لم تكد تمضي أيام على إعلان تنظيم “حراس الدين” تشكيل غرفة عمليات عسكرية جديدة في الشمال الغربي من سورية مع مجموعات متطرفة أخرى تتبنّى فكر السلفية الجهادية، حتى قتلت طائرة مسيَّرة يُعتقد أنها تتبع التحالف الدولي قياديَّين اثنين بارزين في هذا التنظيم الذي ظهر في مطلع عام 2018، بعد انشقاق عدد من القياديين والعناصر عن “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) بسبب فك ارتباطها بتنظيم “القاعدة”.
واستهدفت طائرة مسيّرة يعتقد أنها تابعة للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” بقيادة الولايات المتحدة، بصاروخ موجّه الأحد، قياديَّين اثنين في تنظيم “حراس الدين” المبايع لتنظيم “القاعدة”، ما أدى إلى مقتلهما على الفور، بالقرب من مدرسة “عبد الكريم اللاذقاني” في الطرف الغربي الجنوبي لمسجد شعيب داخل مدينة إدلب. وأوضحت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن القتيلين هما المدعو “بلال اليمني” أو “بلال الصنعاني” الذي يقود قطاع البادية في التنظيم، والأردني المدعو بـ”قسام الأردني” الذي كان القائد العسكري في التنظيم المذكور.
”
قسام الأردني كان من القيادات البارزة في تنظيم “حراس الدين”، ورفيقاً لأبي مصعب الزرقاوي وساعده الأيمن
“وقالت مصادر مطلعة إن “قسام الأردني”، أو “أبو قسام” (52 عاماً) كان من القيادات البارزة في تنظيم “حراس الدين”، مشيرة إلى أنه فلسطيني نشأ في مدينة الزرقاء الأردنية، واسمه الحقيقي خالد مصطفى خليفة العاروري، وكان رفيقاً لأبي مصعب الزرقاوي (قيادي في تنظيم القاعدة قُتل في العراق 2006) وساعده الأيمن في الأردن وأفغانستان وإيران، وزوجاً لشقيقته. وأشارت إلى أن “قسام الأردني” سُجن في إيران عدة سنوات قبل أن يطلق سراحه في عام 2015، وقيل إن ذلك حصل في صفقة بين “القاعدة” وإيران، ليتوجّه إلى سورية بطلب من زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري. وأشارت المصادر إلى أن “قسام الأردني” كان من أبرز المنشقين عن “جبهة النصرة”، وكان من أهم قيادات تنظيم “القاعدة” في سورية، وكان له دور بارز في تشكيل تنظيم “حراس الدين” إلى العلن في سورية في أواخر فبراير/ شباط عام 2018، بعد إعلان “تحرير الشام” (النصرة سابقاً) فكّ ارتباطها بتنظيم “القاعدة”.
ولم تتضح الجنسية الحقيقية للقتيل الثاني، إذ أوضحت مصادر محلية مطلعة أن “بلال الصنعاني” ليس يمنياً كما يوحي اسمه الحركي، بل هو سوري من قرية العشارة في ريف دير الزور الشرقي، انضم إلى “حراس الدين” بعد انشقاقه عن “النصرة”.
وقُتل القياديان البارزان في “حراس الدين” في منطقة تقع ضمن النفوذ الجوي الروسي، ما يؤكد وجود تنسيق بين موسكو والتحالف الدولي بهدف التخلص من قيادات هذه المجموعات التي كانت قد أعلنت الجمعة تشكيل غرفة عمليات واحدة في الشمال الغربي من سورية حملت عنوان “فاثبتوا” تضم تنظيمات متطرفة تتبنى الفكر الجهادي السلفي وتدور في فلك تنظيم “القاعدة”، وهي: “تنسيقية الجهاد”، “لواء المقاتلين الأنصار”، جماعة “أنصار الدين”، جماعة “أنصار الإسلام”، إضافة إلى تنظيم “حراس الدين”.
وأشار الباحث السياسي السوري حمزة المصطفى، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنها “ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها الولايات المتحدة قيادات جهادية تنتمي إلى القاعدة في سورية، خصوصاً تلك التي تفكر في الجهاد خارج الحدود السورية أو ما يطلق عليه الجهاد العالمي”. وتابع: “لكن الخطوة الأخيرة (استهداف الأحد) ذات دلالة، لكونها جاءت بعد اندماج معظم فصائل الجهاد العالمي في سورية ضمن تنظيم واحد أو غرفة عمليات واحدة، وهو ما يجعل هذه الفصائل أقوى”. وأعرب عن اعتقاده أن “الضربات الأخيرة التي استهدفت قادة كباراً، مقارنة بسابقاتها، تأتي ضمن الاستراتيجية القائمة للولايات المتحدة بحصر الصراع السوري وتداعياته داخل الحدود الجغرافية، ومواجهة أي خطر من التنظيمات التي تفكر خارج الحدود بانتظار تسوية سياسية مرحلية أو دائمة تنهي وجود هذه التنظيمات”.
”
قتلت طائرات التحالف الدولي عدة أشخاص فاعلين في المجموعات المتطرفة في سورية على مدى السنوات الماضية
“وتأتي عملية استهداف “الأردني” و”الصنعاني” في سياق استراتيجية التحالف الدولي في تصفية قيادات المجموعات المتطرفة في سورية، إذ سبق لطائرات هذا التحالف أن قتلت عدة أشخاص فاعلين في هذه المجموعات على مدى السنوات الماضية. وقُتل “أبو خديجة الأردني” أو “بلال خريسات” القيادي السابق في فصيل “حراس الدين” نهاية عام 2019 بمحيط بلدة ترمانين غرب حلب. وفي 30 يونيو/ حزيران من عام 2019 أكدت وزارة الدفاع الأميركية استهداف طائرة مسيّرة بناءً في ريف حلب الجنوبي، كان عدد من قادة “حراس الدين” وغيرها من الفصائل المتشددة، مجتمعين فيه من أجل حل نزاعات داخلية. وفي أغسطس/ آب من العام نفسه، أعلنت الوزارة استهدافها معسكراً تدريبياً يستخدمه كل من “حراس الدين” و”أنصار التوحيد”، ما أدى إلى مقتل أحد أهم قادة الأنصار، وهو ليبي الجنسية وملقب بـ”أبو أسامة الليبي”. وكان طيران التحالف الدولي قد قتل في السنوات الماضية عدة قياديين متطرفين آخرين، منهم “أبو إسلام المصري”، الذي قُتل في عام 2017، وكان قيادياً في “جبهة النصرة”. وقُتل في العام نفسه “أبو الخير المصري” الذي كان من قيادات “القاعدة” في سورية. وفي أواخر عام 2016 اغتيل واحد من أهم قادة “النصرة” في سورية، وهو أحمد سلامة مبروك الشهير بلقب “أبو الفرج المصري”، بعدما استهدفته طائرة أميركية على أطراف جسر الشغور في ريف إدلب الغربي.
أمين العاصي
العربي الجديد