الاضطرابات في العراق تُثير تساؤلات حول التصعيد الإيراني المحتمل ضد المملكة العربية السعودية

الاضطرابات في العراق تُثير تساؤلات حول التصعيد الإيراني المحتمل ضد المملكة العربية السعودية

في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر2001، وبعد التدخل العسكري الأمريكي – الأطلسي، تصاعد التدخل الأمريكي بشكل مباشر في شؤون الشرق الأوسط، حيث قدمت الولايات المتحدة أكثر من سبعة آلاف قتيل، وأنفقت ما يقرب من 5.5 ترليون دولار. ومع ذلك، هناك وجهة نظر إقليمية تزعم أن الغزو الأمريكي للعراق، هو من تسبب في زعزعة الاستقرار في العراق، وفتح الباب أمام إيران للسيطرة عليه، وهو ما ساهم بدوره في زيادة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. وبعد ما يقرب من عقدين من الغزو الأمريكي للعراق، لا تزال مشكلة عدم الاستقرار تطارد الولايات المتحدة والعراقيين أنفسهم. كما يشير تصاعد الهجمات التي شنتها كتائب حزب الله والرد الأمريكي اللاحق – والذي توج بقتل قائد «قوة القدس» التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني قاسم سليماني- إلى أن الولايات المتحدة قد تكون على استعداد للعودة إلى مسرح الشرق الأوسط، لكن الخطوات المحتملة التي قد تتخذها إيران ردا على ذلك غير واضحة.

إن الرغبة الواضحة للوكلاء المدعومين من قبل إيران لاستهداف المناطق ذات الوجود الأمريكي في العراق يجب أن يُنظر إليها كإشارة تحذيرية تشير إلى احتمال شن هجمات مستقبلية ضد المملكة العربية السعودية التي تجاور العراق. وفي حين أن العداء بين الدولتين ليس بالأمر الجديد، إلا أن اهتمام إيران وسعيها لإعادة تشكيل المنطقة قد ساهم في جذب انتباه العديد من الدول العربية إلى الخطر الإيراني، وخاصة السعودية، بشكل أساسي. وقد دفع تزايد النفوذ الإيراني وتدخلها في المنطقة لعدة سنوات السعودية إلى لعب دور حامية السنة في العالم العربي، حيث أخذت على عاتقها مواجهة إيران، ووظفت في سبيل ذلك العديد من الوسائل السياسية والاقتصادية والأمنية، منها اتخاذ بعض الإجراءات الاقتصادية للنأي بالعراق عن إيران.

تجلت سياسة المواجهة التي تبناها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في السنوات القليلة الماضية، في دخول بلدين عربيين في نزاع مباشر والإعلان عن تشكيل التحالف العربي لدعم الحكومة الشرعية في اليمن في آذار / مارس 2015، وقيام المملكة العربية السعودية بإعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر في عام 2016، وهو ما أفرز ردة فعل إيرانية نجم عنها هجوم محتجين إيرانيين على مقر السفارة السعودية في طهران، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

ومن جانبها، تنظر إيران إلى التحدي السعودي لنفوذها في المنطقة باعتباره عقائديًا بطبيعته أكثر منه سياسيا، على اعتبار أن السعودية تكتسب شرعية سياسية – روحية في العالم الإسلامي لوجود مكة المكرمة والمدينة المنورة فيها، وهو ما عبر عنه الخميني صراحة في أكثر من مناسبة، ولهذا تسعى إيران اليوم إلى تدويل موضوع الحج، من أجل سحب هذا الملف من يد السعودية، ومن ثم تحويل مركز شرعية العالم الإسلامي إلى مدينة قُم – المركز العلمي الديني للشيعة- وطهران.

نتيجة الضغوط الاقتصادية والمالية الكبيرة التي مارستها الولايات المتحدة على إيران عبر سلسلة من العقوبات المستمرة، والتي جاءت بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من خطة العمل المشتركة الشاملة، تقلصت خيارات إيران في مواصلة سعيها لتوسيع نفوذها في المنطقة بشكل كبير، خاصة في ضوء الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في العراق ولبنان. ومع ذلك، فإن حالة الإحباط الناجمة عن تلك العقوبات والرغبة الإيرانية في الانتقام بعد الهجوم الأمريكي الذي أدى إلى مقتل على سليماني، قد تولد عداوة متزايدة في الداخل الإيراني ضد السعودية الذي يُعتقد أنها تُسهل الضغط الأمريكي. وبالفعل، أظهرت إيران رغبتها في استهدفت المملكة العربية السعودية من خلال سلسلة من الهجمات الصاروخية – الجوية على منشآت نفطية سعودية تابعة لشركة أرامكو في خريص وبقيق. وفي حين أنه لم يتم التأكيد بان تلك الهجمات قد شنت مباشرة من قبل إيران، ولم يعلن الحوثيون في اليمن مسئولياتهم عنها، إلا أن الاعتقاد السائد هو أن تلك الهجمات كانت مدبرة بشكل مباشر من قبل إيران نفسها.

ومن المرجح أن تكون إيران خلف تلك الهجمات نظرا لأن القيادة الإيرانية لديها قناعة أن السعودية قد تكون أقصر الطرق لجر المنطقة نحو حرب، تتمكن إيران من خلالها من فتح باب جديد لاستئناف المفاوضات حول الضغوط المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة، كشرط لإنهاء حالة الحرب. وفى هذا الصدد اختبرت إيران الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا من خلال تنفيذ عمليات احتجاز وتفجير العديد من الناقلات النفطية في مضيق هرمز. كما إن اندلاع حرب بين إيران والمملكة العربية السعودية سيكون بمثابة مكسب سياسي لإيران تتمكن من خلاله إعادة توجيه الضغوط المتصاعدة في الداخل.

إن “اللا حرب واللا سلم” التي أعلن عنها المرشد الإيراني علي خامنئي في وقت سابق، والتي وصفها القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري بأنها “مقاومة فاعلة”، قد استنزفت القدرات الوطنية الإيرانية كثيراً، وقللت من خياراتها مما قد يدفع البلاد إلى حرب شاملة بعد قرار الولايات المتحدة بالتصعيد في العراق. لذلك، فان المناورات العسكرية التي أجرتها إيران في مياه الخليج العربي، والتي ترافقت مع استعراض عسكري أخر بمناسبة بدء الحرب العراقية الإيرانية، هي بمثابة رسائل مباشرة مفادها أن إيران مستعدة للدخول في منازعات مستقبلية .

من الواضح بشكل متزايد أن العراق قد يكون أن يكون الموقع الرئيسي لتلك المعركة، ففي حين يمثل كل من لبنان وسوريا اللذين لاعبان أساسيان في “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، قد يصبح العراق الذي يقع – بين مطرقة إيران وسندان السعودية – ساحة للمعركة، حيث يعتبر العراق الركيزة الأساسية لهذا المحور، وذلك بسبب حجمه وقربه من إيران وثروته النفطية والقوة التي تمتلكها الميليشيات الموالية لإيران مقارنة بالجيش العراقي.

لسنوات مضت، كان يُنظر للعراق على أنه معقل للدعم الإيراني، حيث استطاعت إيران السيطرة على القدرات الاقتصادية للعراق، وتشكيل مليشيات مواليه لها هناك وجذب عدد من السياسيين العراقيين المؤيدين لها في السلطة. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية حاولا تقليص النفوذ الإيراني في العراق من خلال توظيف بعض الوسائل الاقتصادية، إلا أن الشعب العراقي هو نفسه الذي قرر الخروج للشارع للاحتجاج بقوة على التدخل الإيراني. وفى حين تشكل الاحتجاجات المستمرة في العراق والتي نجحت في الإطاحة بالحكومة، تهديدًا كبيرًا للنفوذ الإيراني هناك، إلا أنها أيضًا قد توفر نافذة لإيران تقوم من خلاله باستغلال التعديل الوزاري بغرض تشديد قبضتها على القطاعات السياسية والأمنية في العراق.

تثير شبكة المصالح المتنافسة التي تتمحور حول العراق مسألة كيف أن الولايات المتحدة أصبحت تتدخل وتشارك بقوة، في منطقة عبر عنها رئيسها مرارًا وتكرارًا عن رغبته في الانسحاب منها. وبالنظر إلى احتمال أن استهداف إيران شركاء الولايات المتحدة الإقليميين، ينبغي على الأخيرة بذل كل جهد ممكن لقدرات الدفاعية للسعودية في حالة وقوع المزيد من الهجمات المباشرة من قبل إيران.

مرة أخرى، ما زال الوضع في العراق يحتل جوهر الصراع الإقليمي الأكبر وفى حين يبدوا أن الولايات المتحدة هذه المرة لا تحبذ بشكل متزايد خيار التدخل العسكري، إلا أنها يجب أن تفكر في الدعم الذي يجب أن توفره لحلفائها الإقليميين لضمان عدم استعادة إيران تفوقها في المنطقة.

على وجه الخصوص، سوف تستفيد المملكة العربية السعودية من مساعدة الولايات المتحدة في تشخيص الفجوات الاستراتيجية التي تمكنت عبرها إيران من شن هجماتها الأخيرة، ونصب مزيداً من منظومات الإنذار المبكر، وتفعيل الهجمات السيبرانية على منظومات القيادة والسيطرة الإيرانية المنتشرة على طول الخليج العربي والبحر الأحمر وعبر السفن الحربية الإيرانية. وفى حين تعقد المملكة العربية السعودية محادثات سلام غير مباشرة مع الحوثيين، إلا أن الوضع في العراق أصبح متقلب وخطير.

معهد واشنطن