لولا التدخل الإيراني في سورية، وبواسطته، دخل الروس إلى المنطقة، لسقط نظام بشار الأسد، واتخذت سورية لها طريقاً تاريخياً آخر، ربما كان أفضل بكثير من سيناريو الخراب والدمار الذي حاق بالسوريين، وبأرواحهم ودمائهم وأحوالهم ومدنهم وكلّ حياتهم. وعلى الرغم من النفق المظلم الذي دخله العراق، وعاش عدّة سيناريوهات مرعبة طوال 17 عاما، إلا أنه اليوم يسير داخل النفق، ونهاياتُه بواباتٌ مسدودة، ليس باستطاعة العراقيين فتحها، وليس في وسعِ أحد حلّ معضلات البلاد الصعبة.
قبلَ أن تدّشن سنة 2020 بداياتها، اندلعت الثورة في العراق في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ضد الأوضاع السيئة، ولكن سرعان ما غدا الثوّار خصوماً ألدّاء للنظام الحاكم، برفعهم شعار “إسقاط النظام”، والدعوة إلى طرد الوجود والمشروع الإيراني، وإنهاء تدخلاته السافرة في شؤون العراق، ولاقت ثورة الشباب العراقيين السلمية تعاطفاً شعبياً واسعاً، كونها وحّدت العراقيين، وخصوصاً بعد أن تعاملَ معها النظام الحاكم بقسوةٍ منقطعة النظير، إذ قتل مئات وجرح آلافا، وخطف عشرات، واذا اعتقد العالم أن النظامَ يخشى على نفسه من السقوط، فإن سبباً أساسياً آخر يكمن وراء كلّ المذابح ضدّ العراقيين، ممثلاً بدفاع النظام الدامي عن المشروع الايراني في العراق والمنطقة، إذ يعتقد أصحابه أن سقوطه هنا سيعقبه لا محالة سقوطه في سورية ولبنان، وسينتهي نهاية حرجة أمام العالم.
يمكن تصنيف العراقيين اليومَ الى أربعة أصناف: الثوّار الأحرار والأغلبية التي تساندهم ضدّ
“النظام العراقي الحاكم سيجرّ العراق، رغم أنف شعبه، إلى حرب إبادة” الصنف الثاني ممثّلاً بالطبقة الحاكمة ورموزها من القوى المليشياوية والأوليغارشية مع مناصريهم من التحالفات، من حماة النظام، وهؤلاء يُدعون “الذيول” لإيران. والصنف الثالث هم المنفصلون عن الحراك الثوري، وعن النظام الحاكم، ويمثلهم الكرد وكلّ السّنة وبقية الأطياف الاجتماعية، وهؤلاء يترقبون التحوّلات الصعبة عن كثب. والصنف الرابع يمثلّه كلّ اللامبالين الذين لا يهمّهم ما يحدث على الأرض، وتمثّلهم شرائح المترقبين والخائفين، وأصحاب المصالح الخاصة، وكل الذين دمّرتهم السنوات العجاف.
اليوم، يبدو أنّ العراق على حافّة انفجار يسعى إليه النظام الحاكم، وجعل العراق ساحة حرب، إذ لا يمكن لإيران وذيولها في العراق البقاء ساكتين على الحراك الثوري، متخّذين من قتل الأميركان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، على الأرض العراقية، حجّة للمطالبة بمغادرة القوات الاميركية العراق، وكأنهم اكتشفوها اليوم فقط. ليعلن مقتدى الصدر وجماعته من مدينة قم الإيرانية دعوته إلى مظاهرة مليونية في بغداد ضدّ الوجود الأميركي. ويبدو واضحاً أنهم يريدون إشعال فتيل حربٍ أهلية في العراق، وتطبيق السيناريو السوري لإفناء كل الأطياف في المجتمع العراقي. ويؤمن كلّ العراقيين إيمانا راسخا بأن وجود قوات أميركية هو بمثابة “بيضة القبان”، ووجودها يؤّمن إبقاء التوازن بين الفرقاء العراقيين، وأن خروج الأميركان من العراق سيجعله ميداناً مباحاً للتصفيات والتهجير والقتل والفصل الطائفي المستعر، بل وستكون كلّ طائفة وكلّ طيف في صراع قاتل مع نفسه، فالانقسامات ستتشظّى في حربٍ لا تبقي ولا تذر. وعليه، ينبغي أن يدرك كلّ عراقي ما ستؤول إليه نتائج بقاء الذيول في الحكم والسيطرة.
دعوة الصدر إلى مليونيةٍ ممالئةٍ لإيران ضدّ القوات الأميركية ستكون مصيدةً لحرب إبادة ضدّ
“العراق على حافّة انفجار يسعى إليه النظام الحاكم”الثوار العراقيين، من خلال انفجار خطير يسعى إلى تحقيقه النظام الحاكم بكل اتباعه للخلاص من أزمته، وهذا ما تخشى منه الجماهير التي تتطلّع إلى غدٍ أفضل وحياة كريمة بانتظاره، وهو فتح غير مخطط له أبداً ولا بمدروس البتة، إنه يمثل بالفعل انفجاراً شعبياً هادراً، قد تكون له نتائج خطيرة وتداعيات مريرة. وهناك من يسعى إلى إشعال الفتيل، كي يسحق الثورة وينهي حراكها الشعبي. وهنا لا بدّ من التنبيه من اندلاع حربٍ أهلية يسعى إليها هؤلاء من رموز الطبقة الحاكمة، خشية زوالهم على أيدي الثوار الأحرار الذين لا بدّ أن يتجسّد هدفهم بتبديل النظام والبدء بتاريخ جديد، خصوصاً مع استخدام “النظام”، ولمّا يزل، كلّ أدوات البطش وتنوّع وسائلها ضدّ المتظاهرين في القتل والخطف والقنص والاضطهاد والتفجير. وعليه، فإنّ الثوّار لا بدّ أن يطوّروا مطاليبهم مع مرور الزمن.
باتت الحقائقَ واضحة اليوم، ولا يمكن الدفاع أبداً عن خطايا تُرتكب، وجرائم تحدث. يصمت
“لا يمكن لإيران وذيولها في العراق البقاء ساكتين على الحراك الثوري”الجميع لمداراة الوضع أو بالدفاع الذي لا معنى له، إذ على الشرفاء وكل الوطنيين أن يعارضوا ما يتم على أيدي مليشيات، لا أدري هل تسمّت هي بالحشد الشعبي، أم هي مندمجة فيها تحت مسمى “الفصائل”، وتعلن أنّ ولاءها لغير العراق، وكل الدلائل تشير إلى أنهّا تتكلم باسمه، وتفعل ما تشاء كونها “مليشيات طائفية”، كما يفتخر قادتها بذلك، وبأدوارها القبيحة في كلّ من العراق وسورية. وثمّة تصريحات على ألسنة قادتها أنفسهم بالثأر والانتقام من الآخرين، فماذا تسموّن ذلك؟ وإذ يقف بعضهم اليوم صامتاً إزاء هذا المارثون المخجل بحقّ العراقيين، فقد أثبت مقتدى الصدر أنه قد تقلّب كثيراً في مواقفه، وخدع ناسا كثيرين وقوى سياسية بحالته المطاطية وقفزاته من مكانٍ إلى آخر! أما أن يلجأ إلى إيران، ليُصدر قراراته من قم، بصدد العراق وشؤونه، فهذا غير مقبول البتة، وهو يعلم علم اليقين أن إرادة العراقيين ترفض رفضاً باتاً جعل العراق ساحة حرب، لتصفية حسابات أميركا وإيران على أراضيه. والنظام العراقي الحاكم سيجرّ العراق، رغم أنف شعبه، إلى حرب إبادة، وسيجعل كلّ العراقيين يدفعون أثمانا باهظة بإدخال العراق إلى الجحيم.
وأخيراً، متى يخجل هذا النظام الحاكم من قتل العراقيين؟ لماذا لم يُكشف عن أولئك الذين سماهم “الذيول”؟ متى تتوّقف هستيرية النظام، عندما ينتقد بعضهم سياساته الذيلية للآخرين في العراق؟ لماذا يثير الاستفزاز، ويعامل الناس أسوأ معاملة، وينعتهم بأسوأ النعوت؟
لو وقف على رأس العراق أي عراقي مخلص لإرادة أهله كلهم من دون محاصصة أو تمييز، ولو كان انتماؤه للعراق وطنيا وأبويا من دون أن يكون ألعوبةً بيد غيره، وأدخل كلّ العراقيين تحت مظلته لقبل الناس. تكمن المشكلة الأساسية في من يرى انتماءه لغيره، لا لأهله وترابه، وهو يرى نفسه متميزا عن الآخرين، ولا يريد أن يشرك الآخرين في صنع قرارات مصيرية. وكلّ من يصف الثوار الحقيقيين بأشنع الصفات، كونهم طالبوا بالعدالة وتغيير النظام. مصير العراق في خطر، عندما يندفع قادة المليشيات للتبرّع بالحرب، وتعريض العراقيين للهلاك، خصوصاً عندما يرى ملايين العراقيين أن المشروع الإيراني مصدر خطر على كلّ العراق والعراقيين.
سيار جميل
العربي الجديد