في اعتداء هو السابع من نوعه منذ مطلع الشهر الحالي، نفذ مسلحون، فجر اليوم الثلاثاء، هجوماً صاروخياً جديداً استهدف المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية بغداد، وذلك بعد ساعات من هجومين بواسطة عبوات ناسفة استهدفا رتلين تابعين لقوات التحالف الدولي في محافظتي القادسية وبابل جنوبي البلاد.
وقال مسؤولون في جهاز الشرطة العراقي ببغداد، إن ثلاثة صواريخ، استهدفت فجر اليوم الثلاثاء المنطقة الخضراء، سقط أحدها في نهر دجلة، بينما تصدّت منظومة مضادة للصواريخ موجودة في السفارة الأميركية لاثنين منها، ما أدّى إلى تدمير الصاروخين قبل نزولهما على الأرض.
وبحسب معلومات أمنية، فإنّ الاعتداء الصاروخي هو الأول من نوعه الذي يتم بصواريخ غير الـ”كاتيوشا” محدودة التأثير، وبفضل منظومة الـ”سيرام”، الموجودة في حرم السفارة الأميركية تم تدمير اثنين منها، وتضيف المعلومات أنّ الاعتداء الصاروخي شكّل تطورًا مقلقًا من حيث نوعية الهجمات التي باتت تستخدم صواريخ بنفس حجم الـ”كاتيوشا” وطريقة إطلاقها، لكن بقوة تدميرية أكبر.
وجاء الاعتداء بعد ساعات قليلة من هجومين استهدفا رتلين تابعين لقوات التحالف الدولي في محافظتي القادسية وبابل جنوبي البلاد. وقالت خلية الإعلام الأمني في بيان “تعرضت المنطقة الخضراء في تمام الساعة الواحدة فجر اليوم إلى سقوط صاروخي كاتيوشا”.
وأضاف البيان أنه جرى التصدي للصاروخين بالجو من خلال منظومة “سيرام” الدفاعية التابعة للسفارة الأميركية الموجودة في المنطقة الخضراء في بغداد.
وأكد البيان أنه “لا توجد خسائر أو أضرار” جراء إطلاق الصاروخين، مشيرا إلى أن انطلاق الصاروخين كان من منطقة علي الصالح في العاصمة العراقية.
وتقف وراء تلك الهجمات مليشيات مدعومة من إيران، كان قد حذرها مؤخرا رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من هذا التصعيد وعدم الامتثال إلى سلطة الدولة.
وتشكل الاعتداءات المتكررة بصواريخ الكاتيوشا تحديا كبيرا للأجهزة الأمنية العراقية منذ سنوات، والتي غالبا ما تستهدف المنطقة الخضراء المحصنة أمنيا ومعسكرات للتحالف الدولي ومصالح الولايات المتحدة في العراق.
ومع أن الاعتداء الصاروخي لم يستهدف السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء بشكل مباشر، إلاّ أنه كان دليلا كافيا على أن الميليشيات العراقية الموالية لإيران لا تنوي تغيير سلوكها الرافض للوجود الأميركي.
وفي غضون ذلك حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من أي هجوم إيراني على الولايات المتحدة انتقاما لمقتل القائد العسكري قاسم سليماني، ووجه ترامب رسالة تحذيرية إلى القيادة الإيرانية على حسابه الرسمي بموقع “تويتر”، منذ قليل، قائلا: “إن أي هجوم من جانب إيران بأي شكل من الأشكال على الولايات المتحدة، سيواجه بهجوم على إيران سيكون أكبر بألف مرة”.
وأفاد ترامب في رسالته، بأن هناك تقارير صحفية تشير إلى أنه ربما تخطط إيران لاغتيال أو هجوم آخر ضد الولايات المتحدة انتقاما لمقتل الزعيم الإرهابي سليماني، والذي تم تنفيذه لتخطيطه لهجوم مستقبلي ، وقتل القوات الأمريكية ، مؤكدا أن سليماني تسبب في الموت والمعاناة على مدى سنوات عديدة.
ومع تسارع الأحداث الأمنية في بغداد، انفجرت عبوة ناسفة، في الطريق المؤدي إلى شارع مطار بغداد الدولي مستهدفة موكب يضم دبلوماسيين بريطانيين.
واضح جدا أن المليشيات الولائية تعبث بأمن وأستقرار وأزدهار العراق، كما أنها مصرة على أن تخطف العراق وجعله إحدى أدوات إيران في صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك غير مسموح على العراقيون نقد سلوكهم الهدام، أما من ينتقدهم أو يجرأ على ذلك فسيكون مصيره أما الاغتيال الجسدي كما حصل للهاشمي، ورهام يعقوب، وتحسين أسامة، وسواهم الكثيرون ممن تمت تصفيتهم جسديا خلال السنة الأخيرة، أو يتم اغتيالهم معنويا من خلال الأقلام والمواقع الكثيرة التابعة لهذه الميليشيات والممولة منها. فمن يجرؤ على نقد سلطة الميليشيات سيتهم بالعمالة لإسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية، أو أنه صدامي بعثي، أو ربما إرهابي متطرف، أو أحد “الجواكر” الذين تمولهم السفارة الأميركية.
وهناك اليوم في العراق عشرات القنوات التلفزيونية والإذاعية والمواقع الإلكترونية الممولة من هذه الميليشيات والتي تعمل وفق توجيهات موحدة ومنسقة لمهاجمة أي كاتب ينشر أي شيء معاكس لنفوذها أو حتى يعارض التوجهات الإيرانية في العراق والمنطقة. فإيران التي أنشأت ودربت ودعمت تلك الميليشيات، باتت الخط الأحمر لجمهورية الرعب المتحكمة بالعراق. وصار أي حديث عن النفوذ الإيراني أو الولائي في جمهورية الرعب الميليشياوية أشبه بنقد صدام وعائلته في جمهورية الخوف سابقا.
إن استراتيجية الكاظمي التي تقوم على تقوية مؤسسات الدولة الأمنية من جهة وأحتواء نشاط هذه الميليشيات من خلال حث القيادات الشيعية التي لها تأثير على تلك الميليشيات من جهة أخرى لن يتاح لها المزيد من الوقت للمضي بها. ويسعى نهج الكاظمي ضد المليشيات الولائية إلى إعادة الاعتبار إلى الدولة، وتأمين مواردها التي أصبحت نهبً لها، لأنها لا يمكن أن تقوم إلا برفض الهيمنة الإيرانية على الواقع العراقي.
ولكي يتمكن مصطفى الكاظمي من إرساء أسس الدولة العراقية التي لا تقوم لها قائمة إلا بالاستناد على المواطنة الحقيقية لا على المحاصصة الطائفية، لابد للقوى العراقية من الوقوف إلى جانبه لتخليص العراق من جمهورية المليشيات المرعبة.
وحدة الدراسات العراقية