تنفست الأسواق الصعداء بعد توقيع اتفاق “المرحلة الأولى” بين واشنطن وبكين يوم الأربعاء الماضي. لكن هذا الاتفاق مجرد هدنة في معركة من المرجح أن تُستأنف بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي مقاله الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، قال الكاتب هنري أولسن إن لكلا البلدين أسبابا وجيهة تدفعهما للدعوة إلى وضع حد للحرب التجارية بشكل مؤقت.
فقد تباطأ النمو الصيني بشكل كبير إلى أدنى مستوى له منذ ما يقارب ثلاثين عاما، كما تراجعت مبيعات السيارات بأكثر من 8% خلال العام الماضي، إلى جانب تسجيل انخفاض بنسبة 3% في عام 2018.
ومن المرجح أن تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض المزيد من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، كان ليُشكل الكثير من المشاكل للاقتصاد الصيني، الذي يعتمد بشكل أساسي على التصدير، في حال نفذه.
وأشار الكاتب إلى أن لترامب أسبابه الخاصة لوقف الحرب التجارية، فخلال هذا العام ستجرى انتخابات رئاسية، وقد أضرت الحرب التجارية بالمزارعين والمصنعين الذين يعتمدون على المواد الخام الصينية.
وتتيح هذه الهدنة لهؤلاء المنتجين فرصة لتحقيق النمو، كما يمكن لهذه الهدنة أن تساعد في إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية.
احتياجات الطرفين
وذكر الكاتب أن شروط الاتفاق التجاري تلبي احتياجات كلا الطرفين على المدى القصير، فهي تقضي بالتخفيض في معدلات الرسوم الجمركية المفروضة بالفعل على بعض الواردات الصينية.
وفي الوقت نفسه، تحصل الولايات المتحدة على وعود صينية بشراء ما يصل إلى مئتي مليار دولار من السلع الأميركية.
وكانت هذه الوعود ذات طابع اقتصادي بحت، حيث تشمل إبرام اتفاقات لشراء المزيد من المنتجات الزراعية والطاقية والخدمات والسلع المصنعة.
ونتيجة لذلك، سيتمكن كلا الطرفين من التخلص من عبء الضغوط الاقتصادية التي فرضتها الحرب التجارية بينهما.
لا حل نهائيا
في المقابل، لا تحل هذه الصفقة أيا من القضايا الكامنة وراء الحرب، فستواصل الصين دعم صناعاتها وممارسات مثل سرقة الملكية الفكرية، وفق الكاتب.
ومن ناحية أخرى، ستظل الشركات الأميركية تعتمد على الصادرات أو الواردات القادمة من الصين. وفي الواقع، إن إصرار ترامب على زيادة الصين من حجم مشترياتها من المنتجات الأميركية، يجعل المزيد من المنتجين يعولون على المبيعات التي تسيطر عليها الحكومة الصينية.
في حال تحققت أهداف المبيعات، فقد يمنح ذلك الصين مزيدا من القوة والنفوذ في أي صراع سيندلع في المستقبل بين البلدين.
اعلان
وسيكون لها المزيد من الشركات الأميركية التي ستستخدمها كوسيلة ضغط على الكونغرس والبيت الأبيض.
كما أن نتيجة الانتخابات الرئاسية لهذا العام تبقى بالغة الأهمية لمستقبل العلاقات الأميركية الصينية، حيث سيؤثر الفائز على القرارات المتعلقة بهذه القضايا الأساسية.
ونوّه الكاتب بأنه في حال هُزم ترامب، فمن المرجح أن يتجاهل خليفته هذه القضايا، مما سيترتب عنه تحقيق الولايات المتحدة مكاسب قصيرة الأمد، وإلحاق أضرار طويلة الأمد.
في المقابل، لم تظهر الحكومة الصينية أي علامة على اتخاذها بعض التدابير الإصلاحية فيما يتعلق بتوجهاتها السياسية، حيث ظلت ملتزمة بمخططاتها العسكرية التي تهدد الديمقراطيات الآسيوية، وفق تعبير الكاتب.
ماذا ستفعل الصين؟
أشار الكاتب إلى أن الرئيس القادم الذي سيدرك التداعيات السلبية لهذا الاتفاق، سيسارع إلى تخفيض الدعم الأميركي للنظام الصيني من خلال إعادة فرض الرسوم الجمركية، وبناء تحالفات مع دول أخرى خاضعة للتهديد الصيني توفر أسواقا بديلة للمنتجين الأميركيين الذين سيتضررون لا محالة بسبب التحول الذي ستشهده العلاقات الأميركية الصينية.
ويرى الكاتب أن الصين ستحاول منع حدوث ذلك، وسوف تستخدم زيادة أرباح الشركات من أجل تفكيك قوى التحالف عن طريق جذب دول مثل ألمانيا وبريطانيا ودفعها إلى تعزيز العلاقات التجارية معها.
وفي حال ظلت الولايات المتحدة صامدة تجاه ممارساتها، فلا يمكن حتى للهجوم المضاد الصيني الناجح أن يعوض المكاسب الهائلة التي تحصل عليها من المبادلات التجارية مع أكبر اقتصاد مستهلك في العالم، بحسب ما يذكر الكاتب.
وهذا بدوره سيؤدي حتما إلى إبطاء نمو الاقتصاد الصيني-وفق الكاتب- غير أن كل تراجع بنقطة مئوية واحدة سيشهده الاقتصاد الصيني سيؤخر الوقت الذي تستطيع فيه الصين تحدي الولايات المتحدة من أجل الهيمنة العالمية.
ولذلك ربما يكون الاتفاق -يقول الكاتب- الذي أبرم الأربعاء بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة.
الجزيرة