سارع الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس وزرائه حسان دياب، إلى التوعّد بـ«محاسبة المسؤولين» عن التفجير الهائل الذي حصل أول أمس الثلاثاء في مرفأ بيروت، وأدى، حسب محافظ المدينة، إلى تدمير نصفها وجعل 300 ألف من سكانها من دون مأوى، وأعلنت الحكومة عن فرض الإقامة الجبرية على بعض المسؤولين الصغار، نسبيا، وهو فعل يعترف، بداية، أن هناك مسؤولية عن الجريمة الكبرى بحق المدينة والبلد، ولكنّه يتقصّد، من جهة أخرى، إخلاء مسؤولية الرئيس اللبناني نفسه، ورئيس وزرائه، ومن ورائهم الطبقة السياسية البائسة التي أوصلت لبنان إلى مرحلة «الدولة الفاشلة» التي يعيشها مواطنوه.
إضافة إلى الكارثة الإنسانيّة، التي أحصت وقوع أكثر من 100 قتيل، وأربعة آلاف جريح، التي هي الأولوية الكبيرة الآن، والتي جعلت كثيرا من البلدان العربية والعالمية ترسل مساعداتها العاجلة، أو تعبّر عن التضامن الأخلاقي مع اللبنانيين، فهناك أيضا الكارثة الاقتصادية، المتمثلة في تدمير 80 في المئة من الميناء، الذي تمر عبره أغلب الصادرات والواردات، التي تحصرها تقديرات المسؤولين اللبنانيين الأولية بين 3 و5 مليارات دولار، وهي أرقام ستنضاف على اقتصاد منهك يقارب الانهيار، وبوادر حصول أزمة غذاء كبيرة، وهناك الكارثة الرمزيّة التي يمثّلها تدمير مرفأ بيروت، الذي هو شريان التجارة اللبنانية، ونافذة سكان تلك البلاد على العالم منذ آلاف السنين.
من المثير للسخرية في موضوع «محاسبة المسؤولين» الصغار وتمويه مسؤولية الكبار أن الرئاسة والحكومة أعلنتا عن بدء تحقيق ستقدم نتائجه إلى القضاء المختص، وهو ما ردّ عليه مسؤولون آخرون بطلب تحقيق مستقل وبالاستقالة من المجلس النيابي، كما فعل مروان حمادة، وهو ما قاله أيضا رئيس الوزراء السابق سعد الحريري الذي طالب بوجود جهات دولية تضمن صدقية التحقيق، بينما ذهبت جهات مثل «الجماعة الإسلامية» إلى مطالبة الطبقة السياسية بالاستقالة والرحيل، وعبّر لبنانيون عن غضبتهم بالمطالبة بـ«تعليق المشانق» للمسؤولين.
أظهر كاريكاتير صحيفة «لوموند» الفرنسية هذه الكارثة بطريقة معبّرة يحلّ فيها الشكل الشهير لانفجار القنبلة الذرية في هيروشيما، الذي يشبه نبات الفطر، محلّ شجرة الأرز التي تميّز العلم اللبناني، والحقيقة أن كارثة التفجير تعبير فصيح عن انهيار النظام اللبناني وإيصاله البلاد إلى هاوية بكل أشكالها السياسية والاقتصادية والإنسانية والأخلاقية.
الأسوأ من ذلك، أن هذا النظام، وبدلا من إعلان استقالة وتنحّي رموزه التي طالبت الجماهير اللبنانية بوضوح بخروجها كلّها من الحكم، فإنه يتصرّف وكأن ما حصل هو حدث صغير يمكن حلّه بفرض الإقامة الجبرية على بعض الموظفين الذين لم يفعلوا غير تنفيذ الأوامر الواصلة إليهم، أو بإجراء تحقيق بيروقراطي يقدّم إلى الأشخاص المسؤولين فعليا عن الكارثة الكبرى التي يعيشها لبنان كي ينظروا فيه.
لا يمثّل تفجير مرفأ بيروت سوى الخاتمة الكارثية لمسيرة سياسية صار لبنان فيها محكوما من نخبة سياسية مستعدّة لإفناء البلد وشعبه من دون تردّد أو شعور بالخلل السياسي والأخلاقي الهائل الذي يجلل مدينة مستباحة ومدمرة.
القدس العربي