إحدى الإيجابيات التي أنتجتها أزمة فايروس كورونا الذي اكتسح العالم دون تفريق لأسباب دينية أو حضارية -إن كان هناك لهذه الكارثة الإنسانية من إيجابية- أنها وحدت المجتمع الدولي لمواجهتها والحدّ من تفشيها ودفعت دول العالم، إلى التقارب والتعاطف ليس فقط بين أفراد المجتمعات ولكن حتى بين السياسيين فوجدنا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لا يزال مصرا على اتهام الصين بأنها سبب الأزمة الكونية، يتواصل مع الرئيس الصيني شي جين بينغ من أجل التعاون لإيجاد مخرج للأزمة.
في المقابل فإن الأزمة كشفت عن العديد من المواقف التي تدعو إلى الخجل والصدمة وصلت إلى درجة أن هناك من رفض تصديق أن يكون بعض السياسيين “أنانيين” إلى درجة أنهم لا يهتمون إلا بنجاة الأنظمة التي ينتمون إليها على حساب الآخرين، وهذا الآخر ليس شعوب الدول الأخرى بل شعوب دولتهم هذا حصل في طريقة إدارة النظام الإيراني للأزمة منذ بدايتها، عندما فضل استخدام أسلوب التعتيم الإعلامي وإنكار وجود إصابات، إلى أن وجد نفسه أمام كارثة تهدد استقراره.
بينت أزمة كورونا أن نظام الملالي لم يكن فقط يعيش فجوة كبيرة بينه وبين مطالب الشعب التي عبر عنها الإيرانيون في أكثر من احتجاج، وإنما أكدت أن هذا النظام في واد والإنسانية كاملة في واد آخر، لأن كل السياسات التي اتخذها في التعامل مع الأزمة كانت معنية باستقرار النظام أكثر من مواجهة الأزمة التي دمرت الإنسان الإيراني قبل العربي وقبل الأوروبي. ففرنسا على سبيل المثال من الدول التي تأثرت -كما دول الخليج- من العائدين من إيران الذين ذهبوا من أجل السياحة الدينية، وقد تمثلت تلك الإجراءات في تأخير الإعلان عن الإصابات إلا بعد أن ظهرت حالات كثيرة قادمة من إيران.
حتى قبل هذه الأزمة كنا في دول الخليج العربي نقنع أنفسنا بأن النظام الإيراني يتعامل مع جواره العربي وفق “منطق الثورة”، وبالتالي فإن الحرس الثوري وقائد فيلق القدس، هو من يدير ملفات المنطقة ولا يقبل منطق التفاهم مع هذه الدول، في المقابل أن الدول الغربية بما فيها الدول الأوروبية “المتسامحة” دائما مع النظام الإيراني تتعامل بمنطق “الدولة” ووزير الخارجية هو المسؤول عن التفاهم معها بمنطق التكافؤ السياسي، إلى أن جاءت أزمة فايروس كورونا فكشفت مدى هشاشة ذلك المنطق وأن الجميع في “السلة السياسية الإيرانية” واحد إذا كان الخطر يهدد استقرار النظام.
لا صوت يعلو فوق صوت استمرار الملالي في الحكم، ولهذا لاحظنا إعادة تدوير نظرية المؤامرة بدلا من التفكير في إيجاد حل لمواجهة الأزمة، وبدأنا نسمع الأسطوانة المشروخة في أن المتسبب في هذه الأزمة هو “الشيطان الأكبر” الذي صنع هذا الفايروس خصيصا ضد إيران.
هذه الطريقة في إدارة الأزمة لا بد لها أن تدفعنا إلى محاولة تفسير ما يمكن أن تسير إليه الأمور في تعامل إيران مع دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بشأن إيقاف الحروب في العالم من أجل إعطاء الفرصة للحكومات للتركيز على مواجهة أزمة كورونا، فمع أن هذه الدعوة لاقت ارتياحا كبيرا من دول العالم وبادرت دول التحالف العربي إلى الإعلان عن هدنة لمدة أسبوعين في حربها على “الحوثيين” الذراع الإيرانية في اليمن، إلا أن الأمر يبدو أنه موضع شك في منطق سياسيي إيران الذين يعتبرون كل محاولة تهدئة عالمية فرصة لربح الوقت من أجل إعادة ترتيب أوراقها التخريبية في المنطقة.
وبنظرة سريعة على مناطق الأزمات والتوترات في العالم، سنجدها متركزة على منطقتنا العربية بشكل خاص، ولو أردنا أن نوسع دائرة المناطق الساخنة سنجدها في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والطرف الرئيسي أو العامل المشترك في كل تلك الأزمات هو وجود إيران فيها، سواء بطريقة مباشرة أو من خلال الأذرع السياسية والأمنية التابعة لها.
العرب