“ماكرون على المحك”.. إنعاش متكرر للمبادرة الفرنسية في لبنان

“ماكرون على المحك”.. إنعاش متكرر للمبادرة الفرنسية في لبنان

دخلت المبادرة الفرنسية للبنان، التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون، في حالة موت سريري، مع محاولات باريسية حثيثة لإنعاشها، في ظل تجديد المهل الزمنية للقوى السياسية المشاركة في عملية تشكيل الحكومة، علهم يحققون تقدما، وإلا فسيعتذر رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب عن عدم إكمال المهمة.

العقبات هي عينها أمام مسألة التشكيل عامة، وهي هذه المرة التمسك بحقيبة المالية من طرف الثنائي الشيعي، رئيس مجلس النواب، رئيس “حركة أمل” نبيه بري، وجماعة “حزب الله”، حليفة النظام السوري وإيران، وهو محور يتبادل العداء مع إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة وأنظمة عربية حاكمة.

وبتهمة الفساد ودعم “حزب الله”، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في 8 سبتمبر/ أيلول الجاري، أنها أدرجت على “القائمة السوداء” كلا من وزير الأشغال اللبناني السابق يوسف فنيانوس، ووزير المالية السابق علي حسن خليل، المحسوب على بري.

ولا تزال عقدة حقيبة المالية مستمرة، وهو ما تجلى، الثلاثاء، بعد زيارة كل من رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، والمعاون السياسي لبري، النائب علي حسن خليل، لرئيس الجمهورية ميشال عون، حيث أكدا تمسكهما بالحقيبة.

وكلّف عون، في 31 أغسطس/ آب الماضي، أديب، السفير السابق لدى برلين، بتشكيل حكومة تخلف سابقتها برئاسة حسان دياب، التي استقالت في العاشر من الشهر نفسه، أي بعد ستة أيام من انفجار كارثي في مرفأ العاصمة بيروت.

وتزامن التكليف مع زيارة تفقدية لبيروت أجراها ماكرون، الذي تتهمه أطراف لبنانية بالتدخل في شؤون بلادهم الداخلية، ومنها عملية تشكيل الحكومة، في محاولة للحفاظ على نفوذ لباريس في لبنان، الذي احتلته فرنسا بين عامي 1920 و1943، وكذلك تحقيق مكاسب سياسية له داخل بلاده.

وذكرت تقارير صحافية لبنانية، أن رئيس جهاز الاستخبارات الفرنسية الخارجية برنارد إيمييه، أجرى اتصالات عدة لإعطاء مبادرة بلاده مدة 24 ساعة إضافية، بعد أن تخطت المهلة المحددة الإثنين.

ويقول مصدر مقرب من عون، طلب عدم نشر اسمه، إن “أديب طلب من رئيس الجمهورية مهلة 24 ساعة في محاولة لحل العقد”.

وأعربت الرئاسة الفرنسية، الأربعاء، عن أسفها لعدم تمكن الزعماء السياسيين اللبنانيين من الالتزام بتعهداتهم لماكرون، معتبرة أنه “لم يفت الأوان لتشكيل حكومة والعمل لمصلحة لبنان”.

مبادرة فاشلة

يقول طوني بولس، وهو كاتب ومحلل سياسي، إن “مجرد عدم الالتزام بمبادرة ماكرون، والتي انتهت في 14 أيلول (سبتمبر) دليل على فشلها”.

ويرى أنها “لا تتضمن مقومات نجاح من الأساس، فهي تعترف بحزب الله على أنه حزب سياسي، وتعتبره كغيره من الأحزاب، وهذا غير صحيح”.

ويتابع: “هذه المبادرة بُنيت على أخطاء، ولا سيما أن حزب الله له سلاح وسلطة على الدولة، ولا يمكن وضعه في الخانة نفسها مع بقية الأحزاب، وهذه هي النقطة الجوهرية في المبادرة الفرنسية”.

ويردف بولس أن “المبادرة لم تتطرق إلى السيادة اللبنانية ولا إلى سلاح حزب الله، بينما هي نقاط أساسية، ناهيك عن الغموض في النظام السياسي الجديد الذي تحدث عنه ماكرون”.

ويعتبر أن “المبادرة ارتكزت على تعويم الطبقة السياسية نفسها، وهذه الطبقة متهمة من الشعب اللبناني بالفساد وسط تظاهرات يومية ضد السلطة الحاكمة، كما أن المجتمع الدولي فقد ثقته بها”.

ويطالب محتجون، منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، برحيل الطبقة السياسية الحاكمة، حيث يتهمونها بالفساد وعدم الكفاءة.

وحول زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لباريس الإثنين، يقول بولس إنها “لإجراء مباحثات، والهدف منها عدم كسر فرنسا في لبنان، وعدم إبراز الفشل الفرنسي، لذلك أعطيت مهلا زمنية للمبادرة حتى نهاية الأسبوع”.

ويرى أن “التمديد المتكرر للمبادرة يدل على فشلها، لكن الفرنسيين يحاولون إظهار عدم خسارتهم، ويعمدون إلى الوصول لتسوية مع حزب الله، لعدم احتساب الخسارة في الداخل الفرنسي ضد ماكرون”.

ويستطرد: “ما يجعل الطبقة السياسية تصر على المبادرة الفرنسية هو سيف العقوبات المسلط عليها (أي على الطبقة)، فالسياسيون اللبنانيون فاسدون، وأموالهم في الخارج ويخافون على حجزها”.

حفاظ على المحاصصة

يرى رئيس جهاز الإعلام في حزب القوات اللبنانية، الصحافي شارل جبور، أن “المبادرة الفرنسية يجب أن تؤخذ على ما هي عليه بالكامل، أو تُنسف، ومن الواضح أن طرفا سياسيا يريد المحافظة على منطق المحاصصة السياسية”.

ويزيد جبور بقوله: “على هذا الطرف السياسي المعرقل أن يفهم أننا في أزمة سياسية مالية معيشية وجودية، وفي ظل هذه الظروف يجب الأخذ بتدابير استثنائية”.

ومنذ شهور، يعاني لبنان أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 ـ 1990) واستقطابا سياسيا حادا، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.

ويقول جبور، إن اتفاق “الطائف (الذي أنهى الحرب الأهلية) لم يذكر أبدا أن المالية هي للطائفة الشيعية، لكن هذا الطرف يسعى إلى المحافظة على مكتسباته وعلى طريقة إدارته للبلد، علما أنه هو المسؤول عن انهياره”.

ويضيف: “في حال توجهنا إلى حكومة نسخة طبق الأصل عن الحكومة المستقيلة (برئاسة دياب) نكون ندفع البلاد إلى المزيد من الفوضى والخراب”.

وحلت حكومة دياب الراهنة، منذ 11 فبراير/ شباط الماضي، مكان حكومة سعد الحريري، التي استقالت في 29 أكتوبر 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية.

ورفض “تيار المستقبل” (سني) بزعامة الحريري، وقوى سياسية أخرى المشاركة في حكومة دياب، التي واجهت اتهامات داخلية وخارجية بالخضوع لسيطرة “حزب الله”.

رصيد ماكرون على المحك

يعتبر رضوان عقيل، كاتب ومحلل سياسي، أن “المبادرة الفرنسية باتت في وضع صعب، ولا نستطيع القول إنها فشلت مئة في المئة، فقد يحصل تطور في اللحظات الأخيرة، نتيجة الضغوطات الفرنسية على الأفرقاء في لبنان للعمل على تشكيل الحكومة”.

ويضيف عقيل، أن “شخصية ورصيد ماكرون على المحك، وفي حال فشلت هذه المبادرة ستكون لها ارتدادات على الرجل”.

ويتولى ماكرون الرئاسة منذ عام 2017، وتنتظره انتخابات رئاسية في أبريل/ نيسان 2022، في ظل غضب بين الفرنسيين من سياساته، خاصة الداخلية.

ويرى عقيل أن “الخلاف الأساسي لا يتحمله الفرنسيون، وإنما الأفرقاء في لبنان نتيجة التشبث بهذه الحقيبة أو تلك، علما أن الثنائي الشيعي من حقه أن يطالب بحقيبة المال”.

ويستطرد: “يبدو أن هناك فيتو (رفضا) من رؤساء الحكومات السابقين، وتحديدا الحريري، الذي يمسك بمفاصل التأليف (تشكيل الحكومة)، ويمسك بكل ما يقوم به الرئيس المكلف، ويمنع من تسلم أي شخصية شيعية حقيبة المال”.

ويتابع: “هناك إشارات غير إيجابية صدرت عن جنبلاط والحريري، لا تشجع على أن الأمور تسير على منوال صحيح”.

والأربعاء، اعتبر الحريري أن “وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية ليست حقا حصريا لأي طائفة”.

وعن أجواء الثنائي الشيعي، يجيب عقيل: “الثنائي قال كلمته إنه يتمسك بحقيبة المال ومن حقه أن يسمّي الوزراء الشيعة ويعمل على تسهيل المبادرة الفرنسية، وهذا الفريق شعر بضغوط داخلية وخارجية دفعته إلى التمسك بموقفه”.

وفي حال انسداد الحلول بوجه أديب، يرى عقيل أن “هناك حلين، إما أن يتوجه الرئيس المكلف إلى الاعتذار أو الاعتكاف (تجميد عملية تأليف الحكومة من دون اعتذار ولا انسحاب)، لكنه لن يقدم على الاعتذار بقرار من نفسه عندما تُسد الأفق في وجهه، إنّما بطلب من رؤساء الحكومات السابقين، وتحديدا الحريري و(نجيب) ميقاتي”.

(الأناضول)