العراق وتراكم المخاطر على ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك.

العراق -وهو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك- يمر بأزمة مالية وتفاقمت بعد انتشار فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط، وهذا ما أدى إلى ظهور مشكلات مالية وتحديات خطرة التي ما تزال في تزايد مستمر، ومع تشكيل الحكومي الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي ،هذا يعني ان حكومته يجب ان تواجه تلك المخاطر .

مما يؤكد سعى العراق في الحصول على مساعدة مالية من الولايات المتحدة الأمريكية، وإنَّه طلب من صندوق النقد الدولي تأجيل مدفوعات ديون تُقدّر بنحو 546 مليون دولار في شكل قروض. ووفقاً لمؤشر Barclays Bloomberg، فإنَّ متوسط عائد السندات العراقية المقومة باليورو يبلغ 15.7%، وهو الأعلى بين حكومات الشرق الأوسط.

كل هذا في الوقت الذي يستعد فيه العراق لسداد أقساط ديون بقيمة 294 مليون دولار في يوليو/تموز المقبل، من بينها قسط رأس المال على سندات مقومة بالدولار إصدار 2028. يعود كل ذلك إلى خطة أُتفق عليها عام 2006 لإعادة هيكلة سندات عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.وهذه السندات صادرة ضمن قانون سندات (دعم قادسية صدام) رقم (16) لسنة 1981 لدعم الحرب ضد ايران في ذلك الوقت .
ويواجه العراق 1.59 مليار دولار من التزامات الديون الخارجية حتى يناير، حيث اصدر البنك الدولي في تقريره في 5 مايو ايار 2020، التوقعات التالية حول انخفاض الناتج المحلي وعجز الميزانية العراقية وكانت كالتالي :
• انكماش الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 9.7 بالمئة خلال عام 2020 متراجعا عن نسبة النمو الايجابية البالغة 4.4 في المئة التي حققها عام 2019، ويرى الصندوق أن عجز الميزانية يرتفع ليصل إلى 22% من الناتج المحلي الإجمالي، مسجلا بذلك أسوأ أداء سنوي منذ عام 2003″.
• في حالة استقرار أسعار النفط ضمن حدود سعر البرميل 30 دولارا الذي يعد متدنيا، وعدم اتخاذ أي تدابير إصلاحية، فإنه سيصل عجز الميزانية سيتجاوز 29 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال هذا العام، وستصل احتياجات التمويل الإجمالية إلى 67 مليار دولار أميركي (أكثر من 39 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) ، مشيرا إلى أنه في ظل هذا الوضع، قد تكون خيارات التمويل محدودة.
• توقع العجز عجز الكبيرفي الميزانية العراقية وانه سيتجاوز 29 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، حيث أدى وباء كورونا إلى انخفاض الطلب على النفط، حيث كان من المتوقع أن تأتي حوالي 90 بالمائة من ميزانية الدولة المؤقتة لعام 2020 من صادرات النفط، مع احتساب سعر 56 دولارا للبرميل.
وهنا نوضح نقطة مهمة بالرغم من ان العراق يمتلك احتياطياً نقدياً يبلغ حوالي 66 مليار دولار، ويضخ يومياً ما يقرب من 4.6 مليون برميل من النفط الخام. لكن هذا التدفق النقدي يجف بعد انهيار أسعار النفط العالمية.
وكان معهد جيفريز للخدمات المالية قد قدر أن العراق سيحتاج إلى تمويلات خارجية بنحو 40 مليار دولار في عام 2020.

وفي هذا الصدد، قالت آنا ويلتون، الاستشارية للتحليلات الجيوسياسية ومخاطر الأعمال “حتى لو تجنّبت التخلّف عن السداد، ستواجه الحكومة العراقية مشاكل أخرى لأنَّ عجز الميزانية سيرتفع بدرجة كبيرة”. وأضافت إنَّه “بالنظر إلى الظروف الراهنة، سيستطيع العراق تأمين الحصول على بعض المساعدة من صندوق النقد الدولي. إذا لم تكن مساعدة مالية، فعلى الأقل اتفاقاً على تأجيل سداد أقساط الديون”.

وفي السياق شهد سوق الأوراق المالية في العراق تراجعا للمستثمرين وقد ارتفع العائد على سندات حكومية بقيمة 2.7 مليار دولار مستحقة في عام 2028 إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 14.3% منذ أوائل مارس/آذار.

هنا يتضح مدى اعتماد الاقتصاد العراقي الكبير على النفط والدور الواسع للقطاع العام في الأنشطة الاقتصادية والتجارية أمر يعيق خلق الوظائف التي تبرز اليها الحاجة في القطاع الخاص لفئة الشباب بصورة خاصة، وبين التردي الاقتصادي والفساد المستشري في البلاد، والمأزق السياسي الذي سيكون على حكومة الكاظمي إدارة تلك المخاطروالازمات.

وذكر مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة “أوراسيا” الاستشارية في لندن، أيهم كامل، إنَّ “الإيرادات المتقلّصة بسبب انخفاض أسعار النفط ستثبت أنَّها العامل الأكثر زعزعة للاستقرار خلال الأشهر الـ12 أو الـ18 المقبلة”. وبغض النظر عمَّن يقود الحكومة، فإنَّ هذا الانخفاض الكبير في الإيرادات مقترناً بالفساد المستشري سيخلق حتماً مشاكل .

ديون العراق؛ اكد مظهر محمد صالح مستشار الشؤون المالية، إن المديونية الخارجية للبلد ، بلغت نحو 30 مليار دولار، و أن المديونية الخارجية للعراق أقل من 30 مليار دولار، بالإضافة الى مديونية خارجية معلقة على اتفاقية نادي باريس التي خصمت نحو 80 بالمئة من ديون قبل عام 1990، لم تجر تسويتها.

وبين صالح أن دين العراق الخارجي لمرحلة ما قبل 1990 والبالغ 128 مليار دولار تم شطب 80 بالمئة منه بموجب اتفاقية نادي باريس، وأن هناك نحو 42 مليار دولار تخص دول الخليج وبعض الدول الأخرى تعود إلى ما قبل عام 1990 ديون خارج اتفاقية نادي باريس، مضيفا أنها ديون معلقة تحل عن طريق اللجوء إلى اتفاقية باريس بوصفها اتفاقية معيارية لجميع ديون العراق.

وأن الدين المتبقي من اتفاقية نادي باريس أقل من 9 مليارات، موضحا أن هناك ديون جديدة ترتبت جراء الحرب مع عناصر تنظيم /داعش/ والتي قدرت بنحو 13 مليار دولار.

وأوضح أن المبلغ المتبقي لدول داخل اتفاقية باريس وخارجها ولمؤسسات مالية دولية متعددة الأطراف غير خاضعة للاتفاقية نادي باريس يقدر بنحو 28 مليار دولار، مضيفا أن تسديدها سيكون على شكل دفعات من سنة 2020 إلى سنة 2028 وكل حسب استحقاقها، اما الدين الداخلي للعراق يقدر بنحو 42 مليار دولار للبنك المركزي والرافدين وال تي بي أي والرشيد.

ووفقاً لبيانات جمعتها وكالة Bloomberg الأمريكية ، يعتبر توقيت سداد السندات غير منطقيا، حيث كانت الأوراق المالية الصادرة في عام 2006 جزءاً من اتفاقية إعادة الهيكلة التي أبرمها “تجمّع دول نادي باريس”، مع إلغاء نسبة 80% من مبلغ الدين الأصلي على العراق. ، فإنَّه بالإضافة إلى قسيمة سنوية بقيمة 5.8%، من المقرر أن يبدأ العراق في سداد 6.25% من المبلغ الأصلي –168.75 مليون دولار- كل 6 أشهر على أن يُستحق القسط الأول في 15 يوليو/تموز.

قد تسهم معالجة الديون المتعثرة للعراق في توجيه المؤسسات الدولية والحكومات والدائنين من القطاع الخاص، الذين يُنسّقون الجهود لتعليق مدفوعات الديون للدول الفقيرة على مستوى العالم.

ووفقاً للمحللين فإنَّ الدول الخليجية أيضاً قد تحاول الاستفادة من تلك المبادرة والسعي إلى تقديم المساعدة بأي شكل ممكن.
ختاما يعد تاريخ الديون العراقية ، من الوقائع المحزنة والداكنة في تاريخ العراق الاقتصادي الحديث. فقد ظل الدين الحكومي على مدار العقود الاربعة الماضية بعيداً في توجهاته عن فلسفة الاقتراض من أجل الاستثمار في التنمية وتحقيق الازدهار الاقتصادي بحكم الظروف والعوامل السياسية القاهرة والاستثنائية التي مر بها البلد .