كيف تحولت سوريا إلى مركز لإستراتيجية روسيا في الشرق الأوسط؟ يجيب نيكولاي باخموف المحلل السياسي والمستشار المقيم في نيويورك، بمقال نشرته مجلة “ناشونال إنترست”، قائلا إن المحللين للعملية العسكرية الروسية في سوريا عادة ما يركزون على الهدف الرئيسي للحملة وهو إما إنقاذ الأسد أو محاربة تنظيم “الدولة”.
ورغم حيوية النقاش وأهميته السياسية إلا أنه غير مكتمل ولا يعطي صورة كاملة أو سياقا للعملية الروسية في سوريا. ومن هنا يرى الكاتب حاجة إلى مدخل تحليلي آخر. وربما قضى المحللون سنوات وهم يدرسون السياسة الخارجية وخطابات صناع السياسة لبلد بدون فهم الطريقة التي يرد فيها على ظروف في لحظة معينة. وبهذه المثابة فالتدخل العسكري الروسي في سوريا يمثل لحظة مهمة للباحثين الذين يريدون فهم الطريقة التي دفعت موسكو للتدخل. وسواء كانت تحاول إنقاذ الأسد كما تعتقد الحكومات الغربية أو أنها دخلت لقتال تنظيم “الدولة” فهو أمر محل للنقاش. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن سوريا تظل حليفا رئيسيا لروسيا في الشرق الأوسط. وطلب بشار الأسد المساعدة من موسكو ولبت طلبه ووقفت مع حليف لها كان يواجه ظرفا صعبا.
ويعتقد الكاتب أن المعلقين الأمريكيين، خاصة الجمهوريين، عادة ما يربطون الحملة العسكرية الروسية بعودة الكرملين إلى الشرق الأوسط، وهذا كلام أبعد من الحقيقة.
وبناء على هذه التصريحات، فقد كانت موسكو غائبة عن المشهد في الشرق الأوسط منذ قرار الرئيس المصري أنور السادات طرد الخبراء الروس من مصر وحول نظره إلى الولايات المتحدة. وعلينا النظر إلى علاقة روسيا الحالية في الشرق الأوسط. فروسيا لا تعود إليه، لأن سوريا كانت حليفا للاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة. وكان من المنطقي طلب الأسد مساعدتها. وفي إطار آخر علق بعض المراقبين أن وجود القوات الروسية في سوريا يمثل تحديا للوجود العسكري الأمريكي بالمنطقة. وبهذه المثابة فوقوف روسيا مع حليف لها أمر مهم. فقد تخلت إدارة باراك أوباما عن حليفها القديم في مصر، حسني مبارك. ولكن روسيا قررت مساعدة حليفها الأسد رغم ما تمر به من مصاعب، وهذا يعطي قادة المنطقة شيئا للتفكير به حول مصداقية الحليف الأمريكي.
وهناك بعد آخر في العلاقة هو أن الوجود العسكري الروسي يعد امتحانا للعلاقة مع الشرق الأوسط الذي تعيش سياساته وضعا متحركا وتتعقد في كل مرحلة. وفي هذا السياق من الصعب التظاهر بوجود حليف دائم أو صديق يمكن الاعتماد عليه طوال الوقت. وحتى تستطيع قوة خارجية بناء تحالف فيجب أن تستند إلى سعة علاقاتها في المنطقة. فروسيا التي تعرضت لانتقاد بسبب حملتها العسكرية في سوريا لديها المقدرة للحديث مع الجميع بالمنطقة بمن فيهم النقاد. ففي الشهر الماضي أقامت روسيا قنوات اتصالات مع مصر والأردن وتركيا والكويت والسعودية وإسرائيل. ويعتبر موقف روسيا في سوريا قريبا من الموقف الإيراني. وعبر المسؤولون العراقيون عن رغبة بالتعاون مع روسيا في محاربة تنظيم “الدولة”.
ويمكن للواحد القول إن بعض هذه العلاقات معقدة إلا أن استمرارها يعني تقوية الموقف الروسي بالمنطقة. وبمقارنة الخيار المتوفر لروسيا مع الخيار الأمريكي، فمن الصعب على واشنطن التعامل مع قضايا المنطقة بدون الحديث مع إيران، حيث يعتبر الحديث معها غير مقبول في السياسة المحلية الأمريكية. ومن أهم النتائج المترتبة على التدخل في سوريا هي أن الكرملين لم يتردد في اتخاذ قرار جريء رغم ما تحمله العملية من مخاطر نابعة من الموقف الدولي والتدقيق وتدفق المعلومات. ولم يتم بعد الحكم على نتائج الحملة وفيما إن استطاعت روسيا تحقيق ما تريد إلا أن قرار التدخل يعبر عن جرأة إستراتيجية. وأجبرت موسكو بقية اللاعبين في المنطقة على الرد. بل واعتبر معلقون أمريكيون أن قرار أوباما إرسال قوات خاصة إلى سوريا جاء ردا على التدخل الروسي.
وتنبع الجرأة الروسية من استعدادها العسكري واستخدام القوة في حرب خارجية. وجاء هذا بعد شكوك من قدرة القوات الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وفيما إن كانت روسيا لا تزال قوية بدرجة تجعلها بمصاف الدول العظمى. فلم تستخدم موسكو قوتها العسكرية في السياسة الخارجية بل وأثارت أسئلة من المتشككين عما تريد تحقيقه في سوريا. ويعلق أن روسيا أثبتت قدرة على إطلاق صواريخ كروز من أسطولها في بحر قزوين إلى سوريا البعيدة آلاف الأميال. ورغم أن بعض الصواريخ لم تصل إلى أهدافها إلا أن التكنولوجيا في كل بلد ليست تامة كما يقول الكاتب.
ويشير الكاتب إلى أن القوات الروسية تعمل في مناطق غير عادية كما في الحملة الروسية ضد جورجيا عام 2008. وهي الحملة التي قاتلها الجيش الروسي ضد عدو مستعد قريبا من حدود روسيا. وبخلاف هذا فالحرب السورية تعتبر نوعا مختلفا تقوم فيه روسيا بغارات جوية تنطلق من قاعدة أجنبية وصواريخ كروز تطلق من بعد وعمليات رقابة إلكترونية وطائرات بدون طيار، كل هذا بعدد قليل من القوات على الأرض. ويرى الكاتب أن روسيا كان عليها القيام بعمل مهم قبل إطلاق العملية في سوريا، هو التعلم من دروس الماضي وأخطائها والدول الأخرى والقيام بمقارنة بين سوريا وأفغانستان. والمقارنات ليست كلها صحيحة، فالسياسة والطبيعة الجغرافية تختلف عن أفغانستان قبل 40 عاما. ومشكلة الحرب في أفغانستان أنها أصبحت حربا بالوكالة مع الولايات المتحدة والباكستان ودول الخليج التي وفرت الدعم المالي للجماعات الأفغانية. ففي سوريا اليوم تحاول أمريكا فهم طبيعة المعارضة، من هي المعتدلة أو المتشددة. ومع أن سوريا ليست أفغانستان قبل 40 عاما إلا أن موسكو لديها الوقت الكافي للتعلم من تجربة الاتحاد السوفييتي هناك وحرب أمريكا في فيتنام من الحرب الجوية إلى البرية.
القدس العربي