توافق غالبية الأمريكيين، وأغلبية كبيرة من الأمريكيين اليهود، ومجمل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقائمة طويلة من قادة الأمن القومي والدبلوماسيين الأمريكيين السابقين، على خطة العمل الشاملة المشتركة؛ باعتبارها أفضل خيار ممكن لمنع إيران من أن تصبح مسلحة نوويًا. ولكن، بغض النظر عن الأسس الموضوعية للاتفاق الذي جاء عن طريق التفاوض؛ يعتقد بعض النقاد، مثل السفير السابق جون بولتون، بشكل راسخ، بأن القوة العسكرية هي السبيل الوحيد لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي. وسيكون من شأن هذا النهج قصير النظر، والمتهور، أن يؤدي إلى نتائج عكسية. وكما أوضح المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، مايكل هايدن، سوف يضمن قصف إيران “تحقق ما نحاول منع حدوثه، وهو إيران لا تفعل أي شيء سوى تطوير سلاح نووي في السر“.
وللأسف، ليس موقف النقاد هذا بالموقف المفاجئ. وقد دعا بولتون، والسيناتور توم كوتن، وآخرون، لتنفيذ ضربات جوية ضد إيران حتى خلال المفاوضات. ولكن الدعوة للقيام بعمل عسكري تعد تجاهلًا تامًا لحقيقة أن توجيه ضربة لإيران “سوف يزعزع الاستقرار، ولن يحقق (أيًا) من الأهداف المرجوة على المدى الطويل“، كما أوضح رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي. وفي أحسن الأحوال، سوف يؤخر مثل هذا الهجوم العسكري البرنامج النووي الإيراني “بضع سنوات”، و في أسوأ الأحوال، قد يشكل هذا الحل سببًا للانتقام، ويؤدي إلى القضاء على فرص التفتيش والتحقق، ويحفز صنع إيران لسلاح نووي بوتيرة أسرع.
ومع توفر اتفاق شامل وقابل للتحقق على الطاولة، لم يعد لدى الولايات المتحدة ما تكسبه من خلال قصف إيران. وسيكون من شأن أي عملية عسكرية تقودها الولايات المتحدة تحطيم التحالف الدولي الذي يمارس ضغوطًا سياسية واقتصادية على إيران، وإجبار الولايات المتحدة على مواجهة إيران بدون أي دعم دولي. وكما قال الرئيس أوباما: “الحل العسكري لن يصلح الأمر. وحتى لو شاركت الولايات المتحدة فيه؛ فإنه سيؤدي إلى إبطاء البرنامج النووي الإيراني مؤقتًا، ولكنه لن يقضي عليه”.
ومع حذر الولايات المتحدة بشكل صحيح من القيام بعمل عسكري ضد إيران، حث دعاة الضربة العسكرية، بما في ذلك السفير بولتون والسيناتور ماكين من أريزونا، إسرائيل على القيام بعمل عسكري ضد برنامج إيران النووي من تلقاء نفسها. وسيكون هذا الأمر حال حدوثه بديلًا أسوأ حتى من تنفيذ أمريكا للقصف. حيث إن الهجوم على إيران “سيكون كارثة”، وفقًا لما قاله وزير الدفاع السابق، روبرت غيتس، ومن المرجح أن يزيد من زعزعة استقرار المنطقة من خلال تنفيذ إيران لضربات انتقامية. وثانيًا، لا تمتلك إسرائيل الوسائل اللازمة لإجراء القصف الجوي المكثف الذي سيكون مطلوبًا، وتتواجد البنية التحتية النووية الإيرانية في مرافق من الصعب الوصول إليها، وتفتقر إسرائيل للقاذفات الاستراتيجية اللازمة للاختراق.
وردًا على ذلك، دعا السيناتور كوتن، والنواب غريس منغ، ولي زيلدن، لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب لإعطاء إسرائيل القنابل التي تحتاجها، والمعروفة باسم (Massive Ordnance Penetrators (MOPs، وأيضًا، منحها القاذفات الاستراتيجية اللازمة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية. وليست هذه الخطة غير حكيمة فحسب، بل وتعد أمرًا غير مجدٍ من الناحية التكتيكية كذلك. حيث إن هذه القنابل ليست أسلحة موجهة؛ بل يجب أن يتم إسقاطها فوق الهدف مباشرة، وهذا يعني أن إسرائيل ستكون بحاجة لاختراق الأجواء الإيرانية من أجل إسقاط القنابل. وستكون الطائرات القادرة على حمل هذه القنابل، ومن المرجح أنها مقاتلات B-52s الأمريكية، أهدافًا سهلة للدفاعات الجوية الإيرانية. ونظرًا لتكرار التهديدات الإسرائيلية والأمريكية بقصف المنشآت النووية الإيرانية على مر السنين؛ فسيكون من الأسلم أن نفترض بأن إيران قد قامت بتركيب أنظمة دفاع أرض جو لحماية بنيتها التحتية النووية. ولذلك؛ ستكون هناك حاجة إلى حملة جوية لتدمير الدفاعات الجوية الإيرانية، قبل أن تستطيع القاذفات الإسرائيلية مهاجمة مقرات البرنامج النووي الإيراني.
وحتى لو كانت حملة القصف الأمريكي أو الإسرائيلي فعالة، فسيكون من الضروري تكررارها كل بضع سنوات لمنع إيران من تطوير سلاح نووي؛ وهو ما سيؤدي للدخول في لعبة غير منتهية.
وبالتالي؛ سيكون أي هجوم على البنية التحتية النووية الإيرانية بداية لحرب طويلة ومكلفة أخرى في الشرق الأوسط. وفي أحسن الأحوال، لن يؤدي الهجوم إلا لتأخير برنامج إيران بضع سنوات، من دون أن يكون من الممكن التحقق من عمل أي منشآت سرية جديدة. وفي المقابل، يسمح الاتفاق الحالي للمجتمع الدولي بمراقبة صارمة، وتفتيش، والتحقق من أن برنامج إيران النووي هو لأغراض سلمية فقط. وينبغي أن يكون العمل العسكري هو الملاذ الأخير، وليس البديل المفضل. وينبغي إعطاء الصفقة مع إيران فرصة للعمل. وإذا لم يكن لدى بولتون القدرة على وقف دعواته لتوجيه ضربات عسكرية ضد إيران؛ فيجب أن يكون لدى الكونغرس على الأقل القدرة لتجاهله.
التقرير