انهيار عمليات معالجة الأغذية ونقلها، وهلع الشراء، يهددان الدول الهشة ويتسببان في ظهور أزمة غذاء رغم وفرته.
ويقول الكاتبان ياروسلاف تروفيموف ولوسي كرايمر في تقرير نشرته “وول ستريت جورنال” الأميركية، إن جائحة فيروس كورونا ضربت العالم في فترة شهدت وفرة في الحصاد والاحتياطيات الغذائية.
لكن قيود السياسة الحمائية وتعطل النقل ومعالجة الأغذية أدت إلى انهيار الإمدادات الغذائية العالمية، وتعرض المناطق الأكثر هشاشة في العالم للخطر بشكل خاص. كما أن الاضطرابات التجارية وإجراءات الإغلاق تصعب نقل المنتجات من المزارع إلى الأسواق والمصانع والموانئ، الأمر الذي أدى إلى تعفن بعض المحاصيل.
في المقابل، ساهم الانكماش الاقتصادي في نفاد مال عدد كبير من الأشخاص حول العالم وتقلص الدخل. كما أدى انخفاض قيمة العملة في الدول النامية التي تعتمد على السياحة أو انخفاض قيمة السلع الأساسية مثل النفط إلى تفاقم هذه المشاكل، مما جعل الغذاء المستورد أكثر تكلفة.
وقال الخبير الاقتصادي في برنامج الغذاء العالمي للأمم المتحدة عارف حسين إن “الأزمات التي كان يواجهها العالم في السابق كانت تتعلق أساسا إما بالطلب أو العرض، إلا أن هذه أزمة مزدوجة -أي أنها أزمة عرض وطلب في آن واحد- لم يسبق لها مثيل على الصعيد العالمي”.
من جانبه، حذر برنامج الغذاء العالمي من أن العديد من الدول قد تواجه المجاعات بحلول نهاية العام، مما يعني وضع 130 مليون شخص آخر على حافة المجاعة.
دول مهددة
تبقى التداعيات الاقتصادية في الدول الزراعية التي تتمتع بالاكتفاء الذاتي محدودة حتى الآن، وعلى الرغم من أن تنوع المنتجات في المتاجر قد تضاءل إلى حد ما، وأن صناعة تجهيز اللحوم شعدت بعض الانقطاعات، فإنه لا يوجد عجز غذائي فادح.
وتعدّ دولة جنوب السودان من بين أكثر الدول عرضة للخطر، وتشير البيانات التي نشرتها منظمة الأغذية والزراعة (فاو) إلى أن أسعار القمح في العاصمة جوبا ارتفعت بنسبة 62% منذ فبراير/شباط الماضي، وارتفعت أسعار الكسافا (مادة غذائية محلية تُعرف باسم التابيوكا) بنسبة 41%.
ووفقا لبيانات منظمة الفاو، ارتفعت أسعار البطاطا بنسبة 27% منذ فبراير/شباط الماضي في تشيناي بالهند. وفي يانغون بميانمار، ارتفعت أسعار الغرام (نوع من الحمص) بنسبة 20%.
ويرى الاقتصاديون أن أكبر خطر قادم في المستقبل هو أن الاضطرابات الناجمة عن الوباء لن تؤثر فقط على المخزونات الغذائية الموجودة، وإنما على الزراعة والحصاد في الأشهر القادمة، وهذا ما يحدث بالفعل في أجزاء من العالم، تماما مثل أسراب الجراد التي تشق طريقها عبر مساحات من أفريقيا وآسيا.
وفي الهند التي تخضع للإغلاق على الصعيد الوطني منذ 25 مارس/آذار الماضي، تلِف محصول الطماطم والموز في بعض الحقول خلال الشهر الماضي، لأن القيود المفروضة على التنقل جعلت نقل المنتجات إلى الأسواق المحلية في بعض الولايات أمرا مستحيلا، ثم دمرت الأمطار الغزيرة محصول الباذنجان المتبقي للمزارع.
قيود على التجارة
فرض بعض كبار مصدري الحبوب قيودا على المبيعات لتأمين الإمدادات الغذائية على الصعيد المحلي، وقد انخفضت شحنات سفن نقل البضائع بنسبة 30% بين أول يناير/كانون الثاني و10 أبريل/نيسان الماضيين بسبب إلغاء الرحلات البحرية.
أما بالنسبة للبضائع التي تصل الموانئ، فإنها تتلف جراء التأخيرات التي تواجه السفن على خلفية الحجر الصحي وإغلاق الجمارك وبقية المرافق الأخرى.
وبالنسبة للرحلات الجوية، وحسب شركة الاستشارات “ماكنزي” وشركائها، فقد انخفضت قدرة الشحن الجوي العالمي إلى 35% بعد إلغاء حوالي 85% من الرحلات.
كما انخفضت صادرات الهند من الأرز إلى بقية دول آسيا وأفريقيا، حيث تراجع حجم شحنات مجموعة “شري لال محل” في دلهي لتصدير الأرز إلى حدود 20% من حجم صادراتها العادي.
وأكد رئيس مجلس إدارة المجموعة بريم جارج أن هناك محصولا وفيرا من الأرز في الهند، بيد أن المشاكل اللوجستية تحول دون تصديره.
ومن بين العوائق الأخرى، انخفاض عدد السفن المتوجهة إلى الأسواق الأوروبية إلى سفينة واحدة فقط كل أسبوعين. وما زاد الطين بلة، أن الدول التي تتصدر المراتب العشر الأخرى في تصدير الأرز، فرضت قيودا على الصادرات، إذ أوقفت فيتنام -ثالث أكبر مصدر للأرز في العالم،-جميع الشحنات في مارس/آذار الماضي.
وذكر الكاتبان أن روسيا -التي تعد أكبر مصدر للقمح في العالم- علّقت الشهر الماضي الصادرات حتى شهر يوليو/تموز القادم، وكذلك رومانيا وأوكرانيا وكزاخستان. كما فُرضت قيود على تصدير الليمون في تركيا، وعلى بيض الدجاج في تايلند، وعلى بذور عباد الشمس في صربيا.
وعلى الرغم من تخفيف بعض القيود منذ ذلك الحين، واستئناف فيتنام صادرات الأرز، فإن السياسة الحمائية أدت إلى زيادة أسعار الأغذية الرئيسية رغم وفرتها.
تضخم الأسعار
في خضم حالة عدم اليقين، استجاب كبار موردي الأغذية لهذه الأزمة عبر تخزين الأغذية الأساسية، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من ارتفاع الأسعار، فخلال الشهر الماضي، لجأت مصر -أكبر مستورد للقمح في العالم- إلى رفع احتياطياتها من القمح إلى ثمانية أشهر عبر شراء كميات كبيرة من الحبوب الفرنسية والروسية.
ونقل الكاتبان عن كبير الاقتصاديين لدى منظمة الفاو ماكسيمو توريرو كولين قوله إن “رغبة الحكومات في تخزين السلع يمثل مشكلة كبيرة، أولا لأن الأسعار ستنخفض فيما بعد، وثانيا لأنها تفتقر إلى القدرة على الإدارة الرشيدة لهذه الموارد”.
وأشارا إلى إمكانية مزايدة المستوردين الأكثر ثراء -مثل اليابان وتايوان والإمارات العربية المتحدة- على الدول الأكثر فقرا التي تواجه بالفعل نقصا.
فهذه الدول الفقيرة -لا سيما أفريقيا جنوب الصحراء- تشهد فيها أسعار الغذاء تضخما كبيرا، كما أن نيجيريا -التي تعد من أكبر مستوردي الأرز والقمح في العالم بتعداد 200 مليون نسمة- تعاني صدمات مزدوجة تجمع بين ارتفاع تكلفة الواردات، وتعطل الإنتاج المحلي والنقل، وانهيار الأسعار العالمية للنفط الذي يمثل أحد صادراتها الرئيسية.
وضع الدول الغنية
أورد الكاتبان أن بعض الدول المستوردة للأغذية الأكثر ثراء في العالم تستعد لهذا النوع من الاضطرابات منذ أزمة العقد الماضي، فتايوان التي تستورد ثلثي حاجاتها الغذائية، جمعت 900 ألف طن متري من الأرز في مخزونها الحكومي، أي ثلاث مرات المخزون المسموح به من قبل مجلس الزراعة.
وتستورد دولة الإمارات العربية المتحدة حوالي 90% من موادها الغذائية، وقال ألان بيجاني الرئيس التنفيذي لمجموعة “ماجد الفطيم” -ومقرها دبي- التي تدير 300 فرع كارفور في 16 دولة، إن الشبكة الموجودة في البلاد تتكون من 105 مغازات وزادت مخزونها من ثلاثة أشهر إلى أربعة بسبب الوباء.
وقال بيجاني إن تجار التجزئة والحكومة يجريان محادثات حول كيفية زيادة مخزون المواد الأساسية إلى ما يصل إلى 12 شهرا، وهو أمر يتطلب استثمارات كبيرة على مستوى التخزين والمخزون.
لكن المدير التنفيذي لسوبرماركت في لاغوس بنيجيريا حسي السيد كسواني قال إن هذا النوع من التخزين سيكون مستحيلا في البلاد، ونتيجة لذلك ستبقى محلات البقالة النيجيرية خاوية الأرفف هذه الأيام، وعزا ذلك إلى محدودية السلع لدى الموردين أو توقف عملية التصنيع، أو عجزهم عن توصيل البضائع إلى المحلات.
المصدر : وول ستريت جورنال