مع استمرار التصعيد العسكري واصرار صانع القرار السياسي في ايران في الرد على عملية اغتيال لاسماعيل هنية، ولأنّ جميع الإدارات الأميركية المتعاقبة وخاصة منذ عهد الرئيس جونسون، ترى أنّ أمن إسرائيل جزء لا يتجزأ من أمنها القومي ، فقد كان من الطبيعي أن تقوم إدارة بايدن بالدفع بمختلف صنوفها العسكرية نحو الشرق الأوسط، فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية نشر مجموعة من مقاتلات F-22 في منطقة الشرق الأوسط، وأكّد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن لنظيره الإسرائيلي يؤاف غالانت التزام بلاده الدفاع عن إسرائيل.
كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” في بيان، الأحد الفائت، أن وزير الدفاع، لويد أوستن، أمر بإرسال غواصة صواريخ موجهة إلى الشرق الأوسط، وتسريع وصول مجموعة حاملة طائرات هجومية إلى المنطقة، قبل هجوم إيراني متوقع ضد إسرائيل. وبحسب البحرية الأمريكية، كانت الغواصة “يو. إس. إس. جورجيا”، التي تعمل بالطاقة النووية والمسلحة بصواريخ كروز، تعمل في البحر الأبيض المتوسط بالأيام الأخيرة، بعد أن أكملت للتو تدريبات قرب إيطاليا.
كما أمر وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستون أمر أيضا مجموعة حاملة الطائرات الهجومية “يو. إس. إس. أبراهام لينكولن” بالوصول سريعا إلى الشرق الأوسط. وكان وزير الدفاع أمر مجموعة حاملة الطائرات لينكولن بالتوجه إلى الشرق الأوسط في 2 أغسطس/آب الجاري، لكن سفنها قامت بزيارات لموانئ في غوام وسايبان على طول الطريق، بحسب البحرية الأمريكية. وفي بيان أصدرته كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا في بيان مشترك مساء اليوم الاثنين، أبدت دعمها في الدفاع عن إسرائيل ضد أي هجوم إيراني أو جماعات مدعومة من طهران. فهل هذه الحشود والبيانات السياسية تجعل صانع القرار السياسي في ايران يعيد حساباته بشأن الرد المباشر على اسرائيل؟
رغم الجهود الدولية المحمومة التي احتوت تداعيات الهجوم الإيراني، المحدود والمحسوب، وغير المسبوق على إسرائيل،قبل عدة أشهر، إلا أن هذا الهجوم الذي أسقط الخطوط الحمراء في العلاقة المتوترة بين تل أبيب وطهران، كان له ما بعده في هذه العلاقة، بل على قواعد الاشتباك بين طهران، ووكلائها، وإسرائيل، وسط توقعات باستمرار حروب الاغتيالات، والعمليات السرية، التي كانت سمة العداء الواضح بين الطرفين، على مدى العقود الماضية، وحتى حدوث الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وأسفر عن مصرع 5 من قيادات الحرس الثوري، وهو ما فتح الطريق إلى تصعيد إيراني للرد على هذه العملية. لكن الرد على اغتيال إسماعيل هنيه، قد يكون مختلفًا وحساباته مختلفة؟
فصناع القرار في طهران يدركون أن حربا شاملة ستهدد في الداخل الإيراني ليس فقط المنشآت النووية، بل أيضا استقرار النظام السياسي في إيران الذي يواجه صعوبات اقتصادية واجتماعية وسياسية جمة. لاسيما إذا تحولت السياسة الدفاعية عن إسرائيل إلى سياسة هجومية ضد أهداف في العمق الإيراني. فإيران قد تضطر للتراجع عن الرد لتجنب الهجوم الأمريكي الأوروبي المدمر.
وفي الواقع هي كحرب ليس من مصلحة إيران وإسرائيل والغرب الأوروبي والأمريكي، لماذا فقد كان -ولا يزال- هدف الاستراتيجي العريض لصانع القرار السياسي في إيران هو مناوئة إسرائيل في الشرق الأوسط دون التورط في صراع مفتوح أو حرب شاملة. وفي المقابل وبالنسبة للغرب الأمريكي والأوروبي يرى في إيران دولة ذات قوة نسبية يخدمها ويخدم إسرائيل لانه يُبرر مبيعات السلاح الضخمة لدول الخليج العربي، ويخلق عدو غير إسرائيل بل بالعكس تتعاون دول الخليج استراتيجيا وأمنيا مع إسرائيل لردع قوة إيران. وبذلك تبلع الدول العربية ُطعم لذيذ في الصباح والمساء.
وحدة الدراسات الإقليمية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية