تعمل تركيا على تخفيف حدة التوتر بينها وبين روسيا بشأن إدلب، خاصة مع عدم وضوح مؤشرات على احتمال تلقيها دعما أميركيا قويا إذا اختارت التصعيد والمواجهة. وتوحي المهلة التي أعطتها تركيا لقوات النظام للانسحاب من المناطق التي تسيطر عليها في ريف إدلب حتى نهاية الشهر الجاري بأنّ أنقرة تبحث عن تسوية سياسية.
دمشق – قال عضو لجنة كتابة الدستور وعضو هيئة التفاوض السورية، فراس الخالدي، إن تكثيف تركيا للدوريات على الحدود السورية لا يهدف إلى منع سقوط البلدات في قبضة النظام السوري وإنما يهدف في المقام الأول إلى ضبط وتوجيه حركة نزوح المدنيين والفصائل الهاربة أيضا وتوجيههم، فيما يشير مراقبون إلى أن أنقرة تسعى إلى مقايضة الجهاديين في إدلب بدور أكبر في المناطق الكردية.
وأضاف الخالدي أنه “بعد حصر الإرهابيين في إدلب تسعى تركيا الآن إلى مقايضتهم بنفوذ أكبر في مناطق شرق الفرات وتل رفعت التي تهتم بها كثيراً”.
وكانت محافظة إدلب على مدار الأعوام الماضية الوجهة التي فر إليها معارضو الرئيس السوري بشار الأسد في أعقاب أي تقدم عسكري أحرزه النظام السوري على الأرض بمساعدة حلفائه الروس.
وبعد أن وصل قطار التقدم العسكري لقوات النظام بدأ الجميع يطرح تساؤلات على المجتمع الدولي بشأن مصير المحافظة وأهلها والوافدين إليها، إلا أن السؤال الأهم والأكثر إلحاحا هو الذي بات يوجه إلى قياديي المعارضة السورية عن مدى استمرارهم في المراهنة على دور تركيا لمنع سقوط ما تبقى من إدلب.
ويرى عضو هيئة التفاوض السورية أن ”إدلب تحولت إلى وديعة بيد تركيا لحين استكمال بنك الأهداف التركية، والذي تفشل في تحقيقه هدفا تلو آخر نتيجة استراتيجيات خاطئة أنتجتها منذ البداية… لقد مارست (تركيا) الاستثمار بالأزمة السورية ولا تزال تتشبث بالهدف ذاته في إدلب بالرغم من تقدم قوات النظام كثيرا”.
أما في ما يتعلق بموضوع استمرار الثقة بالدور التركي، فقد قال الخالدي “في ما يتعلق بالجيش الوطني، الأمر محسوم، فالأخير صنيعة تركية، والمصنوع لا يملك من أمره شيئاً أمام صانعه… لقد تحولت عناصر من فصائله إلى مرتزقة يخدمون الأهداف التركية في ليبيا بدلا من أن يدافعوا عن إدلب مع الأسف… وللأسف أيضا قدرة من تبقى من شرفاء الجيش الحر على الصمود ضعيفة جدا”.
وعن احتمال التحرك التركي، ولو في اللحظات الأخيرة، عبر إقناع هيئة تحرير الشام التي تضم جبهة النصرة، بالخروج من إدلب، ورغم تأكيده امتلاك “تركيا نفوذا قويا داخل الهيئة“، دعا الخالدي إلى ضرورة إدراك “طبيعة فصائل الإرهاب في سوريا وكونها متعددة الولاءات، تشترك مع بعضها البعض في الخطوط العامة العريضة وتختلف في ما بينها بتفاصيل دقيقة تجسّد صراع الدول على النفوذ في سوريا“.
وأوضح أن “تركيا تحتاج إلى ذريعة الإرهاب للقضاء على عدوّها الوحيد (الأكراد)، إضافةً إلى محاولة تمدد النفوذ في المنطقة، هي لا تريد خسارة ورقة النصرة الآن ريثما تتفق مع الولايات المتحدة على مناطق شرق الفرات”.
ويشير مراقبون إلى أن روسيا وحدها هي من يستعجل إنهاء الوجود العسكري للفصائل المعارضة المسلحة بمختلف انتماءاتها، لأنها تستعجل تثبيت الانتصار وإتمام المهمة في سعيها الحثيث للحصول على عوائد استثمارها في الحرب السورية من أموال إعادة الإعمار واستثمارات النفط والغاز والثروة المعدنية وأموال عودة المهجّرين. إلا أنها تصطدم بمحاولات إيران والنظام وتركيا من أجل تأخير الإعلان عن الحل ريثما يتم تقاسم الكعكة السورية بما يرضي هذه الأطراف، التي تراهن على ضعف الوجود الروسي على الأرض والاكتفاء بالغطاء الجوي.
وقال عضو هيئة التفاوض السورية السابق خالد المحاميد “من المضحك والمؤسف في الوقت ذاته أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يزال يهدد ويتوعد في ما يتعلق بوضع إدلب، وهو من شارك في جلب المقاتلين الأجانب إلى سوريا، وهو من شارك في أغلب التسويات والصفقات التي نقلت معظم معارضي النظام إلى المحرقة الراهنة”.
وأعرب المحاميد عن تعجبه من “استمرار البعض في عقد الآمال على الدور التركي لإنقاذ ما تبقى من إدلب، سواء عبر تصفية هيئة تحرير الشام أو تحريك فصائل المعارضة السورية الموالية لها، وذلك رغم معرفة الجميع دور المحور القطري – التركي في تسليح وتمويل الهيئة وغيرها من التنظيمات المتطرفة”.
وأوضح أن ”الأوساط الأمنية التركية ترى ضرورة للاستثمار بورقة التنظيمات المتطرفة ما دام ذلك ممكنا… لقد تحول أغلبها إلى منظمات وظيفية لدى تركيا منذ سنوات، خاصة مع افتقادها للحاضنة الشعبية جراء أساليبها القمعية… ففي إدلب وحدها، يوجد ما يقرب من ثلاثين سجنا لهيئة تحرير الشام… بالعموم يمكن لتركيا الاستفادة من هؤلاء في شرق الفرات لاستنزاف الأكراد، أو في ليبيا أو أي مكان بعيد عن أراضيها”. وأقر مسؤول المكتب الإعلامي في هيئة التفاوض السورية إبراهيم الجباوي بأن المعارضة لم تتعلم الكثير من الدروس السابقة في ”التعويل والتعامل بالنوايا الحسنة مع أطراف بعينها سبق أن خاب ظنها فيها“.
وأشار الجباوي إلى أنه “بمقابل كل حملة عسكرية تلتهم فيها روسيا منطقة جديدة من مناطق خفض التصعيد، كانت تركيا تقبض الثمن، عاجلا أو آجلا، عبر عمليات عسكرية تؤمّن حدودها ووجودها من الخطر الكردي”.
العرب