من سوريا إلى الصومال.. تعرف على خريطة انتشار الجيش التركي خارج بلاده

من سوريا إلى الصومال.. تعرف على خريطة انتشار الجيش التركي خارج بلاده

بعد أن كان الجيش التركي حتى وقت قريب ينحصر انتشاره داخل الأراضي التركية باستثناء بعض المهام الأممية والتواجد القديم في قبرص، بات اليوم ينتشر بشكل متسارع في عدة دول بالمنطقة، في مؤشر صريح لانتهاء واندثار سياسة “صفر مشاكل” وتربع “القوة الصلبة” مكانها والتي باتت استراتيجية معتمدة لدى الرئيس رجب طيب أردوغان.
وفي السنوات الأخيرة بات الجيش التركي يخوض معارك مباشرة في سوريا والعراق ضد التنظيمات التي تصنفها أنقرة على أنها “إرهابية”، وتوسّع ليمتلك قواعد عسكرية في الصومال ولاحقاً في قطر، وبينما تعرقلت جهود نشر قوات مباشرة في السودان عقب الإطاحة بنظام البشير، يتوقع أن يصل الجيش التركي قريباً إلى ليبيا.
وبالتزامن مع انتشاره العسكري المتزايد في البحر الأبيض المتوسط، بدأ الجيش التركي باستخدام إحدى القواعد الجوية العسكرية في قبرص التركية لصالح عملياته الجوية المكثفة في شرق المتوسط بالتزامن مع الاتفاق البحري والعسكري مع ليبيا، والمتوقع أن يؤدي إلى زيادة الغليان العسكري بين الأطراف المتنازعة على الحدود البحرية وموارد النفط والغاز في المنطقة.

إرسال قوات إلى ليبيا
الشهر الماضي، وبدون مؤشرات سابقة، أعلنت تركيا توقيع مذكرة تفاهم مع حكومة الوفاق الليبية من أجل تحديد مناطق النفوذ البحري بين البلدين، وذلك بالتزامن مع التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون الأمني والعسكري بين البلدين، كشف عن تفاصيلها، السبت.
وقبل أيام، أكد أردوغان أن بلاده على أتم الاستعداد من أجل الاستجابة إلى أي طلب يرد من حكومة الوفاق الليبية من أجل إرسال قوات تركية إلى ليبيا، وذلك بعد أشهر من الحديث المتزايد عن انخراط تركيا في الصراع المتصاعد في ليبيا وتقديم الجيش التركي دعما عسكريا ولوجستيا وأسلحة نوعية وطائرات بدون طيار إلى قوات حكومة الوفاق.
وفي ساعة متأخرة من مساء السبت، تلقت رئاسة البرلمان التركي، مقترح قانون للمصادقة على مذكرة التفاهم المتعلقة بالتعاون العسكري والأمني مع ليبيا، حيث تشمل المذكرة التعاون في مجالات الأمن، والتدريب العسكري، والصناعات الدفاعية، ومكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية، واللوجستيات والخرائط، والتخطيط العسكري، ونقل الخبرات، وتأسيس مكتب تعاون دفاعي وأمني متبادل حال الطلب به.
وبعد التصويت المتوقع أن يتم خلال الساعات المقبلة من قبل البرلمان التركي، سوف تصبح المذكرة سارية المفعول، وبالتالي يمكن لتركيا تقديم دعم عسكري لحكومة الوفاق عبر بند يسمح بإطلاق “قوة رد فعل سريع” إذا طلبت طرابلس ذلك، وهو الأمر الذي يمكن أن يحصل خلال الأيام المقبلة، لا سيما مع اشتداد هجوم حفتر على العاصمة الليبية بدعم إقليمي ورغبة أنقرة الجامحة بعدم السماح بسقوط حكومة السراج، وبالتالي يتوقع أن تكون ليبيا أحدث دولة يصلها الجيش التركي بشكل مباشر.

مطار عسكري في قبرص
ومع تصاعد حدة التوتر في شرق المتوسط بشكل غير مسبوق، أعلنت “جمهورية شمال قبرص التركية” أنها وافقت على تخصيص مطار “غجيت قلعة” من أجل أنشطة الطائرات المسيرة من قبل تركيا، وأوضحت أن القرار يأتي بناء على طلب من “قيادة قوات السلام التركية في قبرص، في ضوء المستجدات الأخيرة شرق المتوسط، وذلك لحماية الحقوق والمصالح المشروعة لتركيا وقبرص التركية في المنطقة”.
ومنذ “عملية السلام” التي نفذها الجيش التركي في قبرص عام 1974 ينتشر عشرات آلاف الجنود الأتراك في الجزيرة، ولكن مع تصاعد التوتر في المتوسط، زادت تركيا من انتشارها العسكري في المتوسط لا سيما عمليات المراقبة التي تقوم بها الطائرات التركية الحديثة بدون طيار، والتي باتت أقوى أذرع تركيا العسكرية من حيث تقنيات المراقبة العالية التي تتمتع بها.

انتشار واسع بالمتوسط
الطائرات الاستطلاعية تعتبر جزءا مهما لمراقبة أي تحركات لقبرص اليونانية أو اليونان أو مصر أو إسرائيل في شرق المتوسط، وتقوم بتزويد القوات التركية بأي معلومات عن تحركات بحثية أو عمليات تنقيب أو عسكرية في مناطق تعتبرها أنقرة تابعة لها أو لقبرص التركية أو حتى المناطق المتنازع عليها.
وفي البحر المتوسط، ومن أجل حماية عدة سفن بحث وتنقيب أرسلت تركيا الطائرات المسيرة إلى مناطق متنازع عليها شرق المتوسط، وتجوب المنطقة أعداد كبيرة من السفن الحربية التركية مختلفة الأحجام والقدرات العسكرية، إلى جانب تحليق مكثف للطائرات الحربية والمروحية في المناطق التي تشهد احتكاكات عسكرية بشكل مستمر.
والأحد، كشفت مصادر إسرائيلية عن أن سفينة حربية تركية اعترضت سفينة أبحاث إسرائيلية في شرق المتوسط وأجبرتها على مغادرة المنطقة، في ظل استمرار التحرشات بين قوات البحرية التركية واليونانية، وخشية من احتكاكات أخطر ربما تشهدها المنطقة بين البحرية التركية والمصرية، عقب الاتفاق التركي مع ليبيا.

توسع الانتشار شمال العراق
قبل عدة سنوات أقام الجيش التركي قاعدة عسكرية في شمالي العراق ضمن تفاهمات مع الحكومة العراقية وإقليم كردستان، وذلك بهدف تدريب قوات البيشمركة وقوات سنية عراقية لمواجهة تنظيم “الدولة” الذي كان يوسع انتشاره في العراق آنذاك.
وضمن هذا الهدف المعلن، أقام الجيش التركي قاعدة عسكرية في منطقة بعشيقة التابعة للموصل في محافظة نينوى العراقية، وأرسل إليها ما لا يقل عن ألف جندي وعشرات الدبابات والآليات العسكرية. ورغم خلافات شديدة مع الحكومة العراقية إلا أن أنقرة أصرت على البقاء في القاعدة.
وبعشيقة تعبر عن التواجد العسكري الرسمي في العراق، لكن التواجد الأوسع منذ سنوات طويلة موجود في مناطق متفرقة من شمالي العراق في إطار الحرب المتواصلة على تنظيم “بي كا كا” الذي يتخذ من جبال شمالي العراق قواعد خلفية له، وتوسع في الأشهر الأخيرة في إطلاق عمليات “المخلب” ضد التنظيم وإنشاء مواقع ونقاط عسكرية جديدة، لتضاف إلى أكثر من 10 نقاط سابقة في المنطقة.

التواجد الأكبر في سوريا
عقب سنوات من محاولات تركيا التعامل مع الأزمة السورية عن بعد، ومن خلال دعم مسلحي المعارضة السورية، وجد الجيش التركي نفسه مضطراً عام 2016 للدخول في عملية عسكرية برية ضد مسلحي تنظيم “الدولة” على الحدود السورية مع تركيا، في عملية استهدفت بشكل غير مباشر أيضاً وحدات حماية الشعب الكردية.
وتدريجياً وسّع الجيش التركي انتشاره في شمالي سوريا حيث ما زال يتواجد في مناطق جرابلس ودابق والباب، قبل أن يبدأ عملية انتشار واسعة في محافظة إدلب ضمن ما سمي باتفاق مناطق “عدم الاشتباك”، ولاحقاً أطلق الجيش التركي عملية “غصن الزيتون” ضد الوحدات الكردية سيطر خلالها على مدينة عفرين ومحيطها.
وقبل أسابيع، أطلق الجيش التركي عملية “نبع السلام” ضد الوحدات الكردية وسيطر خلالها على مناطق واسعة تقع ما بين رأس العين وتل أبيض بطول 145 كيلومترا وعمق 30 كيلومترا، وهي مناطق يؤكد أردوغان أن جيشه لن ينسحب منها إلا بعد انسحاب كافة القوات الأجنبية من سوريا والتوصل لحل نهائي للأزمة في سوريا.

انتشار توافقي في قطر
مع التقارب الكبير الذي حصل في العلاقات التركية القطرية في السنوات الأخيرة، جرى التوقيع على العديد من الاتفاقيات بين البلدين، أبرزها الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون العسكري والدفاعي، والتي قيل آنذاك إنها تشمل إقامة قاعدة عسكرية تركية سوف تكون بمثابة مركز لتدريب وتطوير قدرات القوات القطرية.
وبالفعل جرى إنشاء هذه القاعدة وإرسال عدد محدود من الجنود الأتراك والعربات العسكرية إليها، لكن التطور الأبرز حصل بالتزامن مع الأزمة الخليجية مع قطر، حيث أرسل الجيش التركي عدداً أكبر من القوات الخاصة وأعدادا من الدبابات والعربات المصفحة إلى القاعدة، لا سيما مع الخشية من حصول تحرك عسكري خليجي ضد الدوحة، قبل أن يرسل الجيش التركي مزيداً من الجنود والدبابات إلى القاعدة التي تحمل أهمية استراتيجية كونها تطل على الخليج العربي.
والسبت، شهدت العاصمة القطرية الدوحة، افتتاح مقر قيادة القوات المشتركة التركية القطرية بحضور وزيري الدفاع التركي خلوصي أكار والقطري خالد بن محمد العطية، ورئيس هيئة الأركان العامة التركية يشار غولر، ونظيره القطري غانم بن شاهين الغانم.

الصومال
بنت تركيا تحالفاً قوياً مع الصومال خلال السنوات الماضية، وبات الزائر للعاصمة مقديشو يرى في كل معالم العاصمة شيئاً يُظهر البصمة التركية، وذلك بعد أن قدمت أنقرة دعماً إنسانياً وبنت مستشفيات وشيدت شوارع في العاصمة، وبنت مطار العاصمة الرئيسي وغيرها الكثير من المنشآت الحكومية والخدماتية.
هذا التعاون تطور تدريجياً وصولاً للإعلان رسمياً عن إنشاء قاعدة عسكرية للجيش التركي في الصومال بداية العام الجاري، حيث جرى افتتاح القاعدة بحضور رئيس أركان الجيش التركي وذلك تحت ستار تولي تدريب وتأهيل قوات الأمن والجيش الصومالي الذي يواجه جماعات إرهابية في البلاد.
وتتمتع القاعدة العسكرية في الصومال بأهمية كبيرة كونها تطل على خليج عدن وتعتبر الصومال بمثابة بوابة القرن الإفريقي، وهي محاولة من قبل أنقرة لوضع قدم في القارة السمراء الذي تصاعدت التدخلات الدولية فيها في السنوات الأخيرة، حيث خططت لسيناريو مشابه في السودان، لكن تنحية الرئيس عمر البشير جمد خطوات إنشاء ميناء عسكري بحري وإمكانية إقامة قاعدة برية للجيش التركي في المرحلة الحالية.

القدس العربي