مثلت منظمة التحرير، على مدى العقود الخمسة الماضية، الإطار التمثيلي للفلسطينيين في كل أماكن وجودهم، على الرغم من الصدامات المسلحة التي شهدتها العلاقات الفلسطينية ـ الفلسطينية في بعض المراحل. ولكن، على مدى تاريخها الحديث، لم تكن للمنظمة المكانة نفسها عند الفلسطينيين في كل المراحل، خصوصاً مع تحول خطابها السياسي على مدار أربعة عقود، أزاحها من مكانها التمثيلي العام واستبدلها بإطار السلطة المنبثقة عن اتفاقات أوسلو، بحيث أصبحت اليوم شيئا مختلفا عما كانت عليه في سنواتها الأولى.
انطلقت منظمة التحرير في إطار البحث عن كيان تمثيلي للفلسطينيين الذين خسروا وطنهم بفعل إقامة إسرائيل على أرضهم. وعندما قامت في العام 1964، كانت إسرائيل قد احتلت جزءا من فلسطين، فقامت المنظمة من أجل تحرير هذا الجزء المحتل. لكن، بعد إنشائها بثلاث سنوات جاءت هزيمة 1967، ولم تحتل إسرائيل ما تبقى من الأرض الفلسطينية فحسب، بل احتلت أكثر من أربعة أضعاف مساحة فلسطين من الدول المجاورة أيضا. بدأت المتغيرات التي كرستها الهزيمة الجديدة تفرض نفسها على واقع المنطقة في زمن قياسي، بحيث بدأ البحث، بعد الحرب مباشرة، عن حلول لمشكلة الأراضي التي تم احتلالها في تلك الحرب، وهو ما بدأ يفرض نفسه على منظمة التحرير، بعد سيطرة الفصائل المسلحة عليها بزعامة حركة فتح. أخذت المنظمة تعدل مطالبها السياسية، بحكم الضغوط متعددة الأطراف التي تعرضت لها، للتكيف مع شروط الاعتراف بها، ومع شروط الواقع السياسي الذي فرضته الهزيمة، فكان أن بدأ تعديل الخطاب السياسي في العام 1974، للحديث عن إقامة السلطة الوطنية على أراضي العام 1967 مرحلة انتقالية للتحرير الكامل. لكن هذا الخطاب الذي بدأ تكتيكيا، لم يلبث أن فرض تكيفا جديدا على الفلسطينيين، بفعل عوامل داخلية فلسطينية، بانتقال مركز الحركة الوطنية الفلسطينية إلى الداخل الفلسطيني، بعد الخروج من بيروت، وبحكم المستجدات الإقليمية، وبحكم الضغوط الدولية للاعتراف بالقرار 242 أساساً لحل القضية الفلسطينية بشكل نهائي. وهو ما كان مرفوضا من المنظمة، باعتبار أن هذا القرار يتعامل مع القضية الفلسطينية، بوصفها قضية لاجئين، لا باعتبار القضية الفلسطينية مشكلة شعب له حقوق مسلوبة، وله الحق في تقرير مصيره على أرضه أسوة بالشعوب الأخرى.
كلما حلت نكسة بالمنظمة، كانت الضغوط تزيد من أجل هذا الاعتراف الذي يفرض حلا نهائيا على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، استجابت المنظمة لهذه الضغوط، وإن ببطء. وكانت الذروة الأولى لهذا الاعتراف، في العام 1988، بعد أيام من إعلان الاستقلال الفلسطيني، في زمن اشتعال الانتفاضة الأولى، والتي سرعان ما انتكست بفعل الاحتلال العراقي للكويت، ما دفع القضية الفلسطينية إلى الخلف، في ظل احتدام الوضع في الخليج العربي.
كلما حلت نكسة بالمنظمة، كانت الضغوط تزيد من أجل هذا الاعتراف الذي يفرض حلا نهائيا على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، استجابت المنظمة لهذه الضغوط، وإن ببطء. وكانت الذروة الأولى لهذا الاعتراف، في العام 1988، بعد أيام من إعلان الاستقلال الفلسطيني، في زمن اشتعال الانتفاضة الأولى، والتي سرعان ما انتكست بفعل الاحتلال العراقي للكويت، ما دفع القضية الفلسطينية إلى الخلف، في ظل احتدام الوضع في الخليج العربي.
بعد حرب الكويت، وفي ظل الترتيبات الأميركية الجديدة في المنطقة، تم طرح مؤتمر مدريد للسلام العام 1991، ولم تكن منظمة التحرير التي تحولت إلى جزء من النظام العربي الرسمي، ترغب في البقاء بعيدة عن مفاوضات البحث عن حل للصراع العربي ـ الإسرائيلي. فكان عليها أن تخضع لشروط قاسية، بوصفها أحد الأطراف الخاسرة في حرب الكويت.
كان الدخول الفلسطيني إلى مؤتمر مدريد مواربة عبر الوفد الفلسطيني ـ الأردني المشترك، والذي كان المدخل الفلسطيني للاندراج في الترتيبات الجديدة في المنطقة. فتحت المنظمة باباً تفاوضياً خلفياً مع الإسرائيليين في أوسلو، في وقت كان الوفد الفلسطيني الرسمي يفاوض في واشنطن. وقد توصلت هذه القناة إلى الاتفاق الانتقالي (أوسلو)، والذي كرس القطيعة مع التاريخ السابق للمنظمة، وظهر واضحا أن الاتفاقات بين إسرائيل وكل الجهات العربية ستكرس حدود العام 1967 أساساً للحل النهائي، وهو ما فكك التمثيل الفلسطيني فعليا، ببناء السلطة الوطنية الفلسطينية والتعامل معها بوصفها البديل الفعلي لمنظمة التحرير، التي لم تعد تمثيل اللاجئين الذي كانوا أساس انطلاقتها.
ظهر المأزق الفلسطيني الداخلي، بظهور تحدٍّ فلسطيني من خارج أطر المنظمة، فكانت حركة حماس القطب السياسي الذي نجح في فرض نفسه على الوضع الفلسطيني، ومع مشاركتها بالانتخابات 2006 وإطاحة فتح، أصبحت ندا قويا. ومع الصدام المسلح 2007، طردت حماس حركة فتح من قطاع غزة، وتحولت إلى سلطة أخرى في غزة. مع هذا التحول، لم يعد الحديث عن خلافات فلسطينية ـ فلسطينية، فقد أصبح هناك انقسام فلسطيني لم تتمكن الساحة الفلسطينية والوساطات الإقليمية من معالجته. وكان تقدم حماس وتراجع حركة فتح مؤشراً على تراجع منظمة التحرير وفقدانها مكانتها لدى اللاجئين الذين همشوا تماما في الاتفاقات الانتقالية، وتم اعتبارهم من قضايا الحل النهائي.
في ظل هذه المتغيرات، وفي ظل الوهن والترهل الذي أصاب حركة فتح والفصائل الأخرى الممثلة في منظمة التحرير، فقد تحولت إلى إطار واهٍ هرم استخدامي، يستدعى عند الحاجة، ولم تجد كل الدعوات الفلسطينية إلى إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير، بصياغة جديدة للمشروع الوطني الفلسطيني آذانا صاغية في أوساط القوى المشكلة للمنظمة، ما جعل منظمة التحرير إطارا مهلهلا من دون مشروع وطني حقيقي يدافع عن الفلسطينيين، ليس مؤشره الأداء الباهت للمنظمة في حماية الفلسطينيين في سورية فحسب، بل وفي مواجهة تغول الاستيطان في الضفة الغربية أيضاً.
كان الدخول الفلسطيني إلى مؤتمر مدريد مواربة عبر الوفد الفلسطيني ـ الأردني المشترك، والذي كان المدخل الفلسطيني للاندراج في الترتيبات الجديدة في المنطقة. فتحت المنظمة باباً تفاوضياً خلفياً مع الإسرائيليين في أوسلو، في وقت كان الوفد الفلسطيني الرسمي يفاوض في واشنطن. وقد توصلت هذه القناة إلى الاتفاق الانتقالي (أوسلو)، والذي كرس القطيعة مع التاريخ السابق للمنظمة، وظهر واضحا أن الاتفاقات بين إسرائيل وكل الجهات العربية ستكرس حدود العام 1967 أساساً للحل النهائي، وهو ما فكك التمثيل الفلسطيني فعليا، ببناء السلطة الوطنية الفلسطينية والتعامل معها بوصفها البديل الفعلي لمنظمة التحرير، التي لم تعد تمثيل اللاجئين الذي كانوا أساس انطلاقتها.
ظهر المأزق الفلسطيني الداخلي، بظهور تحدٍّ فلسطيني من خارج أطر المنظمة، فكانت حركة حماس القطب السياسي الذي نجح في فرض نفسه على الوضع الفلسطيني، ومع مشاركتها بالانتخابات 2006 وإطاحة فتح، أصبحت ندا قويا. ومع الصدام المسلح 2007، طردت حماس حركة فتح من قطاع غزة، وتحولت إلى سلطة أخرى في غزة. مع هذا التحول، لم يعد الحديث عن خلافات فلسطينية ـ فلسطينية، فقد أصبح هناك انقسام فلسطيني لم تتمكن الساحة الفلسطينية والوساطات الإقليمية من معالجته. وكان تقدم حماس وتراجع حركة فتح مؤشراً على تراجع منظمة التحرير وفقدانها مكانتها لدى اللاجئين الذين همشوا تماما في الاتفاقات الانتقالية، وتم اعتبارهم من قضايا الحل النهائي.
في ظل هذه المتغيرات، وفي ظل الوهن والترهل الذي أصاب حركة فتح والفصائل الأخرى الممثلة في منظمة التحرير، فقد تحولت إلى إطار واهٍ هرم استخدامي، يستدعى عند الحاجة، ولم تجد كل الدعوات الفلسطينية إلى إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير، بصياغة جديدة للمشروع الوطني الفلسطيني آذانا صاغية في أوساط القوى المشكلة للمنظمة، ما جعل منظمة التحرير إطارا مهلهلا من دون مشروع وطني حقيقي يدافع عن الفلسطينيين، ليس مؤشره الأداء الباهت للمنظمة في حماية الفلسطينيين في سورية فحسب، بل وفي مواجهة تغول الاستيطان في الضفة الغربية أيضاً.
سمير الزبن
صحيفة العربي الجديد