كردستان العراق في السياسة الخارجية التركية

كردستان العراق في السياسة الخارجية التركية

كردستان-وتركيا

اتسمت العلاقات بين تركيا وإقليم كردستان العراق بالتوتر وعدم الثقة بينهما، وتحديدًا في المدة الأولى(2002-2007) من حكم حزب العدالة والتنمية لتركيا، التي أعقبت احتلال الولايات المتحدة الامريكية للعراق في 9 نيسان/إبريل 2003؛ ولعل مرد ذلك يعود إلى سببين:-

 أولهما:  توقف دعم كردستان العراق لتركيا في مواجهة حزب العمال الكردستاني بعد ذلك الاحتلال، وقد رأت تركيا هذا الموقف تخليا من الاقليم عما كان سائدًا في أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما ساعد الرئيس مسعود برزاني تركيا في مواجهة الحزب، مقابل حماية أمريكية من الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين تم تزويدها عبر الأراضي التركية ومجالها الجوي.

وحتى أواخر عام2007، كانت تركيا تلقي اللوم على حكومة إقليم كردستان بسبب هجمات حزب العمال الكردستاني، مهددة بفرض عقوبات اقتصادية على المنطقة الكردية، وخلال تلك المرحلة المتوترة، كان عداء تركيا تجاه حكومة إقليم كردستان كبيرًا إلى درجة أنها لم تسمح  لممثلي الأكراد العراقيين دخول تركيا لإجراء محادثات.

  ثانيهما: سعي تركيا لتقويض مساعي الأكراد العراقيين في الحصول على حكم ذاتي موسع(ضم كركوك إليه)، وذلك بالدفاع عن مصالح التركمان في العراق، من خلال إقامتها علاقات وثيقة مع المجتمع التركماني فيه، للحد من النفوذ الكردي في كركوك المتنازع عليها، والتي تمثل في الخطاب التركي نموذجًا مصغرًا للعراق، والشرق الأوسط ككل، حيث يتعايش فيها العرب مع الأكراد والتركمان، والمسيحيون والسنة والشيعة معاً، لذلك رفضت تركيا التعجيل بإجراء استفتاء حول مستقبل المدينة، ورحبت بتأجيله- الذي لايزال مؤجلا- حتى ينضج الواقع المجتمعي للعراق.

ولعل هذه السياسة كانت بمجملها محل رفض من القيادة الكردية في كردستان العراق، واعتبرتها تدخلًا في الشؤون الداخلية للعراق. وقد اعرب عن ذلك صراحة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني في 11 نيسان/ إبريل عام 2007، حينما قال:” إذا سمحت تركيا لنفسها بالتدخل في كركوك لدعم بضعة من الآلاف التركمان، فإن أكراد العراق سيسمحون لأنفسهم بالتدخل لمساندة ثلاثين مليون مواطن كردي في ديار بكر والمدن الأخرى في تركيا”.

ومما لا شك فيه، ان المستفيد الأول من هذا التوتر في العلاقات بينهما هو الحكومة العراقية في بغداد؛ لنيلها الدعم التركي. وعلى الرغم من أنه لم يكن لها نفوذ قوي على حزب العمال الكردستاني، إلا أن تركيا بقيت عازمة على تعميق العلاقات مع العراق، حتى وإن كان ذلك انطلاقًا من إيمانها بأن وجود حكم اتحادي قوي سيكون بمثابة الداعم للتطلعات السياسية للأكراد.

ولأن علاقات تركيا مع دول الجماعة الدولية بشكل عام، وإقليم كردستان العراق خاصة،لا تسير على خط مستقيم، وتطورها بشكل إيجابي أو سلبي يعتمد على طبيعة علاقاتهما الثنائية، وعلى التفاعلات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، فقد شهدت- ولاتزال تشهد ـ العلاقات بين تركيا وإقليم كردستان العراق تقدما ملحوظا غير مسبوق على مختلف المستويات، وبشكل ملفت، ولا سيما في المدة الثانية- وإلى يومنا هذا- لحكم حزب العدالة والتنمية لتركيا، والتي وصلت إلى مستوى الشراكة بينهما.

وأمام هذا التحول في العلاقات بين تركيا وحكومة إقليم كردستان العراق تبرز عدة أسئلة، أولًا: ما أهمية كردستان العراق في السياسة الخارجية التركية؟ ثانيًا: ما العوامل الرئيسة التي قادت إلى هذا التحول في علاقاتهما الثنائية؟ ثالثًا: ما مخرجات ذلك التحول على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي؟

أولًا- أهمية إقليم كردستان العراق

  من المهم فهم أهمية كردستان العراق في السياسة الخارجية التركية، وما تمثله من مخاطر تحاول تركيا تجنبها، وفرص يمكن لها أن تستغلها، وهي على النحو الآتي:-

1-كون إقليم كردستان العراق امتداد للمنطقة الكردية في جنوب شرقي تركيا، حيث يرتبط معها بخط حدودي طوله 700 كيلو متر، ويتميز الاقليم بطبيعة جبلية وعرة، مما يسهل تسلل مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى كردستان العراق، لإقامة معسكرات تدريب ومقرات تصلح منطلقات لعمليات عسكرية ضد الجيش التركي، ما تشكل تهديدًا أمنيًا لتركيا.

2- شكلت تجربة الحكم الذاتي في كردستان العراق تحولًا مهمًا بالنسبة للقضية الكردية، من جهة إمكانية تكرار ذلك النموذج في المناطق الكردية الأخرى في تركيا وإيران وسوريا؛ ما أدى إلى إعادة صياغة المشكلة الكردية داخل تركيا ذاتها.

3- يعد إقليم كردستان مدخل تركيا إلى العراق، ويسهم بدور مهم في رسم خريطة العراق لما بعد مرحلة صدام حسين، من ناحية اتجاه الإقليم إلى مزيد من الاستقلال عن الحكم المركزي في بغداد، والدفع نحو عراق اتحادي، وهو ما قد يشكل تهديدًا مستقبليًا لتركيا، ويجب التعامل معه بحذر والتحسب لاحتمالاته الواقعية.

4- طبيعة تحالفات الإقليم مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول أخرى ليست من نسيج البيئة الإقليمية، الأمر الذي من شأنه أن يثير الاضطراب في المنطقة الحدودية مع إيران وسوريا وتركيا بخصوص العديد من القضايا المهمة، مثل المشروع النووي الإيراني.

ثانيًا- عوامل التقارب:

تضافرت منذ نهاية عام 2007، والأعوام التي تلته وبشكل مستمر، عدة عوامل دولية وتركية وكردية وإقليمية وعراقية تدفع الى التقارب بين تركيا والاقليم.

فعلى المستوى الدولي أخذت إدارة الرئيس الأمريكي الاسبق جورج دبليو بوش تراجع جملة سياساتها في العراق، اثر تناقص نفوذ المحافظين الجدد وحلفائهم في واشنطن، وبدا الأمريكيون اكثر ميلاً للتعاون بجدية لمحاصرة قواعد حزب العمال الكردستاني شمالي العراق، ووافقوا على تأجيل الاستفتاء على مستقبل كركوك إلى أجل غير مسمى.

وخلال المدة المتبقية من إدارته، عززت تركيا علاقاتها مع العراق ولا سيما مع إقليم كردستان العراق، وسعت للإفادة منه؛ نظرًا لتعاظم تأثيره في صوغ المشهد السياسي فيه، والعمل أيضًا على إقناع حزب العمال الكردستاني بحل المسألة الكردية في تركيا بشكل سلمي. أما على المستوى الكردي، فقد أقلق تزايد التأثير الإيراني في الداخل العراقي حكومة إقليم كردستان، ولموازنة هذا التأثير اتجه الإقليم نحو الانفتاح على تركيا، فقدمت حكومة الإقليم تسهيلات عديدة لها، بمنحها مشاريع البناء الكبرى للشركات التركية مثل: مطارات أربيل والسليمانية.

ويكمن السبب الآخر لهذا الانفتاح، بكون تركيا منفذ الإقليم على الغرب وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل العلاقات التاريخية المتينة التي تربط بينهما منذ انضمامها لحلف شمال الأطلسي عام 1952. أما فيما يتعلق بالعامل الإقليمي الذي اسهم في ذلك التقارب، فهو مرتبط بالانتفاضة السورية ومحاولات بشار الأسد قمعها.

وبالتالي فقد كانت تركيا في طليعة المعارضة الإقليمية لذلك النظام، وفي المقابل، بدت إيران في طليعة الدول الداعمة له، وخضوع العراق لتأثيرها، شكّل قناعة لدى تركيا مفادها أن هناك محورا “شيعيا” بقيادة إيران آخذ في التبلور على حدودها الجنوبية، ويمتد من العراق إلى سوريا؛ لذلك عملت على التقارب والشراكة مع حكومة إقليم كردستان العراق؛ لتحقيق هدفين مركبين(سياسي وأمني) في آن واحد، وهما:

أولًا: مواجهة هذا المحور وتضييق الخناق عليه.

 ثانيًا: احتواء التهديدات الأمنية المقبلة من أكراد سورية في ظل تداعيات الانتفاضة السورية، في مرحلة ما بعد الرئيس بشار الأسد.

وعراقياً كانت السياسة الداخلية لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي قد جنحت نحو الاستبداد ذي الطابع الطائفي، والمبالغة في محاربة خصومه السياسيين من السنّة، والتي وصلت إلى مستوى إصدار مذكرة إلقاء قبض على طارق الهاشمي نائب رئيس جمهورية العراق السابق بتهمة الإرهاب. كل ذلك اسهم في التقريب بين تركيا وإقليم حكومة كردستان العراق.

ثالثًا- المخرجات الدبلوماسية للتقارب:

  وتتمثل أهم هذه المخرجات بأمرين، أولهما: متوالية الزيارات المتبادلة والرفيعة على المستوى الدبلوماسي، فمنها على سبيل المثال مشاركة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في 29 آذار/مارس عام 2011، في افتتاح مطار أربيل الدولي في الاقليم، وبالمثل، قام رئيس الإقليم مسعود البارزاني في 1تشرين الأول/ أكتوبر،2012، بحضور المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

كما أصبح مألوفًا أيضًا أن يقوم وزير الخارجية التركي السابق أحمد داود أوغلو بزيارة عاصمة الإقليم أربيل، ويقارن بين الاخيرة والمدن التركية ويضعها في مصير واحد.

 ثانيهما: فتح قنصلية تركية في أربيل، في ذات الزيارة لرئيس الوزراء التركي المشار إليها آنفًا.

وعليه، فقد أدت العوامل والمخرجات الدبلوماسية المشار إليهما آنفًا، إلى سقوط بعض الخطوط الحمر في السياسة الخارجية التركية تجاه إقليم حكومة كردستان العراق، والتي كانت تقوم على الامتناع عن الحوار معه، ورفض أي اتصال به، أو الاعتراف بحكمه الذاتي شمالي العراق.

وعلى الرغم من الصمت الذي اكتنف موقف تركيا حيال دخول قوات البيشمركة لمدينة كركوك في حزيران/يونيو عام2014، والذي قرأته بعض التحليلات السياسية بأنه قبول ضمني من قبلها، وما يعنيه ذلك، من سقوط خط آخر من الخطوط الحمر في سياساتها. بيد ان قراءة أخرى، تفسر ذلك الصمت وفق سياسة” الانتظار والترقب” لما سيؤول عليه العراق في مرحلة ما بعد الحراك المسلح فيه، وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة حيدر العبادي، ثم تقرر تركيا موقفها النهائي من ذلك الدخول.

رابعًا- المخرجات الاقتصادية للتقارب:

يدلل التقارب الدبلوماسي بين تركيا وحكومة إقليم كردستان العراق، على صحة الفرضية الآتية: كلما تقدمت العلاقات الدبلوماسية بين دولتين، تعززت العلاقات الاقتصادية بينهما؛ اذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في نهاية عام 2013م، ما يقارب 11 مليار دولار أمريكي، ثم ان 70% من مجمل التجارة الخارجية بين تركيا والعراق هي مع إقليم كردستان العراق، كما أن التجارة مع الإقليم تزيد على حجم التجارة مع سورية ولبنان والأردن معًا.

 لقد اسهم النمو الاقتصادي المتزايد في إقليم كردستان ، وارتفاع المستوى المعيشي لمواطنيه، ووجود خطة حكومية لإعادة بناء النية التحتية للاقتصاد، في دخول الشركات التركية-بحكم الجغرافيا- بقوة في الاقليم؛ إذ إنّها حازت على النصيب الأوفر من الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المهمة بين الشركات الأجنبية العاملة هناك. حيث زاد عددها في مجال المشاريع الخدمية والعقارية على أكثر من ألف شركة تعمل فيه، وبهذا أصبحت تركيا الشريك التجاري الأول لحكومة إقليم كردستان العراق.

واسهم التبادل التجاري بينهما، إلى تسهيل الانتقال لمرحلة استراتيجية ذات أهمية كبيرة في التعاون الاقتصادي بينهما، وهو التعاون في مجال الطاقة، بمعنى إقامة خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز من الإقليم إلى تركيا، ثم تصديره للأسواق الدولية. ولكن هذا التعاون لم يخل من التحديات وحتى المجازفة في تأزيم العلاقة بين تركيا والحكومة العراقية الاتحادية في عهد رئيس وزرائها السابق نوري المالكي، التي كانت تعترض على السياسة النفطية في الإقليم على أساس عدم قانونية العقود النفطية المبرمة بين حكومة الإقليم والشركات النفطية العاملة؛ لأن وزارة النفط هي وزارة اتحادية ممثلة لعموم العراق، وليس لأجزاء منه، وإلى غياب التوافق على مسودة قانون النفط والغاز لعام 2007، وتهديد الحكومة الاتحادية بحرمان الشركات العاملة في الإقليم، من الدخول في التنافس على جولات التراخيص للعمل في تطوير حقول النفط العراقية التي بدأت جولتها الأولى في عام 2009، والتي أظهرت بصورة واضحة السياسة النفطية للحكومة الاتحادية التي تمنع الشركة في الإنتاج مع الإبقاء على عقود الخدمة، مقابل السماح بعقود الشراكة في الإنتاج في الإقليم كردستان بحجة المخاطر الجيولوجية للحقول النفطية وبسبب تكلفة الإنتاج العالية.

إن تعاون تركيا مع حكومة كردستان العراق في مجال الطاقة، جعل منها لاعبًا رئيسًا في السياسة العراقية، وأضحى لديها الكثير من المكاسب نتيجة الانخراط فيها، خاصة في مجال الغاز الطبيعي، كما لا يمكن اغفال مصالحها طويلة الأمد في بقية مناطق العراق أيضًا،ذ يشكل الاخير الجسر البري الأقصر، الذي يربط تركيا بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، خصوصًا بعد غلق المنافذ السورية. رغم ان مدخل العراق بالنسبة إلى تركيا يبقى إقليم كردستان.

على ان سعي الكرد يدور حول استخدام النفط والغاز لتأمين مستقبلهم الاقتصادي والإبقاء على مستويات النمو الحالية، وإعادة بناء البنية التحتية، والحصول على استقلالية نسبية عن الحكومة الاتحادية في بغداد، باتخاذ القرارات المرتبطة بموضوع الطاقة، وبخاصة بعد الفشل في حلّ الملفات العالقة معها. وبالتالي عززت هذه المصالح المشتركة فرص التعاون بين أنقرة وأربيل في مجالات الطاقة، لاعتبارات كثيرة، لكن أهمها تعلق بالجغرافيا الطبيعية.

ومن هنا كان لتركيا خياران في تطوير علاقتها في مجال الطاقة مع إقليم كردستان:

  • الخيار المرحلي من خلال قيام الشركات التركية بالاستثمار في القطاع النفطي بالإقليم، محققة استثمارات رابحة هناك، مع الأخذ بالحسبان الخيارات البديلة إذا ما تبدلت الأوضاع السياسية في المنطقة، وبخاصة إذا انفتحت آفاق التعاون مع بغداد.
  • خيار استراتيجي من خلال موافقة أنقرة على معاهدة “استراتيجية” في مجال الطاقة مع حكومة إقليم كردستان، تتلقى تركيا بموجبها كميات كبيرة من صادرات النفط والغاز من الإقليم. وهذا الاحتمال، سوف يحتاج لبناء خطوط أنابيب جديدة بين تركيا والاقليم، ووضع ترتيبات تسويقية ومالية جديدة. لكن يبقى ذلك مرهونًا بطبيعة العلاقات السياسية بين الأطراف الثلاثة (حكومة بغداد- تركيا- حكومة الاقليم).

ويبدو أن تركيا قد تبنت في هذه المرحلة الخيار الاستراتيجي مع الموافقة على إنشاء خط أنابيب ثنائي بين تركيا وإقليم كردستان للغاز الطبيعي والنفط الخام؛ فقد اتفق رئيس الوزراء التركي حينئذ/ رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان مع رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني في 25 آذار/مارس 2013، على إنشاء خطوط الأنابيب وتقاسم الإيرادات، واستيراد كميات كبيرة من النفط والغاز من حكومة الاقليم

إن إقليم كردستان العراق مزوّد مهم للنفط والغاز اللذين سيجري نقلهما عبر تركيا إلى الأسواق العالمية أو حتى بيعهما في السوق التركية, وهو مصدر مهم في حالة حدوث اضطرابات في أي مكان آخر, وسوف يقلل من مخاطر انقطاع الصادرات النفطية العراقية, مع مواصلة تركيا تطوير خط أنابيب عبر الأناضول؛ لإمداد أوروبا بها.

  إنّ صادرات إقليم كردستان التي ستبلغ نحو 1.5 مليار قدم مكعب يومياً من الغاز، ستكون مهمة جداً لتلبية الزيادة السنوية في الطلب عليه في تركيا, وتستطيع أن تحل محل الغاز الإيراني, فضلا عن أنّ الأتراك سيحصلون على سعر تفضيلي لأنّ الطريق الوحيدة لتصدير غاز إقليم كردستان ستكون عبر تركيا.

حدود الاداة الاقتصادية:

هناك العديد من العوامل التي تمثل عنصر قوة في العلاقة الاقتصادية بين تركيا وحكومة إقليم كردستان العراق، مما يعني استمرار الروابط الاقتصادية، بغض النظر عن مدى التقدم في القضايا الأخرى الأمنية والسياسية:

1-تمثل الجغرافيا احد العوامل المؤثرة بشدة في توجهات كردستان العراق التي تجعلها تحافظ على العلاقة وتنميتها، من جهة كون تركيا أحد منفذين لها على العالم الخارجي هي وإيران، وبالإضافة إلى طول الحدود والقرب المكاني.

2-احتياج الاقليم لتركيا، خصوصا على مستوى خبراتها الفنية والإدارية والتجارية، بالإضافة إلى منتجاتها ذات الجودة المرتفعة، والتي يجعل القرب الجغرافي أسعارها تنافسية بالمقارنة مع المنتجات الأجنبية الأخرى، مثل المنتجات الإيرانية.

3-تحتاج تركيا إلى التوسع الاقتصادي من جهة الاستثمارات والأسواق، حيث يشكل القطاع الخاص 94% من الاقتصاد التركي، وهذا ما يعني ضرورة فتح أسواق للشركات والمنتجات التركية في الخارج.

وعلى الرغم من عوامل القوة هذه، فإن هناك العديد من التهديدات المحتملة التي قد تحد من توسع العلاقة الاقتصادية بين تركيا وكردستان، ومنها:

1-احتمال تراجع تركيا عن سياستها الخارجية الجديدة، نتيجة تغير الحزب الحاكم، سواء بإخفاقه في الانتخابات، أو بتعرضه للحل، أو بانقلاب عسكري، وهو ما قد يؤدي إلى تحول السياسة التركية تجاه القضية الكردية والجوار التركي.

2-زيادة الاستثمارات الأجنبية من الدول الأخرى، مما يقلص حصة الاستثمارات التركية، إلا أن هذا صعب نتيجة للوفرة الطبيعية التي تتمتع بها الشركات التركية، نتيجة للقرب الجغرافي،  والمعرفة بالبيئة الإقليمية.

3-تزايد الإنتاج المحلي لكثير من السلع المستوردة من الخارج عمومًا ومن تركيا خصوصًا، يقلل من أهمية هذه السلع، مثل السلع الغذائية والمشروبات، مما يقلص من الاستيراد من تركيا.

4-مدى قدرة الاقتصاد التركي على النمو والتوسع والوقوف أمام الأزمات المالية، حيث ترتبط العديد من الشركات التركية العاملة في كردستان بالحكومة، التي تقدم لها المخصصات المالية التي تتأثر حتمًا بحجم الموازنة العامة والانفاق العام.

5-مدى قدرة الدولة التركية على الاستمرار في تقديم الدعم المالي والفني والسياسي للشركات التي ترغب في الاستثمار في كردستان العراق.

الخلاصة:

في ضوء ما تقدم، يمكن القول ان السياسة الخارجية التركية تجاه إقليم كردستان العراق وصلت إلى مرحلة تعاون غير مسبوق، واسهم العديد من العوامل في تطور العلاقة بينهما، ومنها:

 أولا: تخبط سياسة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي من النواحي الأمنية والاقتصادية والخدمية، واتباع الانتهازية السياسية مع الشركاء، والطائفية في السياسة الخارجية العراقية.

ثانا: وجود حزب العدالة والتنمية في سدة الحكم في تركيا، وتصميم قادته على حلّ المشكلات الداخلية، خاصة القضية الكردية، ووجود رؤية مستقبلية لتنمية الاقتصاد التركي وتطويره لعشرة أعوام مقبلة، ولا يجري ذلك من دون ضمان أمن الطاقة لديها، وإنّ المصدر المضمون للطاقة هو إقليم كردستان مع استمرار الشك التركي بقدرة الحكومة العراقية على مواجهة التحديات الهائلة التي تواجه العراق.

وبالنظر لما تشكله المسألة الكردية برمتها من تشابكات وتناقضات إقليمية، وطموحات قومية على المستوى الكردي، يقفز إلى الذهن السؤال الآتي: هل ستتأثر العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين تركيا وحكومة إقليم كردستان سلبيًّا؛  لتحفظ الأولى على التدخل بشكل فردي، لحماية أكراد سوريا في منطقة عين العرب “كوباني”، من هجوم تنظيم “الدولة الإسلامية” عليها، أم أن الثانية ترى في الواقعية السياسية النهج الأنسب في التعامل مع تركيا؟

د. معمر فيصل خولي