الباحثة شذى خليل*
يتأثر المشهد الاقتصادي العراقي بشكل كبير بعلاقاته التجارية، حيث تبرز تركيا كشريك محوري. في النصف الأول من عام 2024، أصبح العراق أكبر مستورد للمنتجات الغذائية التركية، حيث يمثل 14٪ من إجمالي صادرات تركيا الغذائية، بقيمة 1.6 مليار دولار. هذه العلاقة، على الرغم من أنها مفيدة في نواح كثيرة، تفرض العديد من التحديات الاقتصادية والمعضلات الاستراتيجية للعراق. يتعمق هذا المقال في ديناميكيات العلاقات التجارية بين العراق وتركيا، والآثار الاقتصادية المترتبة على اعتماد العراق الشديد على الواردات التركية، والتأثير المحتمل للتغييرات السياسية الأخيرة.
الواردات الرئيسية والتداعيات الاقتصادية
في النصف الأول من عام 2024، شملت واردات العراق من تركيا:
الدقيق: 238 مليون دولار
لحوم الدواجن: 185 مليون دولار
البسكويت المحلي: 143 مليون دولار
العدس: 111 مليون دولار
المعجنات: 72 مليون دولار
بيض المائدة: 58 مليون دولار
فواكه متنوعة: 58 مليون دولار
لقد عزز البناء الاستراتيجي للسدود في تركيا إنتاجها الزراعي، مما سمح لها بالهيمنة على سوق استيراد الأغذية في العراق. إن هذا الاعتماد على المنتجات الزراعية التركية يضع العراق في موقف ضعيف اقتصاديًا وسياسيًا. إن الحصة الكبيرة من المنتجات الغذائية التركية في سوق العراق تؤكد على الترابط المتبادل الحاسم: فبينما تستفيد تركيا من سوق تصدير ثابتة، يعتمد العراق بشكل كبير على هذه الواردات لتلبية احتياجاته الغذائية.
سياسات المياه والاعتماد الزراعي
إن المياه هي أحد الجوانب الحاسمة لهذه العلاقة. إن سيطرة تركيا على موارد المياه من خلال مشاريع السدود تشكل نقطة ضغط استراتيجية. السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن للعراق التفاوض على إطلاق المياه عندما يعتمد إلى هذا الحد على الواردات الغذائية التركية؟ من المحتمل أن تستخدم تركيا المياه كورقة مساومة، مما يؤدي إلى تفاقم مشاكل العراق الزراعية والمائية لزيادة اعتماده على السلع التركية. ويؤكد هذا السيناريو على الحاجة إلى تنويع العراق لمصادر وارداته وتعزيز الإنتاج الزراعي المحلي.
التعريفة الجمركية والإنتاج المحلي
في محاولة لحماية وتحفيز الإنتاج المحلي، رفعت الحكومة العراقية التعريفة الجمركية على الدقيق المستورد، اعتبارًا من 1 سبتمبر 2024. ومن المتوقع أن تواجه هذه السياسة، على الرغم من أنها سليمة اقتصاديًا، معارضة كبيرة. ومن المرجح أن تنتقد القنوات الإعلامية والمؤثرين زيادة التعريفة، مشيرين إلى تأثيرها على أسعار الخبز والمواطن العادي. قد يكون الدافع الحقيقي وراء هذا الانتقاد هو الضغط على الحكومة لإلغاء التعريفة، وبالتالي الحفاظ على اعتماد العراق على الواردات التركية.
يعتمد نجاح سياسة التعريفة هذه إلى حد كبير على إنفاذها عبر جميع نقاط الدخول، بما في ذلك إقليم كردستان. تاريخيا، كانت موانئ كردستان بمثابة بوابات للسلع المهربة، مما يشكل تحديا كبيرا لتنفيذ السياسات. وإذا سُمح للسلع التركية بالدخول إلى العراق تحت ستار المنتجات المصنعة محليا في كردستان، فإن فعالية التعريفة الجمركية سوف تتقوض بشدة.
العلاقات التجارية المستقبلية
يتوقف مستقبل العلاقات التجارية بين العراق وتركيا على عدة عوامل:
التنفيذ الفعال للتعريفات الجمركية في جميع الموانئ
قدرة العراق على الحد من الاعتماد على الواردات التركية من خلال تعزيز الإنتاج المحلي
المفاوضات الاستراتيجية لضمان التوزيع العادل للمياه
الخلاصة
يسلط موقف العراق باعتباره أكبر مستورد للمنتجات الغذائية التركية الضوء على علاقة اقتصادية معقدة ومترابطة. وفي حين تهدف سياسة التعريفة الجمركية الأخيرة للحكومة العراقية إلى حماية الإنتاج المحلي، فإن نجاحها سوف يعتمد على التنفيذ الصارم والتغلب على الضغوط السياسية والإعلامية. وسوف تكون الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان العراق قادرا على التغلب على هذه التحديات والتحرك نحو نموذج اقتصادي أكثر اكتفاء ذاتيا.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستلراتيجية