الباحثة شذى خليل*
يواجه العراق أزمة اقتصادية كبيرة، بسبب العجز المقلق في واردات البلاد المالية عن تغطية النفقات المتوقعة خلال العام الجاري، حيث يعتمد الاقتصاد العراقي على النفط بشكل أساس، إذ تشكّل عوائده حوالي 95% من قيمة الإنفاق الحكومي السنوي، ويحاول رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وبكل الإمكانيات المتاحة ورغم انه استلم تركة مثقلة بالمشاكل والفجوات والثغرات لكل مفاصل الدول، فالمرحلة صعبة للغاية ويعد تحديًّا صعبًا، على كل مستويات الدولة سواء السياسة الخارجية او الداخلية بكل تفاصلها ، وهنا نركز على العمود الفقري للبلد هو ضبط الموازنة في وقت يبلغ فيه الحدّ الأدنى للإنفاق الشهري 7 مليارات دولار ويقلّ الدخل عن 3 مليارات دولار، والقضاء على مرض فيروس كورونا المستجد في دولةٍ تعاني من فساد مالي اداري أي وضع غير مستقر، لكن الكاظمي بدأ وبكل شجاعة وضع الخطوط الصحيحة بالمعالجات وبصياغة استراتيجية جديدة اكثر حزما للتغيير وسط تحديات كبيرة ومتنوعة .
موازنة 2020 العراقية
تقدر إيرادات الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية / 2020 بمبلغ 67425220454 الف دينار عراقي ( سبعة وستون ترليون واربعمائة وخمسة وعشرون مليار ومئتان وعشرون مليون واربعمائة وأربعة وخمسون الف دينار عراقي ) هذه حسب الأسعار المخمنة من تصدير النفط الخام على أساس معدل سعر 40.51 دولار ( أربعون دولار واحدى وخمسون سنت) للبرميل الواحد ومعدل تصدير حوالي ثلاثة ملايين برميل يوميا بضمنها 250 الف برميل يوميا من إقليم كردستان على أساس صرف 1182 دينار عراقي لكل دولار امريكي .
((اما النفقات ))
تم تخصيص مبلغ 148606809164 الف دينار ( مائة وثمانية واربعون ترليون وستمائة وسته مليار وثمنمائة وتسعة مليون ومائة وستون الف دينار عراقي . وتقسم الى :
1- النفقات التشغيلية : 102161889881 الف دينار ( مائة واثنان ترليون ومائة واحدى وستون مليار وثمنمائة وتسعة وثمانون مليون وثمنمائة واحدى وثمانون الف دينار .
2- البرامج الخاصة 1502306231 الف دينار ( ترليون وخمسمائة واثنان مليار وثلثمائة وستة مليون ومئتان واحدة وثلاثون الف دينار عراقي ) .
3- المديونية المتمثلة بأقساط الدين الداخلي والخارجي 9646938000الف دينار ( تسعة ترليون وستمائة وسته واربعون مليار وتسعمائة وثمانية وثلاثون مليون دينار عراقي ) .وتتفرع الى الكثير من التخصيصات للمشاريع الاستثمارية بتفاصيل كثيرة ومتشعبة .
فماذا نعني بعجز الموازنة؟
يحمل مفهوم الموازنة العامة للدولة أهمية كبيرة بالنسبة لأي اقتصاد، باعتبارها وثيقة سياسية رسمية توضح حجم الانفاق المستقبلي وتوقعات الإيرادات خلال عام مالي محدد، ومن أهم المفاهيم المرتبطة بالموازنة العامة للدولة هو عجز أو فائض الموازنة، ويعكس مصطلح عجز أو فائض الفرق بين النفقات “المصروفات” والموارد “الإيرادات” ففي حالة زيادة النفقات المحققة عن الموارد الفعلية يترتب عليه ما يعرف العجز، وفي حالة تراجع النفقات الفعلية عن الموارد المحققة يتحقق الفائض.
وهناك أسباب لزيادة الانفاق الحكومي، ومن أهمها تراجع الموارد العامة للدولة، أما بالنسبة للخطر الذي يسببه العجز فهو لجوء الدولة لإصدار كميات إضافية من النقود دون أن يقابلها زيادة في الرصيد الاحتياطي للدولة، مما ينعكس على تراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع التضخم، أو اللجوء إلى الاقتراض الداخلي من خلال إصدار أذون الخزانة العامة، وهذه الإجراءات تؤدي إلى زيادة حجم الدين الداخلي.
العراق وفي ظل فوضى القوانين وتداخل الصلاحيات وغياب الرقيب، هذا يعني أن هناك خللا كبيرا في إيقاف الصرف من جهة وخوف الحكومة من عجزها في الإيفاء بالالتزامات المالية من جهة ثانية، فعلى جميع مؤسسات الدولة ان تقلل الصرفيات وإيقاف العلاوات في رواتب الموظفين، وتجميد جميع معاملات تعويض المتضررين.
تحذر الوثيقة من ان على مؤسسات الدولة يجب ان “تجمد جميع العلاوات والترفيعات في جميع مفاصل الدولة”، بدءًا من مطلع العام الحالي، وهي بقيمة حوالى ثمانية مليارات دولار، و”اعتبار أي إجراء بالتعاقد باطلاً، ما لم يغطّ بقرار من مجلس الوزراء، وإيقاف جميع إجراءات تعويض المفصولين سياسياً في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
ومن اهم أسباب التعيينات في العراق العوامل السياسية، حيث ترتبط ارتباطاً مباشراً بالانتخابات وكسب المزيد من الأصوات، وهو أمر خطير يندرج في استغلال المنصب لأغراض خاصة خارجة عن حدود الوظيفة، كما أنه فساد يعاقب عليه القانون، بل أكثر من ذلك يدخل في اطار المنافسة غير المشروعة وشراء الأصوات، فيقلل من فرص المنافسين ويجعل المساواة وتكافؤ فرص الأحزاب مختلفة، ومن هنا نجد الكثير منهم يبحث عن المناصب لأنها تجعل الجهة السياسية في موقع اقوى.
وتذكر مصادر حكومة بأن حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة، وظفت حوالى نصف مليون عاطل عن العمل خلال الأشهر الثلاثة التي تلت انطلاق الاحتجاجات، من دون وجود حاجة فعلية لخدماتهم في مؤسسات الدولة، ولا تخصيصات تكفي لتغطية رواتبهم في الخزينة العامة، مما يعني دخول الاقتصاد في مشكلة جديدة هي البطالة المقنعة، والتي ظهرت آثارها السلبية لهذه الزيادة الكبيرة جداً، وأول ظهور لها على الموازنة العامة، فالعراق خصص لرواتب الموظفين (43.4) ترليون دينار عراقي لعام 2019 في موازنته، بينما إذا أخذنا بالمعادلة السابقة، فما تتطلبه الموازنة (4.8) ترليون دينار عراقي فقط أي اقل بـ(35) مليار دولار تقريباً، وهو يعالج العجز الظاهر في الموازنة، خاصة إذا اضفنا له ما يحتاجه الموظف لأداء الوظيفة من المكان والنقل وغيرها من المستلزمات الأخرى.
وفي الغالب تدور الموازنات السنوية للعراق في أجواء الـ 100 مليار دولار كل عام، ما يعني أن قيمة العجز في موازنة 2020 يصل إلى حوالى نصف الواردات، وهو أمر لم يسبق حدوثه حتى خلال أزمة انخفاض أسعار النفط خلال عامي 2015 و2016، وبالأخص مع وجود حوالى سبعة ملايين شخص بين موظف مدني وعسكري ومتقاعد، ومستفيد لأنه عاطل أو عاجز.
تُعتبر الرواتب التي تدفعها الحكومة العجلة المحرّكة للاقتصاد الداخلي في البلاد، وعندما احتسبت وزارة المالية القيمة النهائية لرواتب الموظفين، تبين أنها تبلغ حوالي 48 مليار دولار في العام، ما يعكس حجم الترهّل الكبير في الجهاز الوظيفي للدولة، مقابل سوء الخدمات التي يقدمها.
طالب بعض المشرعين في البرلمان العراقي بعدم المساس برواتب الموظفين، التي تُعدُّ الركن الأساس للاستقرار الاقتصادي في الداخل.
وهنا على المشرعين أيضا ان يدركون حجم الخطر الذي يواجه البلاد، وأن الاعتماد على تصدير النفط وعدم فتح مجالات اخرى بشكل سريع وواسع، سيجعل البلاد متخم بالديون الخارجية والمشاكل مع تزايد العاطلين في الداخل، مما يؤدي إلى زعزعة النظام السياسي في العراق، فضلا عن ذلك اي اضطراب إقليمي سيعجز العراق عن تصدير النفط عبر الخليج او تركيا.
وبعد مرور اكثر من ١٦عاما، لا يزال المشرعين او أصحاب القرار غير قادرين على إيجاد مخرج وإبعاد العراق عن شبح الديون، ومعالجة العجز أو محاولة لرفع واردات الموازنة من الموارد غير النفطية بسبب سيطرة ارادات دولية وإقليمية تمنع تنمية الذات بالبلاد من غير المصادر النفطية، وسيطرة بعض الأحزاب السياسية التي لا يروق لها تعاف العراق لكون ذلك يؤثر على سيطرتها ولجانها الاقتصادية.
الأهم هو ضعف القانون وبعض النزاعات الادارية الخاصة في تطبق قرارات إحياء المصانع وإيقاف تجريف الاراضي الزراعية وغيرها من المصادر الأخرى.
لكن الأهم هو سد عجز الموازنة، حيث يجب العمل معا في كلا الاتجاهين: ترشيد الإنفاق العام وتنمية الموارد من خلال لفت الانتباه إلى سياسة التنويع الاقتصادي، لضمان مصادر الدخل القومي واستغلال الموارد الطبيعية للبلاد لتقليل الاعتماد على عائدات النفط.
تفعيل السياسة المالية في الاقتصاد العراقي من خلال تحفيز آليات السياسة الضريبية والجمركية، لما لها من أهمية في إثراء الموازنة بمصادر متعددة، واعتماد موازنات لوضع تقديرات حديثة لوحدات القطاع العام هي دقائق اعتمادها على الأدوات التنظيمية اللازمة للتنسيق بين الجهات الرقابية المالية والهيئات الاقتصادية الأخرى وتأكيد فعالية مفهوم النفقة وترشيد الإنفاق.
وختاما الحكومة العراقية الحالية وضعت الخطط في معالجة ما يمكن علاجه، ووضع الانفاق حول الأولويات الضرورية ، وليس المصالح والاهواء الشخصية، ومحاربة محاولات إحراق الموازنة، من خلال إحياء القطاع الانتاجي والشراكة مع القطاع الخاص، والاعتماد على الواردات غير النفطية والعمل على ذلك لتجنيب البلاد مخاطر اقتصادية واجتماعية، ومحاربة الفساد وارجاع الأموال العامة المنهوبة والمحولة إلى الخارج، أو من المشاريع المتلكئة من قبل الشركات الفاسدة. ويجب تكاتف الجهود لكل الوزارات وكل فرد يعيش على ارض العراق فالجميع امام مسؤولية عظمية لإعادة العراق للعراقيين فقط .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الراوبط للبحوث والدراسات الاستراتيجية