“في 14 أيلول/سبتمبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع ابتسام الكتبي، ودوري غولد، وباربارا ليف، وديفيد ماكوفسكي. والكتبي هي مؤسِسة ورئيسة “مركز الإمارات للسياسات”، وهو مركز أبحاث السياسة الخارجية والأمن الرائد في الإمارات العربية المتحدة. وغولد هو رئيس “مركز القدس للشؤون العامة” والممثل الإسرائيلي الدائم السابق لدى الأمم المتحدة. وليف هي “زميلة لابيدوس” في المعهد وسفيرة الولايات المتحدة السابقة في الإمارات. وماكوفسكي هو زميل “زيغلر” المميز في المعهد ومستشار كبير سابق للمبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية للمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
ابتسام الكتبي
يمثّل “اتفاق أبراهام” فصلاً جديداً في تاريخ الشرق الأوسط، حيث يعكس التغيرات الهيكلية التي شهدتها المنطقة في العقد الماضي. وجاء قرار الإمارات بتطبيع العلاقات مع إسرائيل نتيجة الوقائع على الأرض، والتي تشمل عدم وجود أراض محتلة للتفاوض بشأنها ولا تاريخ بين البلدين في ساحة المعركة. وقد استند التطبيع على تعاون حقيقي يخدم مصالح البلدين وإلى الرغبة في إقامة نظام أمني جديد. إنه سلام قائم على الخيارات وليس الضرورة. وحذت البحرين حذو الإمارات، وستتبعهما دول أخرى نظراً إلى أن التطبيع سيعزّز الاستقرار والازدهار.
وتشمل الديناميكيات الإقليمية التي عجّلت الاتفاق، التغيرات في توزيع السلطة في العالم العربي – فالدول التي كانت في صلب هذه السلطة تنتقل إلى الأطراف والعكس صحيح. كما أن للمعاهدة تداعيات تتخطى الروابط الإسرائيلية-الإماراتية، لتصل إلى دول خليجية أخرى وجنوب آسيا وشرق المتوسط. ومن الضروري على طرفي المعاهدة أن يعملا معاً على تصميم استراتيجيات تتوافق مع مصالحهما، بما في ذلك قضايا الأمن والجيش والاقتصاد والتكنولوجيا والطب والزراعة. ويمكنهما أيضاً التعاون من أجل التعامل بفعالية مع التهديدات غير التقليدية مثل أمن الغذاء والأمن السيبراني ومرض “كوفيد-19”.
وتأثر قرار الإمارات بشكل جزئي بالتقييم الاستراتيجي الأمريكي المتغير للمنطقة، والذي يشمل «خطة العمل الشاملة المشتركة» المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والسياسة المعلنة لإدارة أوباما حول التركيز على آسيا. وقد شعرت دول «مجلس التعاون الخليجي» وحلفاؤها بأنها منسيّة حين لم يتمّ استشارتها بشأن «خطة العمل الشاملة المشتركة». وبموجب “اتفاق أبراهام”، سترتكب الولايات المتحدة خطأ فادحاً إذا تعاملت مع الاتفاق على طريقة “الكرّ والفرّ” ولم تحافظ على التزامها تجاه المنطقة.
لقد اتخذت الإمارات خطوة جريئة وتمت إدانتها من الشارع العربي، والفلسطينيين، وقطر التي هي أحد الشركاء المقربين للولايات المتحدة. وإذا ما أرادت واشنطن استمرار التطبيع وانتشاره في المنطقة، عليها أن تساعد في تمهيد الطريق أمام انضمام كل طرف. أما العقبة الأخرى التي تواجهها الدول العربية فهي عدائية إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وهو عائق أمام أي دولة ترغب في الانضمام إلى دائرة الاستقرار هذه.
ومن حيث ردّ الفعل المحلي، فبينما نشأ الجيل الإماراتي الأكبر سناً على سردية مفادها أن إسرائيل هي عدو، إلّا أن الجيل الأصغر سناً لديه وجهة نظر مختلفة. فدولة الإمارات تضمّ 200 جنسية وقد أيقنت كيفية ضمان تعايشها بشكل سلمي معاً. تجدر الملاحظة أن “اتفاق أبراهام” ليس وليد اللحظة؛ فقد كانت هناك فترة طويلة تطوّرت خلالها العلاقات بين إسرائيل والإمارات، شملت زيارات وزارية متبادلة وأنشطة رياضية ووجود “بيت العائلة الإبراهيمية” المخصص للتسامح الديني. وأخيراً، تميل الإمارات الآن نحو الإسلام المعتدل، علماً بأنها لم تكن يوماً مجتمعاً مغلقاً من حيث الحريات الاجتماعية أو التسامح.
دوري غولد
يُعتبر “اتفاق أبراهام” نقطة تحوّل في الشرق الأوسط. وأصبحت الإمارات قوة مهمة ليس فقط في الخليج العربي، بل أيضاً في القرن الإفريقي. وتقع إسرائيل في نفس المنطقة الجغرافية، مما يخلق العديد من مجالات التعاون. ويمكن للدولتين الاستفادة من تحالفهما مع الولايات المتحدة من أجل صياغة ردودهما على التهديد الإيراني. ويشعر الإماراتيون بحماسة كبيرة إزاء هذا الإنجاز، وهو أمر يمكن لإسرائيل أن تقدّره بالتأكيد نظراً إلى أن شركاءها السابقين في السلام لم ينتابهم الشعور نفسه. بدورها سوف تدعم إسرائيل شركاءها في السلام في واشنطن، كما فعلت مع الأردنيين.
ويستحدث “اتفاق أبراهام” هياكل أمنية محتملة جديدة للشرق الأوسط في المستقبل. فوضع إسرائيل الحالي يشبه وضع أوروبا في نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما كانت الولايات المتحدة تخطط للانسحاب وكانت روسيا ستملأ الفراغ. ورداً على ذلك، شكّلت الولايات المتحدة حلف “الناتو”. وتكتسي الهيكليات الأمنية أهمية كبيرة على ضوء التغيرات التي تشهدها المنطقة، ويمكن للشركاء المساعدة على تصميم شرق أوسط مختلف قائم على جهات فاعلة مستقرة. كما لدى إسرائيل حجة مشروعة بشأن تفوقها العسكري النوعي، لكنها ليست ضد الإماراتيين. وإذا قررت إسرائيل فجأة التريث في مسألة “التفوق العسكري النوعي”، سينعكس الأثر النهائي على دول عربية أخرى لم توقع سلاماً مع إسرائيل وقد تسعى إلى استغلال هذا التراجع على صعيد “التفوق العسكري النوعي”.
وفيما يتعلق بالفلسطينيين، يكمن العامل الرئيسي فيما إذا كانوا على استعداد للنظر في اقتراحات منطقية. فالرئيس محمود عباس لم يكن مستعداً للتوصل إلى اتفاق قبل فترة انتهاء ولاية أوباما، ولا يزال الحال على ما هو عليه اليوم. فمنذ أيام الاستراتيجي الإسرائيلي يغآل ألون، تمّ القبول على نحو واسع بأن إسرائيل ستحتفظ بأقسام محددة من الضفة الغربية وستتم إعادة بعض الأراضي. وحين وافقت إسرائيل على خطة ترامب للسلام، قبلت بتقسيم الأراضي الذي ينص عليه الاقتراح باعتباره مناسباً للمستقبل. أمام إسرائيل فرصة للتعاون مع الدول العربية الشريكة بشأن كيفية الاستفادة من التطبيع من أجل التأثير على توزيع الأراضي في أي تسوية سلام مع الفلسطينيين.
على سبيل المثال، يحتاج الفلسطينيون إلى ترتيب من أجل زيادة ناتجهم المحلي الإجمالي؛ وربما يمكن للشراكات الإقليمية الجديدة تسهيل مسارات الشاحنات والقطارات من حيفا إلى الضفة الغربية مروراً بالأردن ووصولاً إلى الخليج. ومن شأن الفلسطينيين الاستفادة مالياً من أرضهم كقناة للتجارة. ومن المهم النظر في طريقة تفاعل السلام بين إسرائيل والدول العربية للخروج بنتائج أفضل للمنطقة.
باربارا ليف
على الساحة الإماراتية المحلية، اتخذ ولي العهد الأمير محمد بن زايد سلسلة من الخطوات في العقد الماضي لتعزيز الشعور المتميز بالقومية الإماراتية، وخاصةٍ في أوساط الشباب. وعكست هذه المبادرات مخاوف من أن أساليب الحياة الحديثة بدأت تؤثر على المجتمع الصغير في البلاد، وأن الدولة تفقد ثقافتها، وأن الجيل الأصغر سناً يفتقد إلى الشعور بالمسؤولية تجاه الدولة. فضلاً عن ذلك، كانت قيادة الإمارات تختبر حالة التطبيع – سواء بين شعبها أو في المنطقة. كما أن التغطية الإعلامية الإماراتية لإسرائيل لم تكن انفعالية، وفي حين انتهجت القيادة مقاربة حذرة إزاء الظهور العلني للوفد الإسرائيلي حين بدأت أبوظبي تستضيف اجتماعات “الوكالة الدولية للطاقة المتجددة” التابعة للأمم المتحدة في 2015، تمّ إيلاء أهمية متزايدة ومقصودة للاتصالات على مستوى الأفراد. وكان الهدف من هذه الخطوات جعل موقف الإمارات متفرداً في المنطقة في نظر الولايات المتحدة ونظر شعبها على حد سواء.
وبعد عام 2011، استمرت الاضطرابات بلا هوادة، حيث تشكّلت شبه كتلتين في المنطقة – السعودية والإمارات ومصر من جهة؛ وقطر وإيران وتركيا وجماعات الرفض على غرار «الإخوان المسلمين» و«حماس» و«حزب الله»، من جهة أخرى. وفي حين استند التطبيع إلى عوامل أمنية وطنية بالنسبة للإمارات، فقد اعتبر الإماراتيون أيضاً الخطوة أساسية من أجل تعزيز الروابط مع الولايات المتحدة، والحفاظ على دعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري في واشنطن، والارتقاء بالعلاقة إلى “النادي” الخاص للشركاء الاستراتيجيين مثل إسرائيل، بالإضافةً إلى الوصول إلى بعض أنظمة الدفاع المتقدمة التي لطالما سعوا إلى امتلاكها. وهناك أيضاً نوع من التفكير في أوساط قيادة الإمارات مفاده بأن المنطقة تسير نحو حقبة ما بعد أمريكا. وفي هذا الصدد، يمكن اعتبار الاتفاق بمثابة تحوّط ضد هذا الاحتمال، حيث تسعى الإمارات إلى علاقة دفاعية/أمنية مع القوة العظمى في المنطقة، أي إسرائيل.
وغالباً ما تتصف السياسة الخارجية الإماراتية بأنها تميل إلى المخاطرة؛ وكانت الخطوة الاستراتيجية باتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل بمثابة مخاطرة مدروسة بشكل دقيق، وسرّعت اتجاهاً كان جلياً أساساً. وفي الموازاة، كانت واشنطن تواجه صعوبات منذ بعض الوقت حول كيفية التعامل مع سياسة خارجية إماراتية أكثر جرأة، ومن المرجح أن تلعب الإدارة الأمريكية الرئاسية الديمقراطية دوراً أكثر أهمية. يُذكر أن الإمارات جرّبت تدخلات أكثر حزماً في اليمن وليبيا. ففي اليمن، أصبحت التكاليف باهظة للغاية مما دفع بولي العهد إلى اتخاذ القرار الصعب بالانسحاب على الرغم مما سيترتب على العلاقة الإماراتية-السعودية من ثمن. ومن جهتها، تمثل ليبيا مثالاً على مد الإمارات أياديها بعيداً، الأمر الذي سيؤثر على الأرجح في قرار الكونغرس بشأن بيع طائرات مقاتلة من نوع “أف-35” وغيرها من الأنظمة المتقدمة إلى أبوظبي.
وستخطئ الإدارة الأمريكية الحالية أو أي إدارة مستقبلية إذا ما ركّزت حصراً على تحقيق المزيد من المكاسب جراء التطبيع؛ فذلك يجازف بحدوث التطبيع على أساس تعاملي إلى حدّ كبير، مما سيتسبب بتعارض مع سياسات أخرى مثل “التفوق العسكري النوعي”. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بالنسبة للولايات المتحدة هو كيفية البناء بشكل استراتيجي على الإنجازات التي سبق أن تحققت، والتحرك في نهاية المطاف نحو حلّ القضية الفلسطينية، وهو العامل الأساسي للأمن والازدهار الإسرائيلي والفلسطيني. والأفضل حالياً هو احترام التحفظ الرسمي للدول الأخرى في الوقت الحالي، مع التركيز على تشجيع الشركاء في المنطقة على القيام بما بدأته الإمارات قبل بضع سنوات – أي تغيير البيئة في البلاد لإعداد شعبها للتطبيع الرسمي في مرحلة ما. وهذا يعني رفع القيود عن الاتصالات على مستوى الأفراد، وتعزيز الحوار بين الأديان، وتغيير نبرة وسائل الإعلام الحكومية تجاه إسرائيل والعمل بشكل عام على تغيير البيئة محلياً لكي لا يبقى التطبيع فكرة غير واردة على الإطلاق.
ديفيد ماكوفسكي
هناك مسوغ ثنائي مقنع للاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي. فالبَلَدان يظهران حذراً إزاء إيران ولديهما وجهات نظر واضحة بشأن «خطة العمل الشاملة المشتركة» والإسلام السياسي. ويكتسي هذا التقارب أهمية خاصة وسط تساؤلات طويلة الأمد حول دور الولايات المتحدة في المنطقة. كما يسهّل الاتفاق التوصل إلى رخاء اقتصادي محتمل. فبينما كان للسلام الإسرائيلي مع مصر والأردن أهمية استراتيجية كبيرة، يقدّم السلام مع الإمارات فرصاً للاستثمار. كما تقدم اتفاقية التطبيع سلاماً دافئاً لم تشهده إسرائيل من قبل.
ويأتي الاتفاق نتيجة عملية سلام غير مقصودة متعددة المراحل. أولاً، جاءت خطة ترامب للسلام، التي رفضها الفلسطينيون فوراً. بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من تحفيز جناح اليمين الإسرائيلي لأنه لم يعوّد قاعدته على فكرة التنازل عن الأراضي. ومن ثم طُرِح احتمال ضمّ أراضي الضفة الغربية الذي تمّ رفضه بسبب الغضب الدولي ومعارضة المجتمع الاستراتيجي في إسرائيل نفسها. ثالثاً، جاءت الإمارات لإنقاذ الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل رئيسي بواسطة اتفاق التطبيع.
يُعتبر الاتفاق إنجازاً عظيماً، رغم أنه لم يتطلب نفس مستوى المخاطرة الذي أقدم عليه مناحيم بيغن في كامب ديفيد أو إسحاق رابين في أوسلو. وانتهزت الإمارات لحظة تكتيكية للاستفادة من مزايا أمنية ثنائية من الولايات المتحدة، وسط مواجهة الرئيس ترامب انتخابات صعبة وسعيه إلى تحقيق إنجاز. ومن المرجح أيضاً أن تكون الإمارات قد اعتبرت هذه الخطوة بمثابة تأمين ضد المخاطر السياسية لاحتمال قيام حقبة ما بعد ترامب، لأنه قد يكون للإدارة الديمقراطية وجهات نظر مختلفة حول الخليج.
وبالنسبة للفلسطينيين، على الأطراف إعادة النظر في مبادرة السلام العربية التي تستند على أسس كانت صالحة في عام 2002، عندما لم يكن لدول الخليج علاقات ثنائية مع إسرائيل. وكانت فكرة قيام الدول العربية بتطبيع العلاقات بعد أن تحل إسرائيل صراعها مع الفلسطينيين بمثابة مكافأة، أما الآن، فيُنظر إليها كعقاب – وهذا موقف من شأنه أن يرجئ العلاقات مع إسرائيل إلى أجل غير مسمى وبتكلفة باهظة للغاية من ناحية الفرص البديلة بالنظر إلى التهديد الذي يطرحه النفوذ الإيراني في المنطقة. ومن بين المؤشرات على تغيّر وجهات النظر هو أنه عندما تم التوصل إلى “اتفاقية كامب ديفيد” في عام 1979، قطعت “جامعة الدول العربية” علاقاتها مع مصر لمدة عشر سنوات. لكن في الأسبوع الماضي، أشارت “الجامعة” ببساطة إلى أن اتفاق الإمارات كان قراراً سيادياً لدولة عربية وأنها لن تتدخل في هذا الصدد.
وبينما سيترقب الفلسطينيون بالتأكيد نتائج الانتخابات الأمريكية، عليهم محاولة تملّق الإمارات بدلاً من لعن القرار. فلديهم الكثير من الخلافات مع الإمارات التي تحتاج إلى حل، وغالباً ما تتفاقم بسبب التنافس بين عباس والسياسي الفلسطيني البارز المقيم في الإمارات محمد دحلان.
وأخيراً، من المهم الإشارة إلى أنه في حين قام العديد من المسؤولين الأمريكيين برحلات إلى المنطقة في سياق الإنجاز الإسرائيلي-الإماراتي، إلّا أن مسؤولي البنتاغون لم يُقدموا على خطوات مماثلة. وسوف تتطلب أي صفقة لبيع مقاتلات “أف-35″، قيام مفاوضات بين المجتمعين في شؤون الدفاع، غير أن أوقاتهما غير متزامنة حالياً، حتى في الوقت الذي تضغط فيه إدارة ترامب ونتنياهو باتجاه حل هذه المسألة بحلول نهاية العام الحالي.
باسيا روزنباوم
معهد واشنطن