شهدت معدلات النمو لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تراجعاً حادا في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2008، وعقب اندلاع ثورات الربيع العربي زادت حالة التراجع الاقتصادي، ولا سيما في ظل نجاح موجة الثورات المضادة، والتحول نحو حالات من الاقتتال في بعض البلدان، مما ساهم في استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
وتُعد هذه المنطقة ثاني مناطق العالم الأكثر شباباً، حيث تقل أعمار 60% من سكانها عن 30 عاما، وخلال السنوات الخمس القادمة سينضم أكثر من 52 مليون شخص إلى سوق العمل، منهم أكثر من 27 مليوناً على الأقل سيبحثون عن فرص عمل، مما يخلق المزيد من الضغوط على اقتصاديات المنطقة المجبرة على توليد فرص تشغيل تستوعب الأجيال الجديدة، في ظل وهن اقتصادي وتوقعات غير متفائلة لنمو تلك الاقتصاديات في الأعوام القليلة القادمة.
وتسيطر النظرة التشاؤمية على توقعات معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العامين القادمين، ويُعزى ذلك التشاؤم إلى استمرار هبوط أسعار النفط والانكماش الأكبر من المتوقع في إيران.غير أن هذا التوقع الإجمالي يحجب التفاوت الكبير بين البلدان.
وتشير بيانات البنك الدولي إلي أنه بداية من عام 2012 شهدت دول المنطقة تراجعا حادا في معدلات النمو، فبعد أن بلغ معدل النمو نحو 6% عام 2006 تراجع إلى 3.95% عام 2012، ليستمر في التراجع بعد ذلك ليبلغ حده الأدنى 1.6% عام 2017، ليتعافى جزئيا إلى 2.4% في عام 2018، وتتأرجح التوقعات للعامين المقبلين في حدود ما بين 1% إلى 1.5% على الأكثر.
كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يظل النمو واهناً في البلدان المصدرة للنفط مقارنةً بعام 2018، فبالرغم من التحسن الطفيف الذي يُتوقع أن يحققه النمو في دول الخليج من 2% في 2018 إلى 2.1% في 2019، فإن الهبوط الحاد في النشاط الاقتصادي الإيراني (بنسبة 6%) تأثراً بإعادة فرض العقوبات الأميركية يقود إلى معدل نمو لا يتجاوز 0.4% في عام 2019 بالنسبة للبلدان المصدرة للنفط في المنطقة.
ومن ناحية أخرى يجب عدم إغفال أن التوسع في الأنشطة غير النفطية في دول الخليج، وخاصة في مجال الإنشاءات، عوض جزئياً الأثر السلبي للانكماش الاقتصادي في إيران (تعويض مؤقت وغير مستدام) على متوسط معدلات النمو في المنطقة ككل. كما يُتوقع كذلك أن يتباطأ النمو في البلدان المستوردة للنفط من 4.2% في 2018 إلى 3.6% هذا العام، انعكاسا لتباطؤ الاقتصاد العالمي وعوامل أخرى محلية.
ولم يكن الأداء الاقتصادي للدول العربية بشكل عام أفضل حالا من جملة أداء بلدان المنطقة، فقد عكس انحسار استخدام الإنفاق الحكومي العربي لدفع عجلة النمو الاقتصادي، نتيجة لارتفاع عجز الموازنات العامة والمديونيات الخارجية، وكذلك الظروف الداخلية لبعض الدول، والتي أجلت إمكانية العودة إلى الأفق الاقتصادي للدول العربية ما قبل عام 2011. ويمكن القول بتشابه الظروف الاقتصادية والسياسية بين مجموعة الدول العربية ومجموع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى حد كبير في الأثر السلبي على النمو الاقتصادي.
بالطبع ستنعكس تلك التوقعات المتشائمة على قدرة اقتصاديات المنطقة على خلق فرص العمل واستيعاب الأجيال الجديدة، لا سيما في ظل أرقام البطالة الضخمة التي تعانيها تاريخيا دول المنطقة، حيث سجّلت بطالة الشباب في المنطقة المعدّلات الأعلى في العالم على مدى أكثر من 25 عاماً، ونتج هذا الازدياد المضطرد من سلسلة من الأزمات التي عصفت بالمنطقة.
وفاقم من حدّة العوامل السابقة تراجع معدلات النمو الاقتصادي وتقييد الحرّيات السياسية وتضاؤل فرص الاغتراب، وجميعها عوامل هيكلية تصعب مواجهتها بدون برامج تنموية وخطط استراتيجية، افتقدتها دول المنطقة حتى الآن، وهو ما تسبب في استمرار معدّلات بطالة الشباب العالية في المنطقة حتى الآن.
ويمكن القول إن تشغيل الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعد قائماً على التمييز بين الجنسَين، فبينما حقّقت الفتيات في المنطقة مكاسب ملفتة في التحصيل الدراسي على مدى العقود الخمسة الماضية، لم تُترجَم هذه النجاحات إلى زيادات شبيهة في سوق العمل رغم كل ما روج عن تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً، حيث استمر معدل البطالة بين الإناث في حدود 17% في المتوسط خلال الفترة بين عامي 2001 إلى 2018.
هذا المعدل المرتفع بين الفتيات يمكن اعتباره المكون الرئيس لمعدل البطالة الكلي، لا سيما عند مقارنته بمعدل البطالة بين الذكور الذي بلغ 7% في المتوسط خلال نفس الفترة، وبناء على ذلك فمعدّلات بطالة الشابات في المنطقة تفوق معدّلات بطالة الشبّان بنسبة 80%، مقارنة بفجوة بين الجنسَين متوسّطها 20% عالميا.
ويشرح صندوق النقد الدولي الأرقام السابقة بأن احتمال دخول الشابات سوق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أقلّ بكثير من نظيراتهنّ في مناطق أخرى من العالم، وعندما يرغبن في العمل يجدن صعوبةً أكبر في العثور على وظيفة مناسبة. وتؤثّر عملية الانتقال المتأخّر للشباب إلى مرحلة العمل في مسارات أخرى في الحياة، بما فيها الزواج وامتلاك منزل والمشاركة المدنية. وأطلق علماء الاجتماع على هذا التأخر اسم مرحلة “الانتظار” وهي تسمية تعكس تضييع قدرات الشباب وإمكانياتهم، وهو الأمر الذي يولد العديد من المشكلات الاجتماعية المترتبة على ذلك.
وأدت ندرة فرص العمل في القطاع الرسمي لدول المنطقة إلى زيادة الوظائف في القطاع غير الرسمي الذي يُقدّم بشكل عام منافع وحماية أقلّ، حيث ارتفعت معدّلات تشغيل الشباب في القطاع غير الرسمي لتصل إلى 80% في فلسطين ومصر وتونس.
وعظّم من أزمة البطالة كذلك أنّ متوسّط نصيب شباب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنخرطين في المراحل الأولى من نشاط ريادي يبلغ 9.3%، وهو أدنى من المتوسّط العالمي، لا سيما في ظل استمرار صعوبة الحصول على التمويل لمشروعات الشباب. كما أن الأنظمة التعليمية الضعيفة في دول المنطقة لم تتواكب مع سوق العمل، وكذلك شكل النقص في أنظمة المعلومات المتعلّقة بسوق العمل وفي الموارد المخصصة للإرشاد الوظيفي للباحثين عن عمل عائقا أمام الحصول على الحصول على الوظائف.
وبذلك يمكن التأكيد على أن تقلبات أسعار النفط هي المتغير الأكثر أهمية وتأثيرا على آفاق مستقبل الاقتصاد في المنطقة، لا سيما أن موجة الانخفاض المستمر لأسعار النفط والتي بدأت منذ عام 2014 قد تستمر، وسط أجواء عدم اليقين المحيطة بالمنطقة، خاصة التوترات التجارية العالمية، والعقوبات المفروضة على إيران، واستراتيجية الإنتاج التي قررتها مجموعة “أوبك +”.
وكذلك لوجود العديد من المخاطر الأخرى التي تواجه المنطقة، ومنها مخاطر الجغرافيا-السياسية، وبواعث القلق الأمنية، وعدم اليقين المحيط بالأوضاع المالية العالمية.
العربي الجديد