تشير التداعيات الاقتصادية الناجمة عن ثنائية تفشي فيروس كورونا وصدمة أسعار النفط إلى أن دول العالم ربما تكون على موعد مع صدمة أكبر خلال العام الحالي، حيث تنذر بأزمة عالمية على خلفية خطيرة غارقة في الديون المتصاعدة، سواء على مستوى الحكومات أو الشركات، وأيضاً الأسر والأفراد.
ويشعر محللون بالقلق الشديد من تأثير التداعيات الأخيرة، إذا استمر انتشار الفيروس، على تعثر الحكومات والشركات حول العالم عن سداد مديونياتها التي وصلت إلى مستويات قياسية.
وفي الوقت الذي يثير فيروس كورونا احتمالات كبيرة بحدوث أزمة ائتمانية وسط عالم من معدلات الفائدة المنخفضة والسلبية، أبدى صنّاع السياسات المالية في الدول الكبرى استعدادهم للسعي من أجل استجابة مالية ونقدية نشطة للاضطرابات الناجمة عن الفيروس. ومع ذلك، ينطوي هذا النشاط من جانب السياسة الاقتصادية على مخاطر طويلة الأجل، تتمثل في تفاقم الديون الخطيرة المتراكمة التي يواجهها العالم حالياً.
مستوى قياسي
وفي يناير(كانون الثاني) الماضي وقبل تفشي كورونا، ذكر معهد التمويل الدولي أن نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بلغت أعلى مستوى على الإطلاق بأكثر من 322 في المئة، في الربع الثالث من عام 2019، حيث بلغ إجمالي الديون نحو 253 تريليون دولار، ويأتي مدفوعاً بارتفاع قدره 7.5 تريليون دولار في النصف الأول من العام الذي لم يُظهر مؤشرات على التباطؤ.
وإذا حُسِب نصيب الفرد من سكان الكرة الأرضية البالغ عددهم أكثر من 7.7 مليار نسمة، فإن نصيب الفرد من إجمالي حجم الدين العالمي سيتخطى 32 ألف دولار أميركي، وهو رقم قياسي مقارنةً بالأرقام السابقة.
كما أفادت بيانات معهد التمويل الدولي، التي تستند إلى أرقام بنك التسويات الدولية وصندوق النقد الدولي وكذلك أرقام المعهد الخاصة، بأن حجم الدين خارج القطاع المالي يتجاوز حالياً 240 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم البالغ 190 تريليون دولار.
ووفق حسابات أجرتها تحليلات منفصلة صادرة عن بنك أوف أميركا “ميريل لينش”، فإنه منذ انهيار بنك الاستثمار الأميركي “ليمان براذرز”، اقترضت الحكومات 30 تريليون دولار، وحصلت الشركات على 25 تريليون دولار، في حين اقترضت الأسر 9 تريليونات دولار، كما حصلت البنوك على تريليوني دولار.
وفي تقرير حديث، حذّرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أوسيد) من زيادة سندات الشركات ذات الجودة الائتمانية المنخفضة، كونها تعطي إشارة مستقبلية على ارتفاع حالات التعثر عن سداد الديون.
ووفق التقرير، فإن الشركات غير المالية اقترضت 2.1 تريليون دولار إضافية في هيئة سندات الشركات، بعد العودة إلى سياسات نقدية تيسيرية أكثر منذ بداية العام الماضي. ويعتبر المبلغ المقترض في العام السابق من الشركات بمثابة انعكاس واضح لتراجع إصدار سندات الشركات خلال عام 2018.
ووصل بذلك تراكم ديون السندات إلى أعلى مستوى في تاريخه عند 13.5 تريليون دولار في نهاية 2019، أي ضعف المستوى بالقيمة الحقيقية مقارنة بشهر ديسمبر (كانون الأول) 2008.
ومن المحتمل أن يؤدي هذا التراكم الهائل لديون الشركات ذات الجودة المتدنية بشكل متزايد إلى تفاقم الركود المقبل.
ولفت التقرير إلى أن ديناميكيات سندات الشركات المصدرة اليوم تغيّرت كذلك. وعند المقارنة مع الدورات الائتمانية السابقة، فإن سندات الشركات المصدرة أصبحت ذات جودة ائتمانية منخفضة بشكل عام مع آجال سداد أطول.
المنظمة أوضحت أن هذه الخصائص قد تزيد من الآثار السلبية التي قد يخلفها الاتجاه الهبوطي في النشاط الاقتصادي على قطاع الشركات غير المالية، وعلى الاقتصاد بشكل عام.
أونكتاد: عقد جديد من الديون
وبحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) الصادر هذا الأسبوع حول فيروس كورونا وأثره في الاقتصاد العالمي، وهو الرابع من نوعه منذ 4 مارس (آذار) الحالي، فإن مزيجاً من تفاقم ضائقة الديون وانكماش أسعار الأصول، وضعف الطلب الكلي، وتدهور توزيع الدخل، يمكن أن يؤدي إلى دوامة هبوطية أكثر شراسة.
ولم تستبعد المنظمة الأممية حصول إفلاس واسع النطاق، وربما “لحظة مينسكي” أخرى، أي انهيار مفاجئ وكبير لقيم الأصول، من شأنه أن يمثل نهاية مرحلة النمو في دورة أسواق الائتمان أو النشاط التجاري.
و”لحظة مينسكي” تعود إلى الاقتصادي الأميركي “هيمان مينسكي” المتوفى في عام 1996، وتشير باختصار إلى الانهيار الكبير المفاجئ في قيم الأصول نتيجة الانخفاض الحاد والمباغت الذي تشهده معنويات السوق وبالتبعية الإنتاجية الاقتصادية، بعد فترة طويلة من التفاؤل والاستقرار.
وفي مؤتمر صحافي عُقد أخيراً في جنيف، قال ريتشارد كوزيل-رايت، رئيس قسم العولمة والاستراتيجيات التنموية بالأونكتاد، “في سبتمبر (أيلول) الماضي كنا نتفحّص أي صدمات محتملة تلوح في الأفق نظراً للهشاشة المالية التي ظلت من دون معالجة منذ أزمة عام 2008 واستمرار ضعف الطلب… إلا أن أحداً لم يتوقع ما يحدث الآن، ورغم ذلك فالقصة الأكبر هي وجود عقد من الديون والوهم وانجراف السياسات”.
وأضاف “في حين أن الانفجار الأخير لديون الشركات، التي كان معظمها منخفض الجودة الائتمانية، يشكل الخطر الأكثر إلحاحاً في الاقتصادات المتقدمة، فإن الدول النامية تواجه مجموعة من نقاط الضعف المالية والديون سريعة التعمق، وهي أمور لا تبشّر الدول النامية بالخير في قدرتها على تحمل صدمة خارجية أخرى”.
ويوضح كوزول رايت “أصبحت الصين مصدراً حاسماً كمقرض طويل الأجل للدول النامية، حيث زادت قروضها المقدمة إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات الحدودية بمقدار عشرة أضعاف – من 40 مليار دولار في 2008 إلى 400 مليار دولار في 2017- مع ذلك، قد تتأثر الدول المتلقّية في المستقبل إذا ثبت أن صدمة كورونا للاقتصاد الصيني لها عواقب طويلة الأمد”.
ثنائية النفط وكورونا
ومن جهتها، قالت وكالة التصنيف الائتماني “فيتش” إن التأثير المزدوج لفيروس كورونا وصدمة أسعار النفط سيؤدي إلى الضغط على بعض أساسيات الديون السيادية، وربما التصنيفات.
وأوضحت أن الآثار الاقتصادية لصدمة النفط ربما تدوم لفترة أطول من كورونا، ومع ذلك من المحتمل أن تستمر بعض الآثار الاقتصادية للفيروس، بخاصة في قطاعات مثل السفر والسياحة، مضيفة أنه في الأسواق المتقدمة سيكون لصدمة النفط والفيروس تأثير على النمو والاستجابات المالية والنقدية، في حين تواجه الأسواق الناشئة مخاطر إضافية تتعلق بإيرادات تصدير السلع وتدفقات رأس المال وضغوط سعر الصرف.
اندبندت عربي