العراق بلا رئيس حكومة بعد شهر من المهلة الدستورية

العراق بلا رئيس حكومة بعد شهر من المهلة الدستورية

يصادف اليوم الأحد مرور شهر كامل على انتهاء المهلة الدستورية في العراق لتكليف مرشح جديد تشكيل حكومة جديدة، عقب إسقاط حكومة عادل عبد المهدي بالتظاهرات المتواصلة في مدن جنوب البلاد ووسطها، وبغداد، والتي أدت إلى وقوع مئات الضحايا وآلاف المصابين حتى الآن، جراء القمع المفرط من قبل قوات الأمن، وسلسلة الاغتيالات التي طاولت ناشطين ومؤثرين في تلك التظاهرات. ولا تظهر حتى الساعة أي بوادر لانفراج الأزمة السياسية الأكثر قتامة في البلاد منذ عام 2003، مع تواصل رفض المتظاهرين العراقيين الذين توشك انتفاضتهم أن تنهي شهرها الرابع، لمرشحي الأحزاب والقوى السياسية، إذ رُفضَ لغاية الآن خمسة مرشحين طُرحوا رسمياً لرئاسة الحكومة، أبرزهم محمد شياع السوداني، وقصي السهيل، وأسعد العيداني، فيما وصلت الأزمة إلى تلويح رئيس الجمهورية برهم صالح باستقالته بسبب ضغوط يتعرض لها للقبول بتكليف المرشحين المطروحين.

حسم اختيار رئيس الوزراء للحكومة الجديدة، سيكون خلال الأسبوع المقبل


ويبدو العراق أمام متاهات قانونية ودستورية جديدة مع مرور شهر على انتهاء المهلة الدستورية، إذ تشير المادة الـ81 من الدستور العراقي إلى أنه في حال مرور شهر على المهلة الدستورية، يجب انتقال السلطات التنفيذية إلى رئيس الجمهورية لإدارة البلاد مؤقتاً، غير أن هناك من فسّر الفقرة الدستورية تلك بأنها تتعلق بحالة وفاة رئيس الوزراء، وليس مع وجوده، وهو ما يجعل الحكومة مستمرة، لكن من دون صلاحيات، من بينها إقرار موازنة العام الحالي، وقد صرفت حكومة تصريف الأعمال هذا الشهر مرتبات نحو 10 ملايين مواطن موظف ومتقاعد عبر الاقتراض من المصرف المركزي.

وعلى الرغم من استئناف محادثات القوى السياسية الرئيسة في البلاد، لاختيار رئيس حكومة جديد للبلاد، مع تواصل تسريب أسماء مختلفة كمرشحين للحكومة الجديدة، إلا أن أي تقدّم ملموس لم يتحقق حتى الآن، لكن مصادر سياسية عراقية كشفت لـ”العربي الجديد” عمّا أسمته آمالاً بقرارات مفاجئة حيال الاتفاق على رئيس جديد للحكومة هذا الأسبوع، أو مطلع الأسبوع المقبل، بعد فشل اجتماعات مدينة قم الإيرانية التي جمعت مقتدى الصدر، وهادي العامري الأسبوع الماضي في التوافق على مقترح تجديد الثقة لعادل عبد المهدي لمدة عام واحد ريثما تُجرى انتخابات مبكرة في البلاد، على اعتبار أن التوافق لم يتحقق بين قادة الكتل لتسمية رئيس حكومة جديد.

وينتهي الفصل التشريعي للبرلمان العراقي في الثالث من فبراير/ شباط المقبل، ومدتها 40 يوماً، أي إن البرلمان العراقي أمامه أقل من 20 يوماً للتصويت على الحكومة الجديدة، وفي حال إخفاقه تُرحَّل الأزمة إلى إبريل/ نيسان المقبل إذا لم يُصَر إلى اتفاق على تمديد الفصل التشريعي الحالي لحين انتهاء أزمة تسمية الحكومة الجديدة.

في السياق، كشف قيادي بارز في تحالف “البناء”، الذي يُعتبر نوري المالكي وهادي العامري أبرز قادته، في حديث لـ”العربي الجديد”، عن أن “القوى السياسية اتفقت خلال الأيام الماضية على ترشيح المستشار الحالي في رئاسة الجمهورية، علي شكري، لرئاسة الوزراء، لكنه اعتذر عن المهمة بوصفها صعبة، كذلك أُعيد طرح اسم رئيس جهاز المخابرات، مصطفى الكاظمي بقوة خلال المفاوضات الجارية بين القوى السياسية”. وكشف أن “القوى السياسية ما زالت تضغط على شكري من أجل القبول بالمهمة، بالتزامن مع مواصلة المفاوضات مع الكاظمي”.

وأكد أن الكاظمي يحظى بدعم رئيس الجمهورية برهم صالح، وكذلك القوى السنّية والكردية، والتيار الصدري، وقوى سياسية شيعية أخرى. وعمل الكاظمي خلال الفترة الماضية على فتح قنوات حوار وتواصل مع طهران وواشنطن، ويمكن اعتباره خياراً أفضل، وبات هو الأقرب اليوم بعد تضاؤل فرص مرشحين آخرين مثل عبد الغني الأسدي والقاضي رحيم العكيلي، مرجحاً أن تُحسم الأزمة خلال أيام في حال استمرار الحوارات الحالية على منحى واحد بشأن الكاظمي. ولفت إلى أن “الموضوع يبقى ضمن نطاق القرارات المفاجئة والتسويات السريعة، لكن بكل الأحوال يمكن الحديث عن أن هناك توافقاً على ضرورة إنهاء الأزمة والذهاب إلى حكومة جديدة سريعاً”.


الكاظمي يحظى بدعم رئيس الجمهورية برهم صالح، وكذلك القوى السنّية والكردية


من جهته، تحدث القيادي في “تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، محمد الحسيني، لـ”العربي الجديد”، عن وجود “حراك سياسي يجري الآن من أجل الإسراع في قضية اختيار رئيس وزراء من أجل حكومة مؤقتة”، وأكد أن “تيار الحكمة يخوض اجتماعات وحراكاً لإقناع القوى السياسية بأن يكون اختيار رئيس وزراء مستقلاً تماماً وله مقبولية، وإظهار خطورة اختيار شخصية سياسية لرئاسة الحكومة”. وختم بالقول إنه “وفق المؤشرات والاجتماعات الجارية منذ يومين، يمكن القول إن حسم اختيار رئيس الوزراء للحكومة الجديدة، سيكون خلال الأسبوع المقبل، أو عشرة أيام في أقصى حد”.

أما عضو تنسيقيات تظاهرات بغداد، علي فاضل الربيعي، فقال لـ”العربي الجديد”، إنهم كمتظاهرين ينتظرون “رئيس وزراء مؤقتاً مستقلاً ولا يدين بولاء أو علاقة خاصة مع الأحزاب الحالية بالسلطة”، لافتاً إلى أنّ هناك اتفاقاً نهائياً بين تنسيقيات كربلاء والنجف والبصرة وذي قار وبغداد وكل المدن المنتفضة على تصعيد غير مسبوق في حال حصول تسوية بين القوى السياسية على تسمية رئيس حكومة جديد غير مستقل أو قريب للأحزاب السياسية. وأكد أن “الأحزاب التي ستوافق على أي رئيس جديد للحكومة ستنتحر شعبياً إذا لم يكن هذا الشخص مقبولاً من قبل الشارع”.

في المقابل، قال الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد الحمداني، لـ”العربي الجديد”، إن قوى سياسية عدة اعتبرت أن من شأن تشكيل حكومة جديدة الآن، أن يقلّل أعداد المتظاهرين، وبالتالي قد تتراجع حدة التظاهرات لتكون أسبوعية كل يوم جمعة، بدلاً من يومية، وهو ما تعوّل عليه قوى سياسية عدة. وأضاف الحمداني أن الأجواء الآن في بغداد وأربيل تتفق على اختيار شخصية من داخل الوسط السياسي وعلى اطلاع مسبق على الملف العراقي الحالي في ما يتعلق بالأزمة الحالية بين إيران والولايات المتحدة، أو ملف الفصائل المسلحة والأزمة المالية وحسابات مختلفة لن يكون من السهل على مرشح مستقل للحكومة أن يحيطها بوقت قصير، خصوصاً أن العراق اليوم في أزمة خانقة. وأشار إلى أن الأسماء المطروحة اليوم تتجه إلى أن تكون قريبة من القوى السياسية وكواليس الأزمات، وليست مشتركة فيها ضمن حسابات تهدف أيضاً من بينها إلى عدم استفزاز المتظاهرين أو التوصل إلى حل وسط بين السلطة والشعب، وفقاً لقوله.

زيد سالم، عادل النواب

العربي الجديد