“ليست لديهم أسرّة ولا يجرؤون على الذهاب إلى العمل، لكن هذا لا يزعجهم في مواصلة الأكاذيب عن إيران”، بهذه الكلمات هاجم الرئيس الإيراني حسن روحاني عرض المساعدة الذي طرحته الولايات المتحدة هذا الأسبوع لبلاده إزاء وباء كورونا. قائد حرس الثورة، حسين سلامي، رفض باستهزاء العرض، وأضاف: “إذا كانوا بحاجة إلى مساعدة فنحن مستعدون لمساعدتهم. ولكننا لا نحتاج إلى مساعدة الولايات المتحدة”. المساعدة لا، لكن إيران تطالب برفع العقوبات الأمريكية عنها، وهي ليست الوحيدة التي تطلب ذلك.
أعضاء بارزون في الكونغرس، مثل السناتور الديمقراطي جارد هوفمان والسناتور بيرني ساندرز الذي يتنافس في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية على الرئاسة، وعضو مجلس النواب بيتر وولتش، وعشرات الأعضاء من المجلس.. بادروا إلى تقديم طلب للرئيس دونالد ترامب حثوه فيه على استغلال الفرصة وإظهار الشفقة وتخفيف سياسة العقوبات وحتى إرسال مساعدة مباشرة من المعدات والأموال للمواطنين الإيرانيين.
صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت مقالاً لهيئة التحرير برزت فيه جهود محاولة لأن يكونوا متوازنين، ودعوا فيه الرئيس والإدارة إلى اتخاذ سياسة خارجية حكيمة تتضمن تخفيف العقوبات وإظهار الشفقة تجاه إيران – التي تضررت بصورة شديدة من كورونا– لأن هذه السياسة “يمكنها أن تحقق لترامب أهدافه”. وكتب أيضاً في المقال بأن “الأزمة يجب معالجتها كفرصة”، واقترح في المقال إرسال مساعدة إلى إيران أو على الأقل عدم معارضة طلب الحصول على قرض قدمته إيران لصندوق النقد الدولي بمبلغ 5 مليارات دولار.
حسب صحيفة “التايمز” فإن بادرة حسن النية هذه قد تؤدي إلى إطلاق سراح سجناء أمريكيين محتجزين في السجون الإيرانية، وربما حتى وضع أساس لمفاوضات أيضاً حول الاتفاق النووي. ولكن حتى لو كان هذا التنبؤ المتفائل لن يتحقق، فتعتقد هيئة تحرير الصحيفة بأن الولايات المتحدة ستعرض كدولة إنسانية تعرف كيفية التسامي في أوقات الأزمة فوق الاعتبارات السياسية والسياساتية.
يصعب معرفة ما الذي يؤثر على الرئيس ترامب؛ هل هم أعضاء الكونغرس ومنهم أعضاء من حزبه الذين يدفعونه للتصرف خلافاً لطبيعته ويظهر الوجه الإنساني الذي قد يكون مخبأ فيه؛ أو أنها مقالات وسائل الإعلام التي تهاجمه لأنه وجد في الشهر الماضي أنه من الصحيح فرض عقوبات جديدة على إيران. وربما تكون التقديرات التي يسمعها من مستشاريه الذين يعتقد عدد منهم أنه إذا كان يؤمن بالحوار مع النظام الإيراني فيفضل أن يقترح أي جزرة معينة، وأن بادرة حسن نية أمريكية في هذا الوقت لن تعتبر تراجعاً أو علامة ضعف، بل قد تفيد الولايات المتحدة.
ليست مسألة إنسانية فحسب
يبدو أن مواقف عدد من مستشاري الرئيس الأمريكي تتفق مع مواقف الرئيس الإيراني. شرح روحاني هذا الأسبوع بأنه “يجب على العالم التعاون مع في الحرب ضد كورونا… لأنه إذا أصيبت عشر دول بالفيروس، في حين أن الحرب ضده تجري فقط في تسع دول منها، أي ببقاء دولة في الخارج، فهذا لن يجدي؛ لأن الفيروس لا يعرف الحدود. الوثائق التي تعرض على الرئيس ترامب تشير إلى أن انتشار المرض في إيران قد يمس بالقوات الأمريكية المتواجدة في العراق، وبحلفاء الولايات المتحدة مثل دولة الإمارات وقطر والكويت. هكذا، فإن جهود صد المرض في إيران ليست مسألة إنسانية فحسب، بل هي أيضاً مسألة تمس بالأمن القومي للولايات المتحدة.
مد روحاني طرف خيط لواشنطن على أمل أن يكون هناك من يمسك به عندما قال “هذا هو الوقت الذي عليهم أن يعتذروا فيه عن أفعالهم الشريرة ضد الأمة الإيرانية… دائماً عملوا ضد الشعب الإيراني، لكن الآن كراهيتهم ظاهرة أكثر”. هذه الصياغة التي لم يشر فيها روحاني إلى الشرط الدائم الذي -بحسبه- يقتضي أي حوار مع الولايات الامتحدة في البداية رفع العقوبات، تفسره إيران كتليين للخط المتشدد واستعداد لتليين شروط إيران للمفاوضات، نتيجة الضربة الشديدة التي تسبب بها وباء كورونا. حسب المعطيات الرسمية التي يصعب معرفة مدى موثوقيتها، فإن عدد الوفيات بسبب الفيروس تجاوز 3 آلاف شخص، وعشرات آلاف المصابين يملأون المستشفيات التي تتفجر من نقص الأسرة والطواقم الطبية.
هذه النداءات والضغوط لم تؤد إلى تحول جوهري في سياسة واشنطن، لكن شرخاً ضيقاً، مع كل ذلك، فتح. وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الشخص الذي يرفع راية “الضغط بالحد الأقصى على إيران” – مثلما اعتاد ترامب تسمية سياسته– ويعتبر القيادة الإيرانية عصابة من المخادعين المؤيدين للإرهاب، قال في هذا الأسبوع إنه مستعد لفحص تقديم تسهيلات في العقوبات لأسباب إنسانية. لم يفصّل بومبيو متى وما هو نوع هذه التسهيلات، وسارع إلى الإضافة بأن العقوبات لا تسري على منتجات المواد الغذائية الأساسية والأدوية، أي أنه لا يوجد أي سبب حقيقي لتخفيف العقوبات، ولكن مجرد قوله هذا يعتبر تجديداً حقيقياً في خطاب الإدارة، وإن لم يرافقها فعل حقيقي.
في هذه الأثناء سجلت دول الاتحاد الأوروبي وإيران لنفسها نجاحاً أولياً في استخدام نظام التمويل الذي يلتف على العقوبات والذي أقاموه في كانون الثاني 2019، ولم ينطلق حتى الآن. صفقة أولى من الأدوية من ألمانيا تجاوزت حاجز الخوف، والإرسالية الأولى هبطت في إيران. ومن غير الواضح إذا ما كان هذا النجاح يشير إلى قدوم المطر التجاري الذي أملته الدول الأوروبية، لكنه الآن يثير قلق واشنطن.
أقامت دول الاتحاد الأوروبي صندوقاً خاصاً لتفعيل هذا النظام. الطريقة التي سيعمل بحسبها تشمل تخصيص تمويل لصفقة أمام المنتج أو المصدر الأوروبي، وخصم ثمنها من التصدير الإيراني إلى أوروبا، وبعد ذلك تجري إيران الحساب مع المصدر الإيراني بواسطة نظام مواز قامت بإنشائه. هكذا سيتم تجاوز الحاجة إلى استخدام الدولار أو التحويلات البنكية الخاضعة للعقوبات. التقدير هو أنه في الفترة القريبة القادمة سيتم استخدام النظام في الأساس لتوفير سلع إنسانية لإيران.. وهكذا تستطيع الدول الأوروبية أن تخفف الانتقاد والتهديدات التي ستأتي من الولايات المتحدة.
انتقاد حرس الثورة
لا يوجد خلاف على أنه رغم التبجح الإيراني بالقدرة على صد وباء كورونا، إلا أن وضعها الاقتصادي والخدمات الصحية على شفا الانهيار، فثمة نقص شديد في المعدات الأساسية مثل الكمامات وأجهزة التنفس الاصطناعي والقفازات وحتى مواد التعقيم. في عدد من المستشفيات تم الإبلاغ عن أن الطواقم الطبية اضطرت إلى استخدام كمامات سبق استخدامها، الأمر الذي يشكل خطراً على حياتهم. على الأقل 55 طبيباً وأعضاء من الطواقم الطبية ماتوا حتى الآن، وفي المناطق الريفية لا يوجد ما يكفي من الأسرة، وغرف الحجر والأدوية الضرورية آخذة في النفاد بوتيرة كبيرة.
بعد التأخر لفترة طويلة عن اتخاذ خطوات العزل والإغلاق، فرضت إيران قيوداً متشددة على الحركة بين المدن وفيها، وتسمح فقط بفتح البقالات والصيدليات ومحلات البيطرة والمخابز، أما السوبرماركت والمقاهي والمطاعم وبرك السباحة والحدائق العامة فقد أغلقت. ويضع حرس الثورة خدماته الطبية تحت تصرف السلطات المدنية.
في الوقت نفسه تسمع في الشبكات الاجتماعية انتقادات شديدة على تصرفات حرس الثورة في كل ما يتعلق بتوزيع المعدات والأدوية، التي تذهب بالدرجة الأولى للنخب وأعضاء البرلمان، في حين أن على الجمهور الواسع الاكتفاء بقطع القماش لتغطية الوجه. إيران أيضاً أطلقت سراح نحو 93 ألف سجين لفترة ستستمر حتى 19 نيسان، وبعد ذلك سيعودون إلى السجن بعد فحصهم. إيران التي أعلنت في بداية الأزمة بأنها تعمل على تطوير لقاح ضد الفيروس اعترفت بأنها حتى الآن لم تنجح في جهودها وبأنها تستورد الآن لقاحاً غير مثبت من الصين، من أجل إنتاجه بنفسها.
يصعب قياس درجة الالتزام في أوساط الجمهور بتعليمات البعد الاجتماعي التي فرضت في هذا الأسبوع. ولكن الرئيس روحاني أثنى على التضامن الذي يظهره مواطنوا الدولة. في موقع وكالة الأنباء الإيرانية “آي.آر.ان.ايه” نُشرت صور جميلة لحدائق عامة فارغة وملعب لكرة القدم في أحد الأحياء لا يظهر فيه سوى قط يسير. “لا نطبق نموذج الصين”، أوضح روحاني، وأضاف: “السياسة الاجتماعية في الصين تناسب الصينيين، ولكنها لا تناسب إيران”.
ولكن أقواله سوغت عدم فرض الإغلاق على المدن والأحياء المصابة، لا تهدئ انتقاد الطريقة التي عمل فيها النظام في بداية الأزمة. تذمر شديد سمع أيضاً ضد الخطة الاقتصادية التي اقترحها النظام لمساعدة المصانع والمواطنين. “على الرغم من العقوبات، خصصنا 10 مليارات دولار لمساعدة المحتاجين”، قال روحاني. ولكن بالنسبة للأضرار الاقتصادية الكبيرة فإن هذا المبلغ ضئيل، وشروط توزيعه غامضة.
ضائقة إيران الشديدة تخدم بشكل جيد عدداً من مستشاري الرئيس ترامب، الذين يعتقدون بأن كورونا سيجعل إيران تركع وتوافق على إجراء مفاوضات بالشروط التي تمليها الولايات المتحدة. هذه هي النظرية نفسها التي استندت إليها العقوبات، والتي بحسبها سيؤدي الضغط إلى عصيان مدني أو إلى تراجع في موقف إيران من أجل ضمان استمرار بقاء النظام. ليس هذا هو ما يعتقده الجنرال كينت ماكنزي، قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي، الذي قال في جلسة استماع في لجنة القوات المسلحة لمجلس الشيوخ قبل أسبوعين بأن “القيادة الإيرانية منقسمة الآن، وهي تجد صعوبة في علاج بضعة مواضيع. وقد يكونون أكثر خطورة الآن في كل ما يتعلق باتخاذ القرارات”.
ماكنزي قصد،كما يبدو، استعداد إيران للعمل عن طريق أذرعها في العراق ضد أهداف أمريكية وأهداف في دول الخليج. هل يعني تفسير تحذير الجنرال أنه يجب على الولايات المتحدة إيجاد مسار دبلوماسي مع إيران أو أن عليها زيادة التهديد؟ علينا أن ننتظر مقربي ترامب في “فوكس نيوز” لمعرفة سلوك الإدارة الأمريكية القادم.
القدس العربي