إيران تعدّل مواصفاتها لرئيس الوزراء العراقي على مقاس قضية العقوبات

إيران تعدّل مواصفاتها لرئيس الوزراء العراقي على مقاس قضية العقوبات

على العكس مما هو سائد، لا تبدو طهران معنية بتنصيب أحد صقور الموالاة لها رئيسا للحكومة العراقية القادمة بقدر اهتمامها باختيار شخصية مقبولة من الولايات المتحدة وقادرة على التواصل معها، ومفاوضتها على استثناء العراق من الالتزام بالعقوبات المفروضة على إيران ما سيشكّل متنفّسا من تلك العقوبات التي ستبلغ ذروتها مع بداية شهر نوفمبر القادم.

بغداد – تواصل طهران بذل جهودها لوضع بصمتها على عملية اختيار رئيس لوزراء العراق، لكن بحسابات جديدة ذات ارتباط بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران وينتظر أن تبلغ ذروتها في نوفمبر القادم، ما يضاعف الحاجة الإيرانية لحكومة عراقية داعمة لها في تخفيف وقع تلك العقوبات ومساعدتها على إيجاد متنفّس منها.

وأكّدت مصادر عراقية مطّلعة على حراك تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، أنّ إيران لا ترغب بتنصيب أحد صقور الموالاة لها على رأس الحكومة العراقية القادمة، بقدر ما ترغب في اختيار شخصية مقبولة لدى واشنطن على أمل أن تنجح في إقناعها باستثناء العراق من الالتزام بالعقوبات على إيران.

وتلفت نفس المصادر إلى أن انسحاب هادي العامري زعيم منظمة بدر المعروف بولائه الشديد لطهران، من سباق رئاسة الحكومة جاء على هذه الخلفية، وأنّ طهران تثق في قدرته على أن يظلّ رقيبا على الحكومة، ومؤثرا في قرارها من دون الحاجة لترؤسها نظرا لنفوذه الكبير الذي تدعّم بكتلته البرلمانية المكوّنة من سبعة وأربعين نائبا.

وتبيّن معلومات حصلت عليها “العرب” من شخصيات سياسية مطلعة في بغداد، أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، يسعى لحسم ملف تشكيل الحكومة العراقية سريعا حتى تتمكن من لعب دور في الأزمة الخانقة بين طهران وواشنطن.

ويريد سليماني أن تتشكل تلك الحكومة في موعد أقصاه مطلع شهر نوفمبر القادم استباقا لدخول حزمة العقوبات الأميركية الأشدّ على إيران. غير أنّ الأجواء السياسية لا تشي بقرب حسم هذا الملف.

وبعد الرابع من الشهر نفسه ستعيد الولايات المتحدة فرض العقوبات المتعلقة بمؤسسات الموانئ والأساطيل البحرية وإدارات بناء السفن بما يشمل “أسطول جمهورية” إيران و”خط أسطول جنوب إيران” والشركات التابعة لهما، فضلا عن إعادة العقوبات المتعلقة بالنفط، لا سيما التعاملات المالية مع “شركة النفط الوطنية الإيرانية” و”شركة النفط الدولية الإيرانية” و”شركة النقل النفطي الإيرانية”، وحظر شراء النفط وجميع المنتجات النفطية أو المنتجات البتروكيماوية من إيران.

وستعود الولايات المتحدة أيضا إلى فرض العقوبات المتعلقة بالمعاملات الاقتصادية للمؤسسات المالية الأجنبية مع البنك المركزي الإيراني وبعض المؤسسات المالية الإيرانية بموجب المادة 1245 من قانون تخويل الدفاع الوطني الأميركي للسنة المالية 2012.

ووفقا لأمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ستقوم وزارة الخارجية بإلغاء بعض القوانين التي صدرت حول رفع العقوبات عن إيران، وسيتعيّن على غير الإيرانيين تقييد أنشطتهم مع إيران في أمد أقصاه الرابع من نوفمبر القادم.

وحسب القرار الرئاسي، سوف تقوم الولايات المتحدة بتنفيذ عدد من القوانين التي تستهدف سلسلة من الأنشطة التخريبية لإيران تتجاوز البرنامج النووي، بما في ذلك دعم إيران للإرهاب وبرامج الصواريخ الباليستية وانتهاكات حقوق الإنسان وزعزعة الأمن في المنطقة.

ووفقا لخبراء، فإن بغداد يمكن أن تلعب دورا في تخفيف أثر هذه العقوبات على إيران في حال حصلت على استثناء أميركي.

ورفض رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي في وقت سابق أن يتقدم بطلب رسمي إلى الولايات المتحدة بناء على رغبة إيرانية، لاستثناء العراق من قائمة الدول الملزمة بتنفيذ العقوبات الأميركية على طهران، لكن وزير الخارجية إبراهيم الجعفري نقل إلى نظيره الأميركي طلبا بهذا المعنى من دون أن يُتبين ما إذا كان تحرّكه رسميا.

مطلوب حكومة عراقية مقبولة من واشنطن وقادرة على إقناعها باستثناء العراق من الالتزام بالعقوبات على إيران

وتقول المصادر إن موقف العبادي هذا كلفه خسارة الدعم الإيراني وأضعف موقفه في المنافسة على الفوز بمنصب رئيس الوزراء لولاية ثانية.

وحتى الآن لا يبدو أن هناك شخصية عراقية تحظى بزخم كبير لتولي منصب رئيس الوزراء خلفا للعبادي، بالرغم من طرح اسم السياسي الشيعي المخضرم عادل عبدالمهدي وأسماء أخرى.

وتقول مصادر”العرب” إن “طهران دعمت ترشيح عبدالمهدي، شرط أن يعدها بالعمل على ملف استثناء العراق من تنفيذ العقوبات الأميركية على إيران حال تسلّمه مهام عمله”.

وتؤكّد المصادر السياسية أنّ إيران لن تدعم مرشحا لمنصب رئيس الوزراء العراقي ينتمي إلى اليمين الشيعي المتشدد خشية ضياع الفرصة التي يمكن أن تلعبها الحكومة العراقية الجديدة في إبقاء نافذة بغداد مفتوحة على الاقتصاد الإيراني.

ووفقا لذلك يرجح مراقبون ترشيح شخصيات شيعية للمنصب تحتفظ بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. وتؤكد المصادر أن طهران تبدي مرونة بالغة خلال مفاوضات اختيار بديل للعبادي بما يشمل الإبقاء على شكل العلاقة الوثيقة بين بغداد وواشنطن.

وفضلا عن عبدالمهدي، تتداول الأوساط السياسية والإعلامية أسماء شخصيات من قبيل علي عبدالأمير علاوي، وهو وزير التجارة والدفاع في أول حكومة تشكلت بعد العام 2003، وعرفت بـ”مجلس الحكم”، كما شغل منصب وزير للمالية في الحكومة العراقية المؤقتة العام 2005، ومصطفى الكاظمي الباحث والكاتب الذي تسلم منصب مدير جهاز المخابرات العراقي بعد تولي العبادي رئاسة الوزراء.

وهؤلاء الثلاثة، معروفون بعلاقاتهم الواسعة بالولايات المتحدة.

ولا يمكن الحديث عن حسم ملف المرشحين لمنصب رئيس الوزراء الجديد، ما لم تنته القوى الكردية من خلافاتها الحادة بشأن مرشحها لرئاسة الجمهورية، حيث دفع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني بمدير مكتبه فؤاد حسين، لينافس مرشح الاتحاد الوطني برهم صالح، على المنصب.

وتشير الأجواء في بغداد إلى أن صالح يحظى بقبول واسع في الأوساط السياسية الشيعية والسنية فضلا عن دعم معظم القوى الكردية المناوئة للبارزاني.

ولم يتمكّن البرلمان العراقي، في جلسة الثلاثاء، من حسم ملف رئاسة الجمهورية. وحدد رئيس المجلس محمد الحلبوسي يوم الثاني من الشهر المقبل موعدا نهائيا لانتخاب رئيس للبلاد.

وبموجب الدستور العراقي، فإن موعد انتخاب رئيس الجمهورية يبدأ من أول جلسة للبرلمان ولمدة 30 يوما حيث عقد البرلمان العراقي أولى جلساته في الثالث من الشهر الجاري.

العرب