية، في قضايا المنطقة المتشابكة.

ويقول مراقب عراقي لـ”العرب إن الاتفاقية التي عقدت بين الولايات المتحدة والعراق والتي وقعتها حكومة نوري المالكي قبل الانسحاب الأميركي عام 2011 تنص على إبقاء عدد من القواعد العسكرية الأميركية.

ويؤكد أن وجود القواعد العسكرية الأميركية في العراق ليس سرا، قائلا إن السر يكمن في عدد تلك القواعد والأمور الفنية التي تتعلق بحجم نشاطها.

وفي معسكر عين الأسد، الواقع في منطقة البغدادي التابعة لمحافظة الأنبار، في أقصى غرب العراق، الذي يحتوي مدرجا لهبوط الطائرات، عزلت القوات الأميركية الجزء الجنوبي الشرقي منه، عن باقي الأجزاء التي يمكن للعراقيين الوصول إليها.

ويقول ضابط في سلاح الجو العراقي لـ”العرب”، إن “وتيرة الحركة في الجزء المعزول من قاعدة عين الأسد، تتصاعد منذ 3 شهور، إذ ارتفعت بعض المباني الجديدة فيه، فيما يتزايد يوميا عدد الآليات العسكرية الأميركية، وأعداد العسكريين الأميركيين”.

ويضيف، أن “عدد طائرات الشحن الأميركية التي تهبط في القاعدة تضاعف مرات عدة، وبتنا نشهد حركة الطائرات الأميركية، هبوطا وإقلاعا، بشكل يومي، ما يؤكد أنهم ينشئون موقعا عسكريا خاصا”.

وتابع، أنه يعمل في هذا الموقع منذ نحو عام كامل، ولم يسبق له أن شاهد حركة عسكرية أميركية في القاعدة، كما يحدث في الشهور القليلة الماضية، مشيرا إلى أنه، ومعظم الضباط والجنود العراقيين العاملين في هذه القاعدة، منعوا قبل شهور من الوصول إلى الجزء الجنوبي الشرقي، إلا وفق تخويل عسكري خاص.

بنية القواعد الأميركية بما فيها مخازن أسلحتها لا تجعلها جزءا من الحرب على الإرهاب، فهي بنية ذات علاقة بالحروب التدميرية

وتشير مصادر مطلعة إلى أن الجيش الأميركي يعمل حاليا على حل مشكلة مدرج قاعدة عين الأسد، الذي يقل طوله عن 3500 متر، في حين تحتاج طائرات الشحن العملاقة إلى نحو 5 آلاف متر، لتنجح في الإقلاع.

ولا يبعد هذا الموقع إلا مسافة عشرات الكيلومترات عن منطقتين لا تزالان تحت سيطرة تنظيم داعش في الأنبار، وهما قضاءي عنه وراوة.

وأسهمت قاعدة عين الأسد في توفير دعم مباشر للقوات العراقية التي حررت مناطق هيت والجزيرة في أقصى الأنبار، كما انطلقت منها طائرات الأباتشي لمساعدة القوات العراقية، التي كانت تتصدى لهجوم نفذه تنظيم داعش، على منطقة البغدادي، صيف العام الماضي.

ويقول الضابط “لا شك أنهم يحولون الموقع إلى قاعدة عسكرية أميركية.. لقد شاهدنا هذا الأمر في بداية الاحتلال الأميركي للعراق، إذ قام الجيش الأميركي آنذاك بإنجاز هذه الأعمال لإنشاء قواعده العسكرية الكبيرة في منطقة بلد التابعة لصلاح الدين وغيرها”.

ولا تزال قاعدة بلد إحدى أكبر المنشآت العسكرية التي بناها الجيش الأميركي في العراق. ويتخذها الآن المستشارون الأميركيون موقعا لتدريب القوات العراقية.

وفي جنوب الموصل تشهد قاعدة القيارة الجوية عملا متواصلا من قبل فيلق المهندسين في الجيش الأميركي، لترميم مباني المطار وإصلاح المدرج.

ووفقا لمصادر عسكرية، فإن طبيعة العمل الأميركي الذي يجري في قاعدة القيارة، يؤكد أن الولايات المتحدة تريد قاعدة كبيرة في المنطقة، إذ يجري تعديل خارطة القاعدة الداخلية، لتكون قادرة على استيعاب جميع أنواع الطائرات، فيما أضيفت مساحات واسعة جدا إلى داخل سياجها الأمني.

ويقول مراقب عراقي إن العدو الذي أنشئت هذه القواعد من أجل مواجهته غير معلن، مرجحا أن وجودها ضروري من أجل الحفاظ على استقرار النظام السياسي الذي أنشأته سلطة الاحتلال الأميركي في العراق.

ويستدرك قائلا إن ذلك الهدف يعد صغيرا أمام الهدف الأهم الذي يكمن في استعداد الولايات المتحدة لأي مواجهة محتملة مع روسيا في الدول الآسيوية التي لا تزال تدور في فلكها. ويؤكد المراقب أنه من الضروري الانتباه إلى أن بنية القواعد الأميركية بما فيها مخازن أسلحتها لا تجعلها جزءا من الحرب على الإرهاب، فهي بنية ذات علاقة بالحروب التدميرية الشاملة.

ويستنتج أنه لذلك يجب استبعاد فرضية المشاركة في الحرب على داعش. فالتنظيم هو أقل وأضعف من أن تواجهه الولايات المتحدة بقواعد عسكرية، قُرر لها أن تكون دائمة. أما مطار أربيل الدولي، فلم يعد سرا أنه يتحول إلى موقع عسكري أميركي كبير.

ويمكن للمسافرين عبر المطار المذكور، أن يلحظوا حركة طيران عسكري أميركي في محيطه، طيلة ساعات النهار، فيما اقتطعت أجزاء من مباني المطار، وتم عزلها تماما.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن الجيش الأميركي يبحث مع المسؤولين في إقليم كردستان فكرة تحويل مطار أربيل إلى قاعدة عسكرية، مع ضمان استمرار الملاحة الجوية المدنية عبره، على غرار ما تقوم به بغداد حاليا في قاعدة الإمام علي الجوية في الناصرية، ولكن بشكل عكسي، إذ يجري تحويل جزء من القاعدة العسكرية إلى مطار مدني.

ومن المتوقع، أن تلقى الرغبة الأميركية استجابة مسؤولي الإقليم، لما يمثله ذلك من تعزيز تأثيرهم في المنطقة.

ولا يبدو أن العراق هو الخيار الوحيد أمام الولايات المتحدة لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة، إذ نقلت مصادر عسكرية أن الجانب الأميركي يبحث مع مسؤولي الأردن إنشاء قاعدة عسكرية كبيرة، وبدأ ممثلون فعليا البحث عن شركات قادرة على توفير الطعام لعشرين ألف عسكري، يوميا.

صحيفة العرب اللندنية