د.معمر فيصل خولي
تابعت اللقاءات التي أجرتها قناة العربية مع رغد صدام حسين كونها ابنة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين الذي شهد عهده أحداث سياسية كانت بالغة الأثر على حاضر ومستقبل العراق، لعلي أجد إجابة على أسئلة كانت – ولا تزال- تشغل بالي منذ سنوات، منها على سبيل لماذا أقدم العراق على احتلال الكويت في عام 1990م؟، ولماذا هرب زوجها حسين كامل من العراق في عام 1995؟ لكني لم أجد الجواب الوافي على هذين السؤالين في تلك اللقاءات.
ليستوقفني في الحلقة الثانية جواب رغد صدام حسين على سؤال مقدم البرنامج عندما سألها عن احتلال الكويت فأجابته بالقول:” أخطئوا في حقنا وأخطأنا في حقهم”. والسؤال الذي يقفز إلى الآذهان هل احتلال دولة الكويت كان مجرد خطأ؟!
دعونا نتفق مهما كان “الخطأ” الذي ارتكبته حكومة دولة الكويت بحق العراق، فهذا الأمر ليس مبررًا تحت أي ظرف لاحتلالها، فبإمكان العراق -في حينه- أن يلجأ إلى الطرق الدبلوماسية سواء كانت ثنائية أو عربية أو دولية لحل خلافه مع دولة الكويت، وليس احتلالها، وحذفها من الخارطة السياسية، وتحويلها إلى محافظة التاسعة عشر!
إحتلال الكويت لم يكن خطأ – كما قالت رغد صدام حسين- وإنما كارثة سياسية انعكست تأثيراتها السلبية على الكويت والعراق والوطن العربي، فقد أنهى هذا الاحتلال على ما تبقى من طموح العمل العربي المشترك، ودخلت العلاقات العربية البينية في مأزق كبير، انعكست بشكل مباشر على الشعوب العربية التي انخرط حكامها في تداعياتها، ففي الوقت الذي كان فيه العالم يودع الحرب الباردة على المستوى الدولي، أدى احتلال العراق للكويت إلى إحياؤها عرييًا!
كويتيًا، ترك احتلال العراق لها تأثيرات سلبية عميقة سياسيًا ونفسيًا واجتماعيًا ليس من السهولة بمكان تجاوزها لا سيما لأبناء الكويت الذين عاشواا تلك المدة المظلمة في تاريخ بلادهم المعاصر.
فقد أصبح يوم الاحتلال 2 آب/ اغسطس 1990م، في الذاكرة الكويتية يوم أسود في تاريخ الشعب الكويتي، ولك أن تتابع الإعلام الكويتي عند تغطيته تلك الصدمة المروعة من كل عام، لتكتشف حجم المأساة الإنسانية التي وقعت في حق ذلك الشعب العربي. فذلك التاريخ، شكّل جرحًا غائرًا في الذاكرة الكويتية قد يحتاج إلى أجيال لمحو آثاره النفسية، لا سيما إذا تحول ذلك الجرح إلى رواية تتناقلها الأجيال الكويتية.
ولقد شكّل تاريخ تحرير دولة الكويت في 26شباط/ فبراير1991م، علامة فارقة في تاريخها المعاصر، إذ تزامن مع الذكرى السنوية الثلاثون لاستقلالها في 25 شباط/ فبراير عام 1991م، وسيبقى هذا التزامن خالدًا في وجدان الشعب الكويتي مع كل ذكرى سنوية لهما، لتمتزج مشاعر الألم والفرح.
عراقيًا، عانى العراق من جراء احتلال الكويت، فقد فرضت عليه من قبل الأمم المتحدة عقوبات اقتصادية قاسية جدا، ومن ثم استخدمت القوة العسكرية ضده حيث أجبرته على الانسحاب منها في 26 شباط/ فبراير عام 1991م. وبذلك تحقق الهدف الأول والمتمثل في تحرير دولة الكويت.
لكن تفرع عن الهدف الأساسي ” تحرير الكويت”، هدف آخر لا يقل أهمية بالنسبة لواشنطن عن تحرير دولة الكويت، فقد كان إضعافه أمرًا حيويًا وفرصة ذهبية قد لا تتكرر، لتمرير كل المشاريع الأمريكية فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، ومع مرور الأيام اتسع نطاق ذلك الهدف والفرصة إلى احتلاله، من أجل القضاء على أي مصدر تهديد مستقبلي لأمن إسرائيل، والتخلص نهائيًا من عراق قوي في محيطه العربي والإقليمي، واغراقه في قضاياه الداخلية التي لا تنتهي، وهذا ما حدث!
فعلى الرغم من تحرير دولة الكويت، لم يرفع الحصار عن العراق بل زادت معاناته، عندما أبقت الولايات المتحدة الأمريكية المهيمنة على القرار الدولي – آنذاك- العقوبات مفروضة عليه، بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، لتحطيمه على كافة الصعد” السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والصحية” وهذا ما حدث، ولانتهاك سيادته الداخلية فعلى سبيل المثال، فرض على العراق مناطق حظر في شماله وجنوبه. كما فرض عليه أيضًا عزلة دولية وقطيعة شبه عربية، سهلت فيما بعد، مهمة الولايات المتحدة الأمريكيه في احتلاله في التاسع نيسان/ إبريل 2003م، لتكون الخاتمة أن يصبح العراق مجال حيوي لإيران، ومنقسم طائفيًا وقوميًا، وهجرة العديد من أبنائه في المنافي، ناهيك عن النزوح الداخلي، لتصبح جغرافية العراق منذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا، مستباحة لكل ” من هب ودب”، ليأخذ ترتيبه في مصاف الدول الفاشلة!.
بعد كل ذلك، هل يمكن لنا القول أن احتلال دولة الكويت واسقاط حكومتها الشرعية وتخويف وتهجير وقتل أهلها، ناهيك عن ملف المفقودين من أبناء الكويت، وكان لها عظيم الأثر السلبي على العراق والأمة العربية، مجرد خطأ؟! إذا كانت احتلال دولة الكويت خطأ فما هي إذن الكارثة؟!
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية