في 18 تشرين الأول/أكتوبر، ستنتهي جميع القيود المفروضة على إيران التي تشكلّ جزءاً من «خطة العمل الشاملة المشتركة» لعام 2015، وستكون طهران حرة فعلياً في بيع أو استيراد أي سلاح تريده تقريباً. ولكن يبدو أنها متعطشة جداً إلى الدخول من جديد إلى مجال التعاون العسكري الدولي وتبادل الأسلحة، كما يتضح من التدريبات البحرية المشتركة التي أجرتها مؤخراً مع روسيا والصين، والتطورات الأخرى. ومن ناحية أخرى، فإن سنوات من العقوبات قد أفسحت المجال أمام تنامي صناعة الأسلحة في طهران، مما أدى إلى زيادة مخاطر الانتشار وتهديدات الاستقرار الإقليمي. والسؤال المطروح هنا هو ما إذا كان السماح بانقضاء القيود المفروضة في عام 2015 سيؤدي إلى تفاقم هذه المخاطر، وما الذي تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها فعله حيال ذلك.
نشاط الأسلحة الإيرانية قبل فرض العقوبات وخلالها
بين عامي 1989 و2007، أجرت إيران العديد من المعاملات مع دول أخرى لتعزيز ترسانتها العسكرية. فقد اشترت سيلاً متواصلاً من الطائرات المقاتلة، والغواصات، ودبابات المعارك الرئيسية، وناقلات الجنود المدرعة، والصواريخ المضادة للطائرات من موسكو وبكين، وشاركت معهما في تصميم وإنتاج قذائف مضادة للسفن وصواريخ مضادة للطائرات. واستوردت القطع واستعانت بخبراء أسلحة من هذه البلدان وغيرها. وطوّرت برامج أسلحة رئيسية مثل صاروخ “شهاب 3” الباليستي المتوسط المدى الذي شمل تطويره مكونات من مصادر دولية ومساعدة من كوريا الشمالية وغيرها.
ومع ذلك، فإن العديد من هذه التبادلات قد توقف في عام 2007، عندما اشتد زخم عقوبات الأمم المتحدة رداً على انكشاف البرنامج النووي الإيراني السري. ونتيجة لذلك، بدأت طهران في الاستثمار أكثر في صناعتها العسكرية المحلية وفي الدراية الفنية. وساعد هذا التحول، مقترناً بإعادة تنظيم قواته المسلحة واستراتيجيته العسكرية، النظام على تحقيق بعض التقدم الجدير بالملاحظة في حد ذاته، مثل إنتاج مجموعة واسعة من القذائف المضادة للسفن والصواريخ الباليستية والصواريخ الجوالة (كروز) ونشرها، وتطوير صناعة مُعتبَرة للطائرات المسيّرة، وتعزيز معظم شبكته الخاصة بالدفاع الجوي باستخدام رادارات محلية الصُنْع ونُظم رشاشات ومقذوفات أرض-جو. تجدر الإشارة إلى أنّ الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران مؤخراً على القوات الأمريكية في “قاعدة الأسد الجوية” في العراق تضمّن اثنين من هذه الأسلحة المتطورة محلياً، وهما صاروخ “قيام-1/2″ و”فاتح-313”.
ومع ذلك، لا تزال إيران تعاني من العوائق التكنولوجية ولا يزال يتعين عليها استيراد بعض المواد الخام (مثل السبائك المتخصِّصة) والمكونات الرئيسية (مثل أنظمة الدفع عالية الأداء). وتأمل في تأمين الدراية الفنية من روسا والصين والتعاون معهما من أجل تصميم وبناء جيلها التالي من السفن الحربية والغواصات ذات العيار الثقيل. وفي الواقع، على هذه السفن العابرة للمحيطات تلبية هدف النظام المتمثل في التحول إلى قوة بحرية تعمل في “المياه الزرقاء”.
ولتحقيق هذه الغاية، وقّعت طهران وبكين مذكرة تعاون دفاعي في عام 2016. وفي الآونة الأخيرة، سافر حسين خانزادي، قائد القوة البحرية في جمهورية إيران الإسلامية، إلى الصين في نيسان/إبريل الماضي، وقام وفد برئاسة رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة محمد باقري بزيارتها في أيلول/سبتمبر لمناقشة التعاون العلمي والصناعي الرفيع المستوى في المستقبل. كما عرض باقري على بكين اتفاق تعاون دفاعي مدته خمسة وعشرين عاماً، وافق المرشد الأعلى على محتوياته السرية على وجه التحديد. ويبدو أنّ الصين لم ترد بعد على هذا العرض، ولكنها أرسلت وفداً دفاعياً وبحرياً إلى طهران في تشرين الثاني/ نوفمبر لاستكشاف التعاون العملياتي والتكنولوجي.
وفي الوقت نفسه، سافر باقري إلى موسكو في شباط/فبراير 2019 لمتابعة اتفاقات تعاون دفاعي مماثلة. وتشير تقارير غير مؤكدة أيضاً إلى أن إيران عرضت شراء عدد كبير من الطائرات المقاتلة الروسية مقابل أسعار مخفضة للنفط الخام.
وقد يتبلور مثل هذا التعاون مع أي من البلدين عندما تنتهي قيود الأمم المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر. وسيعتمد ذلك أيضاً على ما إذا كانت العقوبات الأمريكية ستستمر في صيغتها الحالية أم لا.
أين تقف الأمور اليوم؟
منذ تنفيذ قرار مجلس الأمن 2231 في عام 2015، فُرضت قيود مختلفة على الأنشطة الإيرانية المرتبطة بالأسلحة. فالفقرة 5 من الملحق “ب” من ذلك القرار تمنع جميع الدول الأعضاء ومواطنيها من توريد أنواع معينة من الأسلحة أو بيعها أو نقلها إلى إيران سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ما لم يوافق عليها المجلس مسبقاً (انظر الجدول في أسفل المقالة). وتقتصر هذه النُظم المقيّدة على الدبابات القتالية، والمركبات القتالية المدرعة، ونظم المدفعية ذات العيار الكبير، والطائرات المقاتلة، والمروحيات الهجومية، والسفن الحربية، ونظم القذائف، والأعتدة ذات الصلة، بما في ذلك قطع الغيار. ولكن لا تنص الفقرة صراحة على ما إذا كانت “الأعتدة ذات الصلة” تشمل المواد الخام، أو لوازم التعديل، أو العناصر ذات الاستخدام المزدوج، ولكن هناك سبب قانوني لافتراض أنها تغطي الاحتمالين الأولين على الأقل. كما أنّ توفير التدريب الفني، والمشورة، والموارد/الخدمات المالية ذات الصلة لإيران رهن بموافقة المجلس المسبقة.
ووفقاً لسجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية، تشمل الصواريخ المشمولة بهذا البند “الصواريخ الموجهة أو غير الموجهة، أو الصواريخ الباليستية أو صواريخ “كروز” الجوالة القادرة على حمل رأس حربي أو سلاح دمار شامل التي لا يقل مداها عن 25 كيلومتراً، والوسائل المصمّمة أو المعدّلة خصّيصاً لإطلاق مثل هذه الصواريخ أو القذائف.” أمّا الفئة الفرعية فتشمل طائرات بدون طيار ذات خصائص صاروخية، مثل تلك التي استُخدمت في هجوم أيلول/سبتمبر على منشآت النفط التابعة لشركة “أرامكو” السعودية. وتشمل أيضاً قذائف الهاون الصاروخية التي تُعد إيران من أكبر منتجيها، والتي يتم استخدام عياراتها المختلفة على نطاق واسع في جميع مناطق الصراع السورية والعراقية. يشار إلى أنّ هذا البند يستبعد معظم القذائف أرض-جو، باستثناء منظومات الدفاع الجوي المحمولة.
ولكن من المؤسف أنّ أياً من القرارات الموجهة إلى إيران لم ينجح في تقليص برنامجها الصاروخي إلى حد كبير، ويعزى ذلك جزئياً إلى لهجتها المخففة في هذا الصدد. فالقرار 2231 بالكاد “دعا” النظام إلى عدم القيام بأي عمليات إطلاق أو أي نشاط آخر يتصل بالصواريخ الباليستية “المصممة لتكون قادرة على حمل الأسلحة النووية” – وهو تعريف مبهم ويتعذّر التحقق منه بحكم صياغته. وسيظل هذا البند سارياً حتى تشرين الأول/أكتوبر 2023، ولكن إيران أحرزت تقدماً مطرداً فيما يتعلق بهذه الصواريخ لسنوات على الرغم من القيود المفروضة عليها، ومن المتوقع أن تستمر في ذلك على المدى المنظور ما لم توافق على اتفاق أمني شامل مع الغرب.
وتفرض الفقرة 6 (ب) من الملحق “ب” من القرار 2231 قيوداً مماثلة على “توريد أو بيع أو نقل الأسلحة أو الأعتدة ذات الصلة من إيران من قبل مواطنيها أو باستخدام السفن التي ترفع أعلامها أو طائراتها سواء أكان ذلك انطلاقاً من أراضيها أم لا.” ويتعين على الدول الأعضاء أن تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع مثل هذه الأنشطة، ولو أن الفقرة لا تحدد الأسلحة الخاضعة للقيود.
وفي بعض الأحيان سعت إيران للالتفاف على هذه القيود من خلال نقل الأنظمة المسموح بها إلى وكلائها في الخارج علناً، ثم نقل المكونات المحظورة سراً ليتم إضافتها إلى تلك الأعتدة في وقت لاحق. فعلى سبيل المثال، أفادت التقارير بأنها زودت الميليشيات الشيعية العراقية بعربات “سفير” و”آراس” التكتيكية غير المسلحة، وذلك لتهريب القطع المحظورة لاحقاً التي من شأنها أن تسمح بتجهيز المركبات بقاذفات صواريخ ورشاشات عديمة الارتداد عيار 106 ملم.
دور آلية حل النزاعات
بموجب آلية حل النزاعات في إطار «خطة العمل الشاملة المشتركة»، إذا كان أي طرف في الاتفاق النووي يعتقد أن إيران لا تفي بالتزاماتها، فبوسعه أن يحيل المسألة إلى اللجنة المشتركة لحلها. وفي 14 كانون الثاني/يناير، اتخذت الأطراف الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) هذه الخطوة رداً على تحركات إيران الأخيرة الخارجة عن الاتفاق النووي. وإذا بقيت هذه المسألة أو أي نزاع في المستقبل دون حل بعد استنفاد عملية الحل المصحوبة بجهود صادقة، يجب على مجلس الأمن الدولي التصويت على قرار لمواصلة التعليق الفعلي للقرارات السابقة والقيود المرتبطة بها. ويجب على المجلس أن يعتمد هذا القرار الجديد في غضون ثلاثين يوماً، وهو ما لن يحدث ببساطة لأن الولايات المتحدة ستمارس حق النقض بكل تأكيد.
وإذا فشل القرار الجديد فـ “ستعود” القرارات السابقة إلى حيز التنفيذ، بما فيها قرارات مجلس الأمن 1696 و1737 و1747 و1803 و1835 و1929 و2224. وكما يوضح الجدول أدناه، تتضمن هذه القرارات القديمة أحكاماً غير نووية مختلفة التي يمكن أن توفّر نظرياً تكليفاً دولياً قوياً لمنع التعاون في مجال الأسلحة مع إيران. وخلافاً للمهلة التي توفرها «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فإن القيود في هذه القرارات القديمة لا تنقضي أبداً؛ فهي تستمر إلى أن يصوت مجلس الأمن على إلغائها، وهو إجراء تملك الولايات المتحدة حق النقض فيه.
غير أنه من الصعب تصور أي آلية لعودة العقوبات تمنع إيران من تسليم الأسلحة إلى وكلائها الإقليميين، وذلك لأنها استمرت في القيام بذلك على مر السنين بموجب قرارات مختلفة، باستخدام أساليب يصعب منعها (على سبيل المثال، وضع صناديق الذخيرة على مقاعد الركاب في الطائرات المدنية المستأجرة). وعلاوة على ذلك، لا يمكن تطبيق العقوبات المُعاد فرضها بأثر رجعي على العقود التي سبق أن سُمِح لإيران بالتوقيع عليها مع أطراف أخرى أثناء تنفيذ «خطة العمل الشاملة المشتركة».
الخاتمة
في الوقت الحالي، هناك احتمال ضئيل بأن يرعى مجلس الأمن أي مبادرة لتمديد القيود الحالية على الأسلحة إلى ما بعد تشرين الأول/أكتوبر. ولكن بوسع الولايات المتحدة أن تستخدم نزاع التخصيب الحالي، واستعداد أوروبا الواضح لأن تكون أكثر حزماً مع إيران، وتهديد طهران الأخير بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كسبب للجوء إلى الرد بقسوة.
على أي حال، يتعين على واشنطن أن تزيد من جهودها الفردية لثني الصين والدول الأخرى عن التعاون مع إيران فيما بتعلق بالتكنولوجيات والدراية العسكرية الحساسة. كما يجب أن تستعد لمزيد من انتشار الأسلحة، التي يمكن نسبها إلى إيران أو التي لا يمكن عزوها إليها، في مختلف البؤر الساخنة في المنطقة، وذلك جزئياً من خلال التدقيق بشكل أوثق في طرق النقل والطرق اللوجستية التابعة للنظام.
فرزين نديمي