اعتبر مراقبون، أن صراع القوى الذي ظهر بوضوح في الآونة الأخيرة بين قادة منظمة «حزب العمال الكردستاني» (بي كا كا) المتمركة في جبال «قنديل» شمال العراق، وحزب «الشعوب الديمقراطي» (حزب تركي غالبية أعضائه من الأكراد)، و«عبد الله أوغلان» زعيم العمال الكردستاني المسجون مدى الحياة في جزيرة إمرالي بتركيا، يأتي في إطار البحث عن تعريفات جديدة لشكل العلاقات بين الفاعلين السياسيين الأكراد في تركيا، في ظل استمرار التشبث بالسلاح.
ورأى هؤلاء أن الهجمات الأخيرة لمنظمة «حزب العمال الكردستاني» في تركيا، هي تكتيك من قادة المنظمة في «قنديل»، الذين لا يرغبون في أن يصبح حزب “الشعوب الديمقراطي» فاعلًا مستقلًا، بل يريدونه تابعًا لهم، بحسب تقرير نشرته وكالة الأناضول الإثنين.
كما اعتبروا أن قادة «قنديل»، يتحركون بدافع القلق من أن السياسة الديمقراطية ستدفع بهم إلى المرتبة الثانية، مع الأخذ في عين الاعتبار، عدم إصدارهم أي ما يشير إلى تبنيهم لعملية السلام الداخلي في تركيا.
ولدى دراسة الجدالات بين قادة «قنديل» وحزب «الشعوب الديمقراطي»، التي بدأت قبل الانتخابات العامة الماضية، وزادت حدتها بعدها، نجد أن أي تصريحات إيجابية بخصوص عملية السلام صدرت من «عبد الله أوغلان» أو حزب الشعوب، قوبلت من قبل قادة المنظمة، بتصريحات أو خطوات تنسف الجو الإيجابي لتلك التصريحات.
جدال الأصوات الانتخابية المودعة
في 7 يونيو/ حزيران الماضي، ومع بدء وضوح النتائج النهائية للانتخابات العامة، قال نائب حزب «الشعوب الديمقراطي» عن أنقرة «سري سريا أوندار»: «نعي جيدا حقيقة أن الأصوات الانتخابية التي حصلنا عليها، هي وديعة لدينا، ونقدم ضماناتنا بهذا الخصوص لجميع المواطنين الذين أودعوا أصواتهم لدينا واستأمنونا عليها».
وأثار ذلك التصريح جدال «الأصوات الانتخابية المودعة”، بين حزب «الشعوب الديمقراطي وقادة «قنديل»، وفي اليوم الذي تلى تصريح «أوندار»، وجه «مصطفى قره صو»، أحد قادة «اتحاد المجتمعات الكردية» المعروف اختصارًا بـ (KCK)، (الامتداد المدني لـ بي كا كا)، خلال مشاركته في أحد البرامج التلفزيونية، انتقادات لاذعة لتلك التصريحات، وقال: «لا يوجد شيء اسمه أصوات انتخابية مودعة، وقادة حزب الشعوب الديمقراطي جانبهم الصواب في هذه المسألة.. قد يكون البعض منح صوته للشعوب الديمقراطي، لكي يمكنه من تجاوز العتبة الانتخابية، إلا أن تلك الأصوات لا تعتبر وديعة، لقد دخل حزب الشعوب الديمقراطي الانتخابات بمبادئه التي نالت أصوات الناخبين».
وتبعه في اليوم التالي، تصريح لزعيم حزب الشعوب الديمقراطي «صلاح الدين دميرطاش»، قال فيه: «حزبنا يقدم رسالة مفادها أنه مستمر في الدفاع عن الديمقراطية والسلام والحرية، وحزبنا لم يتخط العتبة الانتخابية بفضل أصوات مودعة.. لقد تجاوز حزبنا العتبة الانتخابية لاستناده إلى قاعدة شعبية قوية، وفي حال تضمنت نسبة 13% التي حصل عليها حزبنا في الانتخابات، أصوات مودعة ولو بنسبة 0.1%، فإننا نمنح تلك الأصوات قدرها.
قالت الرئيسة المشاركة لحزب «الشعوب الديمقراطي»، «فيغان يوكسك داغ»، في تصريحاتها حول تشكيل الحكومة الائتلافية، يوم 16 يونيو/ حزيران الماضي، إن حزبها لم يتلق عروضا من أي حزب آخر، فيما يتعلق بتشكيل الحكومة الائتلافية، إلا أن الباب مفتوح أمام أي طلب للتباحث بهذا الخصوص.
ولقيت تصريحات «يوكسك داغ» ، انتقادات قوية من «دوران قالقان»، أحد قادة «بي كا كا» في «قنديل»، حيث قال خلال مشاركته في أحد البرامج التلفزيونية، إن «مشاركة حزب الشعوب الديمقراطي في تشكيل حكومة ضمن القواعد الحالية، يجعل منه حزب نظام»، مؤكدًا على ضرورة عدم التفكير في تشكيل الحكومة انطلاقًا من الإبقاء على النظام الحالي، وإنما لابد من العمل على إعادة الديمقراطية.
الســلاح
وصرح الرئيس المشارك لحزب «الشعوب الديمقراطي»، «صلاح الدين دميرطاش»، يوم 11 يونيو/ حزيران الماضي، أنه ليس من المفترض توجيه الخطاب إلى حزبه فيما يتعلق بإلقاء السلاح، وأن أوغلان ، يمكنه الدعوة إلى إلقاء السلاح.
وجاء الرد على تصريحات «دميرطاش تلك، من «اتحاد المجتمعات الكردية»، حيث نشر موقع «أيه ان اف» (ANF) الإلكتروني المقرب من الاتحاد، بعد يوم واحد من تصريحات «دميرطاش»، بيانًا جاء فيه «يوجد داخل حزب الشعوب الديمقراطي جماعات متنوعة وأشخاص ذوي آراء مختلفة، يرغبون في إرساء الديمقراطية في تركيا وحل المسألة الكردية.. لذلك فكما أنه ليس بإمكان الحزب إطلاق مثل تلك الدعوة، فإنه من غير الممكن لأوغلان، أن يصدر مثل تلك الدعوة، لأنه معتقل في أميرلي».
وقالت «بسه هوزات»، الرئيسة المشاركة لـ «مجلس اتحاد المجتمعات الكردية»، في مقال نُشر يوم 22 يوليو/ تموز الماضي في صحيفة «أوزكور كوندَم»، إن عدد من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي، انطلت عليهم خدعة حزب «العدالة والتنمية»، وارتكبوا خطأ كبيرًا بالإشارة إلى أن أوغلان هو من يجب أن يعمل على تحقيق ترك السلاح».
اعتبر «برهان كوزو»، كبير مستشاري الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، أن لا دميرطاش» ولا حزب الشعوب» ولا بي كا كا»، يعرفون قيمة عملية السلام.
ورأى «كوزو» أن بي كا كا» غير موحدة، وتضم عدة مجموعات، كل منها يعمل لحساب دولة ما، ولديه أهداف مختلفة.
وفيما يتعلق بحزب الشعوب الديمقراطي»، قال كوزو» إن «دميرطاش» يتصرف كما لو أن حزبه هو الامتداد السياسي لـ «بي كا كا»، مشيرًا إلى أن «دميرطاش»، لم يدين حتى الآن، العمليات الإرهابية التي تقوم بها المنظمة في تركيا، وأنه لم يرغب أبدًا في تحقيق عملية السلام، ولم يكن مخلصًا تجاهها.
وبخصوص «أوغلان»، يرى «كوزو» أن موقفه كان مختلفا، وكان يفكر بشكل أكثر معقولية، إلا أنه تم تحييده بعد الانتخابات.
إرادة «قنديل تتغلب
بدوره يرى «بيرول آقكون»، مدير معهد الفكر الاستراتيجي، أن إرادة القادة في «قنديل» تغلبت على إرادة حزب الشعوب الديمقراطي، قائلًا: إن «دخول الحزب البرلمان التركي وحصوله على أصوات أعلى من التوقعات، أثارت حفيظة قادة قنديل، الذين لا يرغبون في أن يتحول الحزب إلى فاعل مستقل».
ووفقا لـ«آقكون»، فإن ما تشهده تركيا حاليًا ليس فقط توقف في عملية السلام، وإنما هناك أيضا عملية إعادة تعريف للتراتبية وطبيعة العلاقات بين الفاعلين السياسيين الأكراد، في ظل التشبث بالسلاح، معتبرا أن بيئة الصراع والاستقطاب، تضيق المجال أمام الراغبين في العمل السياسي المشروع.
وفيما يتعلق بالعلاقة بين قادة «قنديل» و«أوغلان»، يقول «آقكون» إن قادة «قنديل» يرون أن أوغلان أصبح منفصلا عن التطورات السياسية اليومية، ولا يثقون في خططه، إلا أنهم يتراجعون أمام التأثير الذي لديه على الأكراد.
من جانبه، قال الكاتب الصحفي، «أحمد طاش كتيران»، – العضو في لجنة الحكماء التي تأسست مع انطلاق مسيرة السلام الداخلي لتكون جهة استشارية غير صانعة للقرار تقدم المقترحات والاستشارات للحكومة التركية – إن الغاية من مسيرة السلام هي جر الحركة السياسية الكردية إلى أرضية مشروعة، وإنهاء التنظيم المسلح (بي كا كا)، إلا أن الأخير كان له حسابات أخرى، تحرك بموجبها، وفرض نوعًا من الوصاية على الحركة السياسية الكردية.
وأفاد «طاش كتيران» أن قيادات المنظمة في جبال «قنديل، أجبرت حزب «الشعوب الديمقراطي على الخروج من دائرة الشرعية، مضيفًا: «إذا كان دميرطاش يريد أن يكون متحدثًا سياسيًّا مشروعًا، ولاعبًا على الصعيد السياسي، فإن عليه بالطبع أن يزيل هذه الوصاية المسلحة المفروضة عليه».
وحول نظرة «حزب الشعوب الديمقراطي» و قيادات المنظمة في «قنديل» تجاه أوغلان، أوضح أنهما يعتبرانه قائدًا عندما يدلي بتصريحات تعزز موقفهما، لكن عندما يتخذ موقفًا يدفع الحركة المسلحة إلى التوجه نحو المشروعية فإنهما يبتعدان عنه، مشيرًا إلى أن «أوغلان» أعلن بوضوح في آذار/ مارس 2013 وفي العام الماضي انتهاء العمل المسلح، إلا أن الكادر المقاتل وامتداداته استمرا في المماطلة منذ ذلك الوقت.
بدوره، قال رئيس جمعية حقوقيي الدستور، «يوسف شوقي حق يماز»، إن قيادات المنظمة بدأت بسرعة بتنفيذ هجمات إرهابية عقب الانتخابات النيابية في 7 يونيو/ حزيران الماضي مباشرة، من أجل سحب المبادرة من يد حزب الشعوب الديمقراطي، الذي لم يُقدم على المطلوب منه، مؤكدًا أنه كان عليه طلب وقف أعمال العنف، التي تقوم بها المنظمة، بصراحة.
وشدد «حق يماز» على أن حزب «الشعوب الديمقراطي» وقع في وضع حرج لأنه لم ينتقد أعمال العنف، ولم يطلب من قيادات المنظمة وقفها، مشيرًا إلى أن الأخيرة لا ترغب في منح المبادرة لسياسة ديمقراطية.
ومضى قائلًا: «هذا أمر طبيعي بالنسبة للعناصر المسلحة، عندما تظهر السياسة بشكل أكبر على الواجهة يتراجع السلاح إلى الصف الثاني، ويضمحل مع مرور الوقت. وعلى أي حال فإن قيادات المنظمة لم تكن راغبة جدًّا منذ بداية مسيرة السلام، وكانت تدلي دائمًا بتصريحات تعقد الأمور عقب تصريحات أوغلان».
وأشار إلى أن قيادات المنظمة لم تتصرف بإرادتها، وأن القوى الدولية تؤثر في قرارها، واستدرك قائلًا: «ليس هناك حاجة كبيرة للقوى الدولية فعلًا، فقيادات المنظمة في قنديل فكرها واضح، وهي تحاول التعبير عن نفسها من خلال العمليات الإرهابية».
أما رئيس حزب «الحقوق والحريات»، «فهمي دمير»، (حزب سياسي تركي مركزه ديار بكر وغالبية أعضائه من الأكراد)، فقال إنه لا يملك أدلة ملموسة على أن قيادات المنظمة تريد إنهاء الدور السياسي لـ «دميرطاش»، إلا أن « العمال الكردستاني» لا يرغب بأن يكون في الواجهة.
وشدد «دمير» على ضرورة اتخاذ «بي كا كا» قرارًا بالتخلي عن السلاح فورًا، وعلى الحكومة والبرلمان أن يصدرا القوانين اللازمة من أجل التخلص نهائيًّا من السلاح، بما في ذلك العفو العام، وتوفير الفرصة لممارسة الجميع السياسية، مضيفًا: «يجب ألا يكون العنف بعد الآن أداة في يد السياسة».
ومن جهته، قال الناطق باسم حزب «الشعوب الديمقراطي»، «آيهان بيلغان»، ردًّا على الانتقادات الموجهة لسياسات حزبه عقب الهجمات الإرهابية، إن تركيا دفعت ثمنًا باهظًا منذ 30 عامًا، مشددًا على ضرورة إيجاد حل سياسي لقضية سقط فيها ضحايا، وعلى تركيا الخروج من دوامة العنف، وفق تعبيره.
وأكد «بيلغان» على ضرورة ابتعاد المؤسسات السياسية عن لغة الحماس والنزاع، واتخاذ الخطوات وتحمل المسؤولية في سبيل حل القضية، لافتًا إلى أهمية اتخاذ خطوات تقضي على جو العنف برمته.
وشهدت تركيا هجمات إرهابية نفذها عناصر «بي كا كا» ، منذ 7 يوليو/ تموز الماضي، أسفرت عن سقوط 22 من رجال الأمن، و6 مواطنين، بالإضافة إلى إصابة 89 شخصًا، حتى 5 آب/ أغسطس الحالي، وفق مصادر مطلعة.
وشهدت الفترة ذاتها، إحراق أكثر من 100عربة، ومقتل 11 إرهابيًا خلال اشتباكات مع قوات الأمن.
كما شنت القوات المسلحة التركية، غارات جوية على أهداف محددة لمنظمة العمال الكردستاني، داخل وخارج البلاد، أسفرت عن مقتل أكثر من 260 إرهابيًا، وإصابة أكثر من 400 آخرين، في نفس الفترة أيضاً، وألقت قوات الأمن القبض على أكثر من ألف و500 مشتبه به، في عمليات استهدفت تنظيم «الدولة الإسلامية» ، ومنظمتي «بي كا كا»، و«جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري» الإرهابية، وصدر أمر باعتقال 275 متهمًا بالانتماء للمنظمات الإرهابية المذكورة.
موقع الخليج الجديد