يختلف تناول وسائل الإعلام وتوصيفاتها لحادثة اعتراض مقاتلة أميركية طائرة إيرانية، كانت تعبر فوق منطقة التنف التي تسيطر عليها القوات الأميركية على الحدود السورية العراقية، فقد قال ناطق باسم القيادة المركزية الأميركية إن طائرات دورية اعتيادية أجرت فحصا بصريا من مسافة آمنة لطائرة إيرانية تعبر فوق المنطقة. أما وكالات الأنباء الإيرانية فقالت إن طائرتين اقتربتا من طائرة نقل إيرانية، فاضطرت إلى تغيير ارتفاعها ومسارها، ما تسبب في جروح طفيفة لعدد من الركاب!
تعبّر الحادثة عن مدى امتلاك أميركا، إلى جانب إسرائيل، الأجواء السورية، والإمكانات الواسعة التي تستطيع فيها المقاتلات الأميركية التحرّك، إلى درجة تعطيل (أو تغيير) مسار طائرة دولة حليفة للنظام، ولها وجود كبير على الأرض. اكتفت أميركا بإفزاع الطائرة الإيرانية وإجبارها على تغيير مسارها، على الرغم من أن الشركة المالكة للطائرة، ماهان، خاضعة للعقوبات الأميركية.
يأتي الحادث بعد أن وقَّع الطرفان، السوري والإيراني، اتفاقاً حاز تركيزاً إعلامياً في الثامن من يوليو/تموز الجاري، من البنود البارزة فيه أن يزوّد الجانب الإيراني سلاح الجو السوري بصواريخ أرض جو، لرفع قدرتها على مجابهة الهجمات الإسرائيلية المتكرّرة. وأراد الجانبان بهذه الاتفاقية الرد على الهجمات الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية في سورية، التي أضحت من ثوابت السياسة العسكرية الإسرائيلية، أو على الأقل هدفت الاتفاقية إلى التخفيف من تواتر الهجمات المتزايد عدداً وكثافةً. ومع امتناع روسيا عن تشغيل منظومات الدفاع الجوي العاملة في سورية، سواء التي تشغلها قوات النظام (إس 300)، أو التي تقع تحت إدارة روسية مباشرة (إس 400)، وغضت إسرائيل الطرف عن صفقة أنظمة الدفاع الروسية إلى سورية، بعد أن تلقت وعدا قاطعا بأن هذا النوع من منظومات الدفاع لا يشملها. يمكن أن تُقرأ اتفاقية التعاون العسكري الشامل بين إيران وسورية التي وقعت قبل أسبوعين باعتبارها ردا على قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ، فطبق عقوبات على سورية ومن يتعامل معها، ولكن الحادث أخيرا فوق التنف عبّر عن حقيقة هذه الاتفاقية، وأبرز نقاطها عن تعاون جوي ومساعدة دفاعية تتعهد بها إيران إلى سورية.
هاجمت إسرائيل أهدافا إيرانية قبل أسبوع، وكأنه هجوم للتحدّي، ولاختبار فاعلية هذه الاتفاقية ومعرفة حدودها. نُفذت الهجمات كالمعتاد، وجاء الرد معتادا أيضا عبر وسائل الإعلام فقط، وتكرّرت قبل يومين فوق القنيطرة، من دون أن يظهر أن هناك فرقا كبيرا قد حدث، أو أن الاتفاقية قد غيرت بعض الموازين. وقد تكون الهجمات الإسرائيلية استهدفت مواقع جُهزت لنصب منظومات الدفاع الموعودة من نوع “خرداد” التي يقال إنها تعادل نظام الدفاع الروسي إس 300، ضمن محاولات إسرائيل المستمرة لحرمان إيران من قواعد دائمة في سورية، وقد نجحت بذلك بالفعل، مع تعاون روسي خفي، بدءاً بغض الطرف عن الهجمات الإسرائيلية، ووصولاً إلى احتمال أنها تزود إسرائيل بإحداثيات عسكرية يمكن استهدافها.
بعد أن مُنعت إيران، وبشكل كبير، من إقامة أي موقع قدم ثابت لها في سورية، خصوصا في الأماكن القريبة من الحدود الفلسطينية، تأتي حادثة طائرة التنف لتعقّد الموقف الإيراني أكثر، ففيها رسالة تحذّر إيران بأن مواصلاتها الجوية أصبحت في خطر، وأنها لم تعد قادرةً على استخدام المعبر الجوي الواصل بين طهران ودمشق أو طهران وبيروت، عبر العراق، وهو جسر التنف الجوي الذي تحرص أميركا على الاحتفاظ به، والسيطرة على محيطه ضمن الحدود السورية والعراقية، وتقيم حاليا مجالا جويا موازيا يزيد من إمكانية السيطرة التامة على المعبر، في تصميمٍ واضح على إيقاف تمدّد إيران العسكري في سورية ولبنان، بعد أن تبيّن أن النظام، أو كثيرا من أجنحته، لا يرغبون في الاستغناء عن الخدمات الإيرانية.
فاطمة ياسين
العربي الجديد