عراقيون يكسرون حظر التجوال ويصطدمون برجال الشرطة بحثا عن عمل

عراقيون يكسرون حظر التجوال ويصطدمون برجال الشرطة بحثا عن عمل

بغداد – أظهرت قرارات رسمية لمواجهة جائحة كورونا في العراق، مقدار الانقطاع الكبير بين الطبقة الحاكمة والشارع، وكشفت عن مقدار اللامبالاة الذي يحكم علاقة أحزاب السلطة بالجمهور.

وقررت الحكومة منح إعانة طارئة، للعاملين المياومين الذين قطعت إجراءات الإغلاق العام بسبب تفشي وباء كورونا، أرزاقهم، بقيمة نحو 25 دولارا لكل منهم شهريا.

ولا يكفي هذا المبلغ لسداد قيمة وجبة غداء لشخص واحد في أحد مطاعم منطقة المنصور أو الربيعي أو الكرادة.

ويبلغ سعر رغيف الخبز في بغداد نحو 20 سنتا، ما يعني أن منحة الحكومة العراقية تضمن توفير أربعة أرغفة من الخبز فقط، للفرد الواحد، خلال اليوم، من دون أن تكون لديه القدرة على شراء أي شيء آخر.

وأثار هذا القرار موجة من السخرية في وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه وضع في سياق ما يتوقعه الجمهور من حكومة سلمت قرارها للميليشيات الموالية لطهران.

وأشاع تخصيص نحو 25 دولارا لكل من هؤلاء، أجواء من الكوميديا السوداء في أوساط المحتاجين، دفعت بعضهم إلى كسر حظر التجوال عنوة للبحث عن عمل، ما أدى إلى مصادمات مع أجهزة الأمن، تسببت في سقوط قتلى، كما حدث في مدينة الناصرية الفقيرة، جنوب البلاد.

ويقول وزير العمل باسم الربيعي إن مسوحات بيانية عاجلة أظهرت أن قرابة 12 مليون عراقي بحاجة إلى إعانة مالية طارئة، بعدما تعذرت عليهم ممارسة أعمالهم بسبب إجراءات حظر التجوال الشامل، التي عطلت معظم القطاعات المهنية والخدمية.

وكشف الربيعي أن وزارته قدمت خطة واعدة لدفع قرابة 100 ألف دينار عراقي، أي نحو 80 دولارا شهريا لنحو مليوني فرد، لا يكادون يجدون قوت يومهم، لكن مجلس الوزراء المستقيل برئاسة عادل عبدالمهدي هبط بالرقم إلى 30 ألف دينار، ما يعادل 25 دولارا.

وتقول الحكومة إن انهيار أسعار النفط بسبب حرب الأسعار العالمية، بالتزامن مع جائحة كورونا التي انخفضت بالطلب إلى معدلات مقلقة، أدى إلى خفض حجم عائداتها من بيع البترول إلى ما دون النصف، خلال مارس الماضي، وهو الأمر الذي يُتوقع تكراره في أبريل الجاري.

ويبيع العراق نحو ثلاثة ملايين و800 ألف برميل نفط يوميا، لكنه سيضطر إلى حذف مليون منها إذا أراد أن يسهم في تعافي أسعار البترول ضمن الخطة الدولية التي تستهدف وقف التداعي في هذا القطاع بسبب تنامي المعروض.

وخلال اجتماع طارئ لمنظمة أوبك+ تقرر تخفيض نحو عشرة ملايين برميل من إجمالي إنتاج النفط في العالم، أي ما يعادل نحو 23 في المئة، على أن يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ مطلع الشهر المقبل. ووفقا لحسابات أوبك فإن على العراق أن يخفض نحو مليون و61 ألف برميل نفط، من إجمالي ناتجه خلال اليوم.

وصممت حكومة عبدالمهدي موازنة البلاد المالية للعام الجاري على توقع بيع كل برميل نفط من حصة العراق السوقية، مقابل 65 دولارا، لكي يتسنى لها جمع قرابة 120 مليار دولار.

وحتى مع هذه التوقعات المتفائلة التي لم تبن على قراءة موضوعية لمستقبل السوق والأسعار، فإن عجز موازنة العام الجاري بلغ نحو 40 مليار دولار. ومع الضربة التي تلقتها أسواق النفط، فإن هذا العجز سيتضاعف لا محالة، في حال استمرت السياسات الاقتصادية الحالية.

وكشفت وثائق رسمية أن حكومة عبدالمهدي وظفت قرابة نصف مليون عراقي، في عدد من دوائر الدولة، بين مطلع أكتوبر من العام الماضي ونهاية يناير من العام الجاري، تحت بند تلبية طلبات المتظاهرين. ولدى التدقيق في أوليات طلبات التعيين، تبين أن عشرات الآلاف منها قدمتها أحزاب متنفذة في الدولة.

وقالت مصادر ونواب في البرلمان إن عبدالمهدي أقر خطط التوظيف بناء على قوائم قدمتها أحزاب وميليشيات، فيما جرى تصديرها للإعلام بوصفها إنجازات حكومية تستهدف تخفيف البطالة في أوساط الشباب.

وقال خبراء إن هذه الخطط التي طبقتها حكومة عبدالمهدي المستقيلة، عمقت جراح العجز في الموازنة العامة، وعززت الترهل الوظيفي الذي يكبل القطاع الحكومي ويحول القطاع العام إلى بقرة حلوب لجمهور الأحزاب الحاكمة، مقابل تفشي الفقر والبطالة في أوساط العامة.

وكان واضحا أن طبقة الموظفين هي التي نجت خلال إجراءات الإغلاق العام، لأن الرواتب الحكومية استمرت في التدفق عليها، مقابل كارثة حلت بأصحاب الأعمال اليومية، الذين وجدوا أنفسهم مسجونين في منازلهم فجأة، دون أدنى قدرة على تحصيل قوت عوائلهم اليومي.

ويقول مراقبون إن أمر العوائل الفقيرة التي تقطعت بها السبل بسبب حظر التجوال، لو ترك للحكومة، لوقعت كارثة لا تقل خطرا عن الموت بسبب فايروس كورونا، لكن التكافل الاجتماعي أنقذ الموقف.

وخلال الأسبوعين الماضيين، وزعت ملايين الحصص الغذائية من أقصى العراق إلى أقصاه، تبرع بها ميسورون وتجار ورجال أعمال، وفي بعض الأحيان بسطاء لديهم رواتب ثابتة.

وعندما حاول الساسة التطفل على حالة التكافل الاجتماعي، من خلال توزيع مواد غذائية وطبية على الفقراء، وتصوير كل ذلك ومحاولة استثماره في الترويج السياسي والإعلامي، سخر منهم الجمهور.

وفي إحدى مناطق شرق بغداد الفقيرة، قاطع الفقراء حملة لتوزيع الأغذية، بعدما شاهدوا صور أحد نواب البرلمان، معلقة على الشاحنات التي تحمل هذه المواد.

وفي وسط بغداد، تحول وزير النفط ثامر الغضبان إلى مادة للسخرية، عندما شاهد السكان لافتات تحمل اسمه على سيارات تابعة للدفاع المدني تقوم بحملة تعفير عامة.

العرب